صحافة البحث

[روبورتاج].. تونس تختار رئيسها في انتخابات حرة وأسف “عامي” على “زمن بن علي”

- الإعلانات -

وسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس، لا حديث بين رواد المقاهي والمحلات التجارية غير رسم “بروفايلات” المرشحين للرئاسة التونسية. حملة جذبت عبر اعتمادها لصيغة المناظرات التلفزية أزيد من ثلاثة ملايين تونسي تابع هذه المناظرات على ، حسب الأرقام الرسمية، على القناة الوطنية التونسية الأولى، بالإضافة إلى مائة الألاف على وسائط أخرى. 

أسف شعبوي على زمن بنعلي

شريحة من الشعب التونسي العادي، تتابع المناظرات، لكنها غير راضية بشكل كامل على الوضعية الاقتصادية، التي تعاني منها تونس. مُعتبرين أن أي عملية سياسية يجب أن تعتمد بالضرورة العامل الاقتصادي، بحيث أوضح سائق طاكسي صغير أربعيني وسط تونس جازما أن “البلد تعرف تراجعا كبيرا وأن زمن بنعلي أفضل بكثير من هذا الزمن الديمقراطي الذي تعرفه تونس”، مضيفا “الشباب كله يتجه إلى الهجرة السرية (الحرقة) وأنا بدوري إن أتتني الفرصة لن أضيف يوما لي بهذه البلد”.

وفي تساؤلنا عن حنينه إلى زمن رئيس دكتاتور أفقر الشعب التونسي قال سائق التاكسي: “بن علي لم يسرق الشعب التونسي، بل من يحكمون الآن هم الذين وضعوا قوانين لسرقة أموال الشعب بشكل قانوني”.

سائق تاكسي آخر شاب (ثلاثيني) له رأي آخر بخصوص المشاركة في الانتخابات التونسية بحيث أوضح، جوابا على سؤال من هو الإسم الذي تنوي التصويت عليه في الانتخابات؟: “المرشح الذي نويت التصويت عليه وضعوه في السجن (يقصد نبيل القروي)”، وبخصوص سبب اختياره زاد قائلا : “القروي يقوم بعمل خيري كبير، يساعد الشباب والفقراء، وأشعر أنه يمثل شريحة الناس الفقراء”. 

وسط لغة الحسم في اختياره الانتخابي هذا، سألنا السائق/الشاب، عن رأيك في مرشح حزب حركة النهضة عبد الفتاح مورو، ليجيب بغضب كبير، “هذا ليس بإسلامي، هو مع المساواة في الميراث، فكيف يكون إسلامي ويقوم بتغيير كلام الله”. 

في شارع الحبيب بورقيبة وداخل مخبزة معروفة وسط البلد، يضع صاحب المخبزة صورة تجمع بين الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة والرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي مكتوب عليها الزمن الجميل، وهو ما دفعنا لسؤال الشابة التي تشرف على المحل، كيف يمكن اعتبار زمن حكم بن علي زمنا جميلا؟ لتجيب بكل ثقة: “نعم في زمن بنعلي كانت الأوضاع في تونس أحسن من الآن”، مضيفة “في ذلك الوقت كانت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية أفضل من وقتنا الآن الذي كل ما يروج له هو قصة هبة الدولة”. 

صورة تجمع الحبيب بورقيبة وبوعلي كتب عليها “الزمن الجميل” بمخبزة وسط شارع بورقيبة ©خاص

عدنان بن يوسف، ناشط سياسي مستقل، أوضح في تصريح لـ µ أن “هذا الرأي المتأسف عليه، فعلا موجود داخل جزء المجتمع التونسي الذي يعبّر عن رأيه هذا بكل حرية داخل مجتمع يسير نحو الديمقراطية”. 

عدنان بن يوسف، ناشط سياسي مستقل

وبخصوص رأيه في كون الحملة الانتخابية لرئاسة الجمهورية تؤسس لانتقال تونس إلى الديمقراطية قال بن يوسف “الحملة الانتخابية على المستوى الشكلي تظهر أن تونس تخطو نحو الديمقراطية لكن أيضا على مستوى التتبع الميداني لحملة الانتخابات الرئاسية تظهر بعض النواقص عبر تخطي مسألة التنافس المشروع من طرف مرشحين ينتميان إلى عائلة واحدة وهي التيار الديمقراطي الوسطي في تونس (الشاهد والعبيدي) اللذين وصلا إلى منسوب عنف لفظي ورمزي كبير”.

المسألة الأخرى التي تطرح مشكل في حملة الانتخابات الرئاسية، يضيف عدنان بن يوسف “هو عدم قيام المرشح نبيل القروي الذي وضع في السجن ومُتابع بجريمة مالية، إما بإيعاز من جهة ترى فيه خصما انتخابيا قويا، لأن لديه شعبية كبيرة خصوصا في الأرياف والبوادي التي تمثل شريحة مهمة من المسجلين في اللوائح الانتخابية أو من خلال أمر قضائي مستقل، ففي كلتا الحالتين فعدم السماح له بالمشاركة في حملة الانتخابات الرئاسية يعتبر من النواقص التي تم تسجيلها”.

نبيل القروي VSجماعة فرنسا !

أثناء عبورنا عبر الباخرة الى جزيرة جربة (جنوب شرق تونس) التقينا بشاب فلاح ينحدر من مدينة كابس، عبر عن عدم نيته للتصويت، مؤكدا بدوره “أن السبب هو التراجع الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته تونس، سواء من خلال المعيشة أو الزيادة في نسبة المساهمة في صندوق الضمان الاجتماعي التي ارتفعت بشكل مضطرد من 25 دينار إلى 45 دينار”.

أما بخصوص رأيه في المرشحين للسباق الرئاسي أوضح الشاب/الفلاح أنه يعتبر كل المترشحين سيان و”قلبهم ليس على تونس”، مستطردا “إن فكرت في التصويت سأصوت على نبيل القروي ولو أني أعرف أن جماعة فرنسا (يقصد يوسف الشاهد) لن تتركه يمر للدور الثاني.

سائق تاكسي وسط تونس العاصمة (66 سنة)، له رأي آخر بخصوص المرشح يوسف الشاهد، بحيث أوضح: “من قلبه على تونس فيجب أن يصوت على اثنين هما يوسف الشاهد أو مهدي جمعة، وغيرهما خراب. مضيفا: “أنا سأصوت ليوسف الشاهد لأني أرى فيه شيء من بورقيبة، وذلك بسبب قرابة والدته لبورقيبة. وأيضا لأنه سياسي تمرس على رئاسة الحكومة التي وضعه فيها الباجي القايد السبسي”.

جزيرة جربة بدون حملة ميدانية 

في مدينة جربة لا تشعر بعد عبور البحر المتوسطي إليها بأنها معنية بالانتخابات التونسية، فلا ملصقات المترشحين ظاهرة في المدينة كما هو الحال في تونس العاصمة الذي يوجد كل ملصق لمرشح من المرشحين على بعد 10 أمتار على الأكثر، من غير بعض الملصقات الصغيرة المتواجدة على جدران المستوصفات العمومية أو المدارس. 

في لقاءنا مع شاب (24 سنة) ينتمي إلى الطائفة اليهودية في جربة أوضح أنه يفضل “التصويت على يوسف الشاهد لأنه رجل في رأيي سيقوم بتحقيق المساواة بشكل كامل في تونس. كما لا أفهم كيف ممكن أن تكون للدولة ديانة إسلامية فهل الدولة تصلي؟ لذلك يجب حسم مسألة استعمال الدين في المجتمع التونسي من قبل حركة النهضة”. 

شاب آخر سني مالكي يشتغل بمقهى أمام مسجد الإباضي، بحي الماي، له رأي آخر بخصوص المرشح الأصلح بتونس، بحيث أوضح أن المالكيون أو الإباضيون يفضلون أغلبتهم في جربة التصويت على مرشح حزب حركة النهضة، عبد الفتاح مورو، لأنهم يرون فيه الشخص الأنسب للرئاسة. ليضيف أنا شخصيا أفضل التصويت على قيس السعيّد، أستاذ القانون الدستوري.  

رأي الشاب/النادل، فيما يروج بخصوص أن “زمن بنعلي” أحسن من زمن ما بعد الثورة مختلف عن باقي أراء “بروفايلات” أصحاب المهن البسيطة الذين قابلناهم بحيث أوضح أن: “تقدم البلد مثل زرع بذرة شجرة فاكهة فهي لا تعطي ثمارها في السنة الأولى، بل عليك الانتظار خمس أو ست سنوات”، مضيفا “في زمن بن علي لم يكن بوسعنا الحديث في السياسة كما نفعل الآن، فاليوم يمكن أن ننتقد حتى رئيس الجمهورية في الفضاء العام دون أي رقابة”. 

الخطوة الأولى نحو دولة العدالة

على خلاف رأي “العامة” تجتمع أغلب النخب التونسية، على أن اللحظة الانتخابية بالشكل الذي تم تنظيمه وفتحه أمام الجميع هي بمثابة خطوة نحو تأسيس دولة الديمقراطية والعدالة. بحيث اعتبرت هالة وردي الكاتبة وصاحبة كتابي “الأيام الأخيرة لمحمد” و”الخلفاء الملعونون” أن تونس مرت بهزات كبيرة منذ سنة 2010، والزلزال الكبير هو القطع مع نظام بنعلي الديكتاتوري، لكن هذا الزلزال ضروري أن تتبعه ارتدادات أخرى. لكن أنا متأكدة أن الشعب التونسي سيتجاوز هذه الارتدادات وستبقى تونس واقفة على رجليها”. 

هالة وردي، كاتبة تونسية وصاحبة كتاب “الخلفاء المعونون”

واعتبرت هالة وردي أن “الانتخابات الرئاسية وما صاحبها من تنظيم للمناظرات العمومية، الذي كان سابقة في المنطقة، أظهر أن الشعب التونسي تواق للديمقراطية، حيث بدأنا نرى شبابا يتابعون هذه المناظرات التي جمعت مرشحي الرئاسة (باستثناء المرشح نبيل القروي المعتقل بسبب متابعة تتعلق بجريمة مالية والمرشح سليم الرياحي بسبب تواجده خارج تونس) على التلفاز بالمقاهي” معتبرة أن “هذا الشيء يُعتبر تمرينا مهما للدخول في الديمقراطي”.