تداول عشرات الآلاف من مستخدمي مواقع التواصل باللغة العربية مقطعاً مصوّراً فيه مقتطفات من كلمة لعبد الفتاح مورو، مرشّح حركة النهضة الإسلامية للانتخابات الرئاسية في تونس، توحي بخطاب متشدد يدعو إلى “دولة قهر تطبّق الإسلام”، لكن المقطع في الحقيقة مجتزأ.
بماذا نحقق؟
يتضّمن المقطع مقتطفات من كلمة يلقيها مورو، أحد مؤسّسي حركة النهضة ذات المرجعيّة الإسلاميّة، من منبر عليه عدد من الميكروفونات التابعة لوسائل إعلام على ما يبدو.
ومما يقوله:
– “لم نعد ننتدب الناس على أساس كفاءتهم لأننا نخشى أن تخبّىء كفاءتهم الظاهرة عداوة يمكن أن تنقلب علينا في يوم من الأيام .. آخَذَنا الكثير بأننا نقدّم أصحاب الولاء على أصحاب الكفاءة”.
– “نعتبر أن هذه الفرصة هي فرصتنا.. نحن متشبثون بكراسينا وماسكون بقدراتنا ولن نسمح لغيرنا أن ينازعنا فيها”.
– “الإسلام الذي نرغب فيه عيشاً وحياة لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الدولة.. أصبحنا نعتقد أن الإسلام لن يعيش إلا بقهر قاهر وحكم حاكم، وأن هؤلاء الذين يستخفون بسلوك المسلمين والذين يستخفون بشخصية الإسلام ينقصهم حاكم قوي يُفقدهم وجودهم.. لذلك نحن نحرص على إقامة هذه الدولة، دولة القهر التي من خلالها سيطبّق الإسلام”.
جمع المقطع من هذه الصفحة وحدها أكثر من 17 ألف مشاركة و360 ألف مشاهدة، ونشر بعنوان “هل يوجد أكثر من هكذا اعتراف؟ اسمعوا يا توانسة وانشروا”.
وبحسب ما وقع عليه فريق تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس، نُشر هذا المقطع أول مرّة في صفحة “صناديد”، وذلك في الثاني من ماي 2016، وجمع فيها 36 ألف مشاركة وأكثر من 960 ألف مشاهدة.
وتناقلته بعد ذلك صفحات أخرى. وما زال تداوله مستمرّاً حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
عناصر مثيرة للشك
لكن عبد الفتاح مورو (71 عاماً) الذي رشّحته حركة النهضة للانتخابات الرئاسية المبكّرة المقررة في منتصف سبتمبر المقبل، هو من الشخصيات المعروفة باعتدالها في التيار الإسلامي، ومن المستبعد أن يصدر عنه كلام كهذا.
وقد تنبّه عدد من المستخدمين لهذا الأمر وأن الكلام قد يكون مجتزأ، ومنهم من عثر فعلاً على المقطع الأصلي ووضعه في التعليقات، لكن ذلك لم يحل دون استمرار انتشار الفيديو.
ماذا يقول مورو في المقطع الأصلي؟
يصوّر المقطع الأصلي محاضرة لعبد الفتاح مورو بعنوان “الإسلاميون والسلطة”، ألقاها فيالمنتدى العالمي للوسطية في الأردن عام 2013.
ولدى سماع المقطع كاملاً يتبيّن أن ما قصده مورو هو انتقاد التيار الإسلامي على هذه الطروحات والردّ عليها، وليس تبنّيها.
فحين يقول “لم نعد ننتدب الناس على أساس كفاءتهم لأننا نخشى أن تخبّىء تلك الكفاءة الظاهرة عداوة يمكن أن تنقلب علينا في يوم من الأيام..وآخَذَنا الكثير بأننا نقدّم أصحاب الولاء على أصحاب الكفاءة”، يعلّق على ذلك بالقول “هذا مطب كبير في نشاطنا ينبغي أن نتداركه، نحن مطالبون اليوم بأن ننفتح على واقع جديد، هذا الواقع أهم ما يميّزه أننا لم نعد في عهد الدولة العثمانية ولا ما قبلها من الدول التي قامت على أساس الانتساب إلى عقيدة واحدة.. نحن الآن في دولة وطنية مسيحي إلى جانب مسلم ومسلم إلى جانب ملحد جميعهم ينتسب إلى تلك الأرض.. حقوقهم حقوق واحدة وواجباتهم واجبات واحدة”.
أما عبارته “إننا نعتبر أن هذه الفرصة هي فرصتنا..نحن متشبثون بكراسينا وماسكون بقدراتنا ولن نسمح لغيرنا بأن ينازعنا فيها”، فقالها في سياق الدعوة إلى عدم استقواء الإسلاميين بالديموقراطيّة الأكثريّة على الأقليّات في بلدانهم، وأن يتبنوّا في المراحل الأولى من بناء الدولة الديموقراطية “ديموقراطيّة الوفاق”.
وهنا يتساءل “هل نحن أهل وفاق؟”، ثم يجيب منتقداً الإسلاميين “إننا نعتبر أن هذه الفرصة هي فرصتنا.. نحن متشبثون بكراسينا وماسكون بقدراتنا ولن نسمح لغيرنا بأن ينازعنا فيها”.
ويضيف “أصبحنا نعتقد أن الإسلام لن يعيش إلا بقهر قاهر وحكم حاكم، وأن هؤلاء الذين يستخفون بسلوك المسلمين والذين يستخفون بشخصية الإسلام ينقصهم حاكم قوي يُفقدهم وجودهم..لذلك نحن نحرص على إقامة هذه الدولة، دولة القهر التي من خلالها سيطبّق الإسلام”.
لكنه يردّ على هذا الطرح قائلاً “الدولة التي أتانا بها الإسلام ليست هذه الدولة، والإسلام الذي نعلمه لن يُمكّن في قلوب الناس لا بقهر ولا بقوة ولا بضغط ولا بإلزام (..) الاسلإميون غافلون عن المكسب الأكبر الذي حازوه وهو تلك الحرية المتاحة لهم.. من خلال هذا المكسب أنا أدعو إلى رأيي .. دون أن أحتاج إلى عصا بوليس أو بندقية عسكري”.
عن موقع تقصي الأخبار التابع لوكالة فرانس بريس: