صحافة البحث

الصحافة، المواطن والمال: تحولات المشهد الصحفي الفرنسي (1)

- الإعلانات -

 يتساءل D. Junqua، وهو نائب رئيس منظمة مراسلون بلا حدود، صحفي سابق في لوموند ومدير سابق لمركز تكوين واستكمال تكوين الصحفيين، يتساءل في كتابه: 

توزيع الصحف في تراجع، الشبان لا  يقرأون، الأنترنت توفر كل ما يطلب، فهل انتهى عهد الصحافة في عهد الشاشة؟ يجيب: لا، التلفزة لم تقتل الصحافة، فالمذياع يعلن، والتلفزة تظهر والصحف تحلل تفسر وتعلق، ثم إن الشركات الصناعية الكبرى تتسابق لشراء الصحف أوإصدارها. النقود تقتحم عالم الصحافة، سلطة المال تحل محل سلطة الدولة، فهل الصحافة سلعة تترك للسوق حسب الأنجلو ساكسون أم تستحق الحماية بفضل دورها الثقافي والتربوي حسب الفرنسيين؟

 الإتجاه الأول هو الغالب، لأنه لا يُتوقع من حكومات لبرالية أن تدافع عن الإعلام كخدمة عمومية، فما هي مخاطر خوصصة الإعلام على الحق في المعرفة الصحيحة؟ وما هو دور المواطن ليدافع عن حقه في جريدة مستقلة وإعلام ذي مصداقية؟

يعالج الكاتب هذا الإشكال من زوايا متعدد في سبعة فصول هي:

                      الفصل الأول: متطلبات المواطن

 كان المواطن الإغريقي يتلقى المعلومات في المنتدى، هذا المكان العمومي حيث يتعلم ويُسائل ويجيب ويناقش، في المجتمعات الحديثة، هذا المنتدى هو الصحافة. لذا يجب على الصحفيين وما لكي الصحف أن يقدموا الحقيقة للمواطن، لأن من شروط المواطنة، التوفر على إعلام حر، متكامل، صارم يقدم تقارير دائمة عن المسؤولين، إعلام يمكن من الفهم، من الفعل ومن رد الفعل. نظريا، لاشيء يعترض هذه المهمة في فرنسا، فالمعلومات مشاعة والدولة لا تتدخل.

ما يعترض هذه المهمة هو أزمة الثقة، خاصة في المنابر الصحفية الجديدة، وقد أجرت جريدة Le Nouvel Observateur استطلاعين للمقارنة بين صورة الصحفي في 1975 و1990، في الأول كان الصحفي شجاعا، كفء، صادقا ومحترما، أما في الثاني فقض ضُم إلى الذين لا يمكن الوثوق بهم، وهم البرلمانيون والعاهرات. يفسر الكاتب: لم يتغير الصحفيون بل تغيرت المنظومة الإعلامية، وهناك أربعة عوامل وراء هذا التغيير:

1- إزدياد مكانة التلفزة

لأنها تعطي الأولوية للصورة والفرجة والإغراء على حساب الأفعال والأفكار والإقناع. وقد جعلت مقدمي البرامج في الواجهة وهو يحاورن المسؤولين، لذا يخلط المتفرج السلبي بين الصحفي والمسؤول الحكومي، فأصبحت الصحافة جزء من عالم السلطة.

2- دور الإعلام:

لم تعد السلطة تقوم على السر، بل على الإعلام/الإعلان، لذا تسلح المسؤولون بوسائل إعلامية خاصة لمراقبة وتوجيه المعلومات التي تعطى للجمهور، وذلك بإعداد ملفات، بتعيين ناطقين رسميين، بوضع مواقع خاصة على الأنترنت، بالإهتمام بالصحفيين، وتوفير دعوات وأسفار لهم… وقد حصل تداخل بين الصحفي والناطق الرسمي والملحق الصحفي ومدير الإتصال…

3- هوس زيادة المتابعة   Audience  

لم يعد الجمهور يميز بين الصحفيين ووسائل الإعلام والمؤسسات المالكة التي تبحث عن الربح. لقد غدا الإعلام سلعة، والجريدة منتوجا، والمطلوب مضاعفة عدد الزبناء، أي القراء والمتفرجين، وكلما زاد عدد الزبناء اتخذ ذلك دليلا على نجاح الخط التحريري. لزيادة الزبناء لابد من السبق الصحفي حتى لو أدى ذلك إلى أخطاء مهنية. للتنظير للوضع الجديد نظمت الجمعية الدولية للصحافة ندوة حول ” Redaction et Marketing”. 

4- نهاية صراعات الرأي

من وظائف الصحف أن تكون مجالات للمواجهة بين الأفكار والآراء والقناعات، مما يمكن القارئ من التماهي مع جريدته والإعلان عن انتمائه إلى توجه فكري معين.

لكن جرائد الرأي لم تعد تحقق أرباحا بسبب موت الأيديولوجيا وانتصار اللبرالية التي تحث على الواقعية والبراغماتية، ولا ينظر إلى اللبرالية كأيديولوجيا، بل كقيم طبيعية.

كبديل لصحافة الرأي، يتم الحديث عن التجانس الاجتماعي والفكر الواحد والتسليم بتوجه معين، لكن أحداثا سياسية ذات حمولة سياسية كبيرة، مثل بعض الاستفتاءات، تبين أن هناك تناقضا بين التوجه العام للصحف ورأي المواطن. وهو ما يشكك في مصداقية الإعلام واستقلال الصحفيين.

 لذا لا يجب أن تسابق الصحف التلفزة والمذياع، لأن مهمة الصحف بعدية، دورها هي أن تتوجه للذين سمعوا الخبر وشاهدوا الصور ويريدون أن يفهموا، وهذا ما يمنح الجريدة ميزات كثيرة.         تقدم كمية كبيرة من المعلومات، حتى أن نشرة الأخبار الصباحية في الإذاعة الفرنسية لا تتجاوز نصف صفحة من لوفيغارو. ثم إن الصحيفة موثقة، مادية وتخاطلب العقل. تتأمل الحدث عن مسافة، تنظم الأفكار، تراجعها تقيم الوضع وتحرص على الموضوعية والنزاهة.

الخلاصة: إذا كان هناك من وسيلة إعلامية لتنوير المواطنين، فهي الصحافة. لذا يجب عليهم أن يتصرفوا، أن يبذلوا جهدا ووقتا ومالا،  وذلك على الشكل التالي:

1- أن يؤثروا على اختيار الخط التحريري للصحف الكبرى. 2- أن يعاقبوا الصحف التي يرفضونها، وذلك بالتوقف عن شرائها لتفلس الجرائد التي لا تستجيب لتطلعات القراء. 3- إن ينشؤوا جمعيات لمستهلكي الصحف  للإحتجاج بشكل جماعي ضد تراجع جودة المنتوج الإعلامي. 4- أن يدعموا ماليا، الصحف المستقلة المهددة بالتوقف. 5- أن يساهموا نضاليا في التوزيع. 6- أن يؤسسوا جمعيات للقراء للمساهمة في رأسمال الصحف لتحافظ على استقلاليتها، رغم أن هذه الجمعيات لا تتدخل في الخط التحريري كما هو حال لوموند ديبلوماتيك. 7- أن يأسسوا صحفهم الخاصة.

بهذا الشكل، لن يكون الفرنسيون سلبيين بل سيتحكمون في مصير إعلامهم.