مريدة عفيفة تتبع شيخها الناضج الجاد، تهجر اهلها لتجد طريقها، تلاحظ مريم المعجزات والكرامات فيزداد إيمانها. تحتاج العذراء للتخلص من المشاريع الشخصية ومشاريع الأهل لدمجها اجتماعيا. وما ان تخلصت من حاجات الجسد المدنس والطمع الأرضي وإكراهات الأخ حتى التحقت بالنور. كانت مرحلة التخلية صعبة للشابة مريم المجدلية، وقد التحقت بالنبي (يواكين فونيكس) لتخدم الدعوة الجديدة التي ستزلزل الإمبراطورية الرومانية… كان النبي يفيض كاريزما وبهاء، حازم متجهم لا يذكر وجهه بكوميديا الممثل الذي يؤدي الدور.
تلتحق مريم بالرجال وتقودهم ويُسمع صوتها في فضاء قاحل عبارة عن هضاب صفراء خالية يشعر فيها النبي بأنه بخير، يدرك الله في الصمت فقط، في البادية يحصل المؤمن على قلب خفيف، ثم نكتشف محنة النبي في المدينة، في المدينة الإيمان رهينة ويجب تحريره.
في هذه الأجواء المدينية المتوترة ممنوع على المريد طرح السؤال لكن الأكيد ان النصر مضمون والشعب ينتظر البشارة… لكن الدولة الرمانية تضطهد خصومها والشعب النبيل يحاول اقتحام المعبد للتخلص من الكهنة الذين يتاجرون في القرابين… الدولة اقوى، لذلك تحزن مريم لصلب النبي غير المسلح، وهي تقف عند قدمية مصلوبا مثل حبيبة سبارتاكوس (كيرك دوغلاس) في فيلم سبارتاكوس لستانلي كوبريك. 1960
صلب المسيح، لكن أمل مريم لم يتبدد لأنه إذا كانت مملكة الله في قلوبنا فلا شأن لنا بالدولة. ثم إن القوة في التسامح لا الانتقام، هكذا تبدو مريم كامتداد لصوت المصلوب. وفي صلتها بباقي المريدين تبدو مريم في النهاية ضد الكهنوت، وقد قدمها الفيلم كاستمرارية حقيقية لرسالة المسيح بينما انقلب الكهنة على مُعلمهم. وهذا ما أحزن مريم المخلصة، وقد غذى الفراق الأشواق… هذه هي اللمسة الجديدة التي منحها المخرج لسيرة مريم المجدلية.
هكذا قدم المخرج الاسترالي غراث دافيس مريم المجدلية في فيلم “ماري مادلين” 2018. فيلم فيه مسحة مسيحية نسائية وملونة، يسوع الناصري محاطا بامرأة ومريد أسود يحاول قهر الطغيان.
السردية الدينية
عدا هذا فالفيلم ممل وهو يتقيد بمنظور لا هوتي ولا يصور الشر، لذا لن يهزم الأفلام والسرديات التي يحاربها. وعندما لا يصور الشر تحترم السردية الدينية التقليدية فتولد السينما النظيفة التي تعتبر الانغماس في اللذة انتهاكا للمقدس. لذلك يغيب الجسد في الفيلم.
ما هي السمات الجسدية والوجدانية للبطل السينمائي وللبطل الديني؟
تعبر السينما عن الافتتان بالجسد بينما في المقدس تسمو الروح على الجسد، تتم التضحية بالجسد للحصول على الخلاص من الخطيئة. وقد أدى العبقري جواكيم فينيكس دور المصلوب وغطت للحية الكثيفة وجهه فلم تظهر براعته في التعبير بالملامح كلما حرك شفته العليا.
وقد عمل المخرج الأسترالي على احترام تقاليد المناقبية التي خرقتها أفلام اخرى أشهر ومنها “شفرة دافينشي” 2006 لرون هوارد وهو فيلم يقدم رواية الهراطقة عن مريم المجدلية التي كانت على علاقة سرية بالمسيح. وقد حصلت الأفلام التي صورت هذا على نجاح مدوي أزعج الكنيسة. حقق دافينشي كود مآت ملايين الدولارات كأرباح لأن المتفرجين يحبون مشاهدة الجسد البهي.
بعد رواية وفيلم “شفرة دافنشي” جاء الرد سينمائيا لتقديم الرواية الصحيحة النقية ضدا على روايات الهراطقة والأناجيل الملفقة. خرج فيلم ماري مادلين في مارس 2018 وسيظهر في ماي القادم فيلم Paul, Apostle of Christ لأندري هياتي استجابة لحاجة المؤسسة الكنسية وأنصارها، إذ تتجدد الحاجة للسرد الديني للرد على المهرطقين، ويظهر هذا السرد أن للمؤمن تفاؤل فادح في مملكة الله، وهذا قبل لعنة الحداثة التي جلبت الشك والفردانية وحررت الفرد من وصاية الكاهن…
في أفلام الرد على الهراطقة سرد ديني جاد جازم يشرع لما بعده، يضع القدوة وهو سرد خطي فيه وحدة الزمان والمكان والحدث. فيلم يصف طريق البحث عن الله للتائهين. ولم يبدأ هذا اليوم. ففي كتابه “تاريخ الكنيسة المسيحية” (ترجمة المرقص المرقص داوود مكتبة المحبة القاهرة الحديثة للطباعة د ت) سرد يوسابيوس القيصري سيرة الشهداء، سيرة الذين ماتوا لكن موتهم منح قوة للديانة الجديدة.
وغاية يوسابيسوس هي وصف المصائب وسرد الحوادث وذكر مديري الكنيسة الذين أذاعوا كلمة الله ص 10 ووصف أخلاق من ناضلوا عنها وفي الكتاب تمجيد هائل للرغبة في الاستشهاد 287، وظيفة الشهادة في نشر فكرة تستحق الموت من أجلها.
هذا هو التقليد الذي يسير فيه الفيلم، فيلم تاريخي ديني يحترم القدسي من إنتاج شركة سوني
وظيفة الفيلم أن ينفي السردية المضادة، مناهضة السرد المدنس بسرد سيرة نكران الذات.
لماذا الرد بالسرد؟
لقد ظهرت المسيحية في فلسطين لكن محيطها الثقافي كان إغريقيا رومانيا وكان عليها أن تقارعه، وقد فعلت ذلك عن طريق السرد لكي لا تلاعب الثقافة الاغريقية في ملعب قوتها أي الحوار السقراطي. لذلك يقدم السرد الديني الوعظ بدل الحوار. وفي الوعظ وجهة نظر مونولوجية تحوز الحقيقة ولا تبحث عنها. كل شيء مضمون مسبقا وهذا يجعل الأفلام مملة.