لاحظ عدد من متتبّعي الشأن الحقوقيّ تراجعاً في ممارسات الحريّات خلال سنة 2019 في المغرب، انطلاقا من مواصلة السلطات المغربية حملاتها ضد جماعة العدل والإحسان والتي تعتبر من أكبر التنظيمات الإسلامية في المغرب، وهي جماعة ذات مرجعية إسلامية سلمية كانت من بين أبرز التنظيمات المساندة حركة 20 فبراير عام 2011 في المغرب في سياق الربيع العربي. إذ بالإضافة إلى عدم الترخيص لها لمزاولة أنشطتها، تلجأ السلطات إلى تشميع بيوت أعضاء الجماعة، حيث أعلنت هاته الأخيرة في بلاغ لها صدر في 12 من يونيو 2019 عبر موقعها الرسمي أن السلطات قامت باقتحام وتشميع أربعة بيوت تابعة لأعضاء الجماعة دون تقديم أي سند قانوني. وينتظر أن يلتقي أعضاء من اللجنة الوطنية للجماعة بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم فاتح يوليوز المقبل قصد إعداد برنامج ترافعي وطني ودولي حول قضية البيوت المشمعة.
في نفس السنة، تم تأكيد حلّ جمعيّة تعنى بالشأن الثقافيّ لاستضافتها تصوير برنامج سياسيّ انتقد حصيلة إنجازات الملك محمّد السادس وبثّ على الإنترنت، حيث أصدرت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء في 16 أبريل من عام 2019 قراراً يؤيّد الحكم الابتدائيّ القاضي بحلّ جمعيّة “جذور”، إثر طلب صادر عن وزارة الداخليّة تتّهم فيه الجمعيّة بتنظيم نشاط لا يتوافق والقانون الأساسيّ للجمعيّة. هذا الحكم لم يكن له صدى لدى منظّمات المجتمع المدنيّ المغربيّة فحسب، بل أثار قلق المنظّمات الدوليّة أيضاً، إذ أصدرت منظّمتا “هيومن رايتس ووتش” ومنظّمة العفو الدوليّة بياناً مشتركاً دعتا فيه الدولة المغربيّة إلى التراجع عن مساعي حلّ الجمعيّة، وممّا جاء على لسان مديرة المكتب الإقليميّ للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظّمة العفو الدوليّة هبة مرايف: “قرار حلّ جذور هو ضربة هدفها واضح: ترهيب المنتقدين من أجل إسكاتهم. لا يجب أن يعاقب أحد للتعبير السلميّ عن آرائه أو انتقاده للمؤسّسات. إذا كانت السلطات المغربيّة جادّة في التزامها الدستوريّ والدوليّ بضمان حريّة التعبير والعمل الجمعويّ، عليها التخلّي فوراً عن جميع محاولاتها لإقفال جذور”.
بالإضافة إلى ذلك قامت نفس المحكمة بغرفة الجنايات بتأكيد الأحكام ضدّ قادة حراك الريف في 5 أبريل من عام 2019، وهو حراك خص منطقة شمال المغرب طالبت فيها الساكنة بتحسين الأوضاع الاجتماعية وذلك بعد حادث مقتل بائع سمك دهسا بواسطة شاحنة لجمع النفايات في من 26 أكتوبر 2016.. كلّها مؤشّرات تقلق الرأي العام المغربيّ والدوليّ. وفي المقابل، يتّجه القصر الملكيّ إلى التعامل بشكل من المرونة عبر اللجوء إلى تحريك المسطرة الاستثنائيّة للعفو لفائدة عدد من معتقلي الحراكات الشعبيّة كان آخرها في 4 يونيو من عام 2019 حيث أصدر الملك محمّد السادس مذكّرة عفو لفائدة 107 معتقلين على خلفيّة الحراكات الشعبيّة في كلّ من جرادة والريف من دون أن يطال العفو قادة حراك الريف، في محاولة من عاهل البلاد للتخفيف من حدّة التأزم.
وقال عادل السعداني، المنسّق العام لجمعيّة “جذور” المحكوم عليها بالحل، والذي كان حاضراً خلال تصوير البرنامج بصفته ضيفاً: “هناك غياب للإرادة الفعليّة في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بالمغرب، إذ أنّ مؤسّسات الدولة التي من المفروض أن تعنى بقضايا انتهاكات الحقوق تصطفّ بجانب السلطات العموميّة في محاولة لتبرير أو لتقزيم خطورة هذه الانتهاكات”.
في هذا الصدد، جاء ردّ المندوب الوزاريّ لحقوق الإنسان شوقي بنيوب مندّداً ومستنكراً بيان “هيومن رايتس ووتش” التضامنيّ، معبّراً عن رفضه التامّ لما جاء فيه، بل منوّهاً بقرار النيابة العامّة متابعة الجمعيّة أمام القضاء المدنيّ عوض متابعة القائمين على البرنامج أو المشاركين فيه وبينهم صحفيون باحثون وفاعلون في المجتمع المدني بمقتضيات القانون الجنائيّ والذي يتضمن عقوبات حبسية.
من جهته قال أحمد الهايج الرئيس السابق للجمعيّة المغربيّة لحقوق الإنسان، معلّقاً على ما جاء على لسان شوقي بنيوب: “إنّ الدولة تعيد إنتاج الخطاب نفسه، الذي ساد خلال سنوات الرصاص، حيث كانت تنفي انتهاكات حقوق الإنسان. والحال هو أنّ في الكثير من القضايا ذات الطابع الحقوقيّ أو السياسيّ تلجأ السلطات إلى تأويلات واسعة للقوانين تصبح نقيضة للحقّ في ممارسة الحريّات”.
وأضاف السعداني: “تسقط مؤسّسات الدولة المكلّفة بملف حقوق الإنسان في ازدواجية الخطاب، فهي على الصعيد الدوليّ تقدّم نفسها كمؤسّسات تعنى بالدفاع عن الحقوق والحريّات، في حين أنّ دورها لا يتجاوز في غالبيّة الأحيان محاولة تلميع الصورة الحقوقيّة للمغرب”.
من بين ما يثير حفيظة المراقبين للشأن الحقوقيّ في المغرب هو مدى استقلاليّة المؤسّسات الوطنية الحقوقيّة عن التوجّهات السياسيّة للدولة. وفي هذا الصدد، قال أحمد الهايج: “لدينا عدد من الانتقادات والملاحظات عن كيفيّة اشتغال المجلس الوطنيّ لحقوق الإنسان، إذ أنّ المقتضيات القانونيّة وهندسة تشكيل المجلس لا توفّر له الاستقلاليّة اللاّزمة لمباشرة عمله. في العديد من المحطات، صادق المغرب على بنود في المواثيق الدولية دون اللجوء إلى ملاءمة القوانين الوطنية، وذلك بداعي تعارض المعاهدات الدولية مع توابث الدولة (الإسلام، الملكية، الأعراف و التقاليد…)، ما يترتّب عنه ازدواجيّة في المرجعيّات، حيث تحلّ المرجعيّة الوطنيّة مقام المرجعيّة الدوليّة لحقوق الإنسان بداعي الخصوصيّة المغربيّة. وما يجب علينا اليوم فهمه هو العلاقة التي تربط المجلس بالسلطات العموميّة، والتي من المفروض أن تتّسم بالاستقلاليّة الكاملة، وألاّ يقتصر عمل المجلس على إصدار توصيات ذات طابع استشاريّ أو إنجاز تقارير تبقى في بعض الأحيان حبيسة الرفوف”.
ولعلّ من التقارير التي لم تنشر تلك المتعلّقة بمزاعم تعرّض معتقلي حراك الريف للتعذيب، والتي تمّ تأكيد صحّتها إثر خبرة طبيّة أجريت على 36 شخصاً متابعاً، في إطار ما بات يعرف بقضيّة معتقلي حراك الريف. وهذا التقرير، الذي سرّبت بعض معطياته، لم يتمّ نشره رسميّاً. كما لم يتمّ تكذيب مضمونه.
وقال الهايج: “تتناقض الممارسة مع الالتزامات الدوليّة للمغرب في مجال حماية حقوق الإنسان، إذ هناك نوع من الانفصام ما بين الخطاب الرسميّ وما يتمّ الترويج له من جهة، وما يعاني منه المواطنون من جهة أخرى”.
وحسب الفاعل الجمعويّ السعداني يعود سبب الانتكاسة الحقوقيّة إلى ظروف سياسيّة دوليّة يستغلّها المغرب، وقال: “في السياق الدوليّ، يرتكز المغرب على أولويّات دول الجوار، وهي أساساً انشغالات ذات طابعين اقتصاديّ وأمنيّ. في هاته المعادلة، تصبح التزامات احترام حقوق الإنسان هامشيّة”. في هذا الإطار عزز المغرب موقعه كشريك اقتصادي متميز لدول الشمال عبر إبرام اتفاقيات للتبادل الحر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وكذا دوره كبلد رائد في مكافحة الإرهاب.
رأي يُشاطره الهايج، الذي لاحظ تراجعاً في مستوى الضغط الدوليّ لحماية حقوق الإنسان، وقال: “بند حقوق الإنسان لم يعد محدّداً في العلاقات الدوليّة، فالآن نرى أنّ دولاً عظمى كفرنسا أو الولايات المتّحدة الأميركيّة تخرق القانون الدوليّ وترفض الامتثال له في بعض المحطّات (لاسيما فيما يخص اتفاقيات بيع الأسلحة لبعض الدول المتورطة في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان) . ناهيك عن خفض الميزانيّات المخصّصة للجان المعاهدات (الأممية المكلفة بحقوق الإنسان) التي تشرف على دراسة تقارير الدول في خصوص مدى التزامها بأعمال الاتفاقيّات المصادق عليها. كلّها مؤشرات توحي بتراجع مؤشّر حقوق الإنسان في العلاقات الدوليّة”.