صحافة البحث

النقيب الجامعي: العدالة روح النموذج التنموي.

- الإعلانات -

أمام مجتمعنا اليوم الكثير من التحديات. ضاعت منا مع الأسف فرص تاريخية لركوبها بنجاح، ولم تتحقق أحلامنا كمواطنين بسبب شعارات آمنا بها وتأكدنا أنها كانت من سرابء ندمنا ولم ينفع الندم» وضاقت بنا الأرض في النهاية بعد البداية، واعترفنا بأن تجربة العقدين تجربة صبية ظلت صغيرة: وأعلنا رسميا أن مواهبنا فشلت على وقع الخيبة والمرارة، و فكرنا مَليا بعد أن كبا الضوءًَ وطال السُّباتء و أطلقناها صرخ طالبين النجدة النجدة من فريق عمل ونخبة لا يعرف منها الجمهور إلا البعض ولا يعلم المغاربة عن أغلبهم وعن تجربتهم وعن قناعاتهم ما يروي الغليل و يخفف اللوعة.

لقد بدأت اللجنة عملها ونتمنى لها بلوغ الأهداف التي تحقق السعادة والفرح للمواطن ولو من عين إبرة. 

ولكن للكلام وتر وميزان. 

ففي بلد مثل بلدناء لا بد أن تدرك اللجنة المعنية أن المغاربة يريدون الحقيقة ويرغبون في ضمانات منكم ليبتعد النموذج التنموي المنتظر من الأوهام؛ ومن هنا على اللجنة أن تعلم أنه لن يكون هناك مشروع تنموي حقيقي سياسي أو اقتصادي أو بشري ينقد المغرب والمغاربة من الانحدار ومن الميوعة من غير بناء عدالة مستقلة ونزيهة وقوية؛ ومن دون أن يكون على رأس أولوياته وفي فيادته دِرْع قضائي يَصنع المستقبل ويلبي نظام عدالة للجميعء» وأمن قانوني وقضائي حقيقي للجميع. من دون لف ولا دورانء مُدعم بكامل الإمكانيات مُبتعد عن كل الأهواء والضغط والتوجيه, معزز بمخطط ومنهجية متكاملة دقيقة محددة في الزمان يقلع من الجذور كل الاختلالات والأمراض وعلى رأسها أمراض الفساد والتمييز والرشوة:ء و يحقق النجاعة والسرعة القضائية: و يبتعد عن النشوة المصطنعة بلسان الخشب للبعض ممن يغطون الحقيقة بالإشاعة والمساحيق حتى لا تتحرك فلسفة الإصلاح العميق في اتجاه أن يتحمل القضاء كامل المسؤولية عن نتائج عمله وآدائه وأخطائه. وفي اتجاه إقناع المرتفقين والمتقاضين بأن عهد محاكم الأشباح انتهت» وعهد المسؤولين الأباطرة انتهى؛. وعهد المحاكمات الشكلية ولى دون رجعة:ء وأن المواطن والمستثمر والمقاول نو الصانع والتاجر والفلاح وغيرهم تحرروا فعلا من الخوف على حقوقهم و من التلاعب بهاء وبأن أحكام القضاء لا راد لها وأنها تجد طريقها السهلة للتنفيذء وان نفوذ الإدارة والدولة نزلت أمام القانون وسيادته تحت سيف المساواة والشفافية.» وتخلت عن الاستبداد والشطط وعن الاستحواذ بالنفوذ.

إنني أدعوكم كمواطن، أنتم الأعضاء داخل قفص الهيئة الزجاجي المكلفين بالتفكير في مصير شعب وأمة وفي التفكير في النموذج التنموي الجديدء وفي تحضير مختلف مقترحات الحلول السياسية والإجرائية والآليات الواجب وضعها لتفعيل النموذج المنشود والمرتقب, وادعو معكم كل الأحزاب وكل الكفاءات الفكرية والعلمية والقانونية والحقوقية والمهنية وغيرهاء ادعوكم ألا تتمخض افكاركم كالجبال لتلدوا لنا عالما من الخيال ومن الأحلام وفضاء من الضباب لا ندري معه من نحن و أين نحنء وأدعوكم أن تجعلوا من الاستشارات ومن المذكرات المقدمة إليكم مصدر إلهام للمخططات المنتظر وضعها وعرضها علينا كمواطنين، وأن تيتمعوا وتطعلوا وتتجاوبوا مع كل الآراء والمقترحات والانتقادات التي تأتي إليكم مباشرة أو بصفة غير مباشرة من دون تآفف أو قلق أو انتقائية أو مجاملة أو استهزاء. 

عليكم في اعتقادي المتواضع، أن تأكدوا بصوت مسموع قوي وأمام الملأ كأعضاء في الهيئة، وأنتم من سيتولى صياغة المشروع ومقترحاته، بأنكم لن تضيعوا وقت المواطنين بمقترحات عامة فضفاضة أو التوقف أمام شعارات تعطون بها دروسا أو إرشادات لا أفق لها أو حمولات لها في الواقع ولا آثار لها في المستقبل، لأنكم تعرفون باليقين أن الرأي العام عارف بمشاطله الضاربة في القدم ولا يحتاج لمن يذكر بها فقط بل يحتاج لمن يقدم الحلول الواضحة لها، وتعرفون بأن المواطن من فرط القنوط على واقعه الأليم نادم يوم صوت للدستور وصوت في الانتخابات ونادم على سماعه خطب السياسيين والبرلمانيين والليبراليين واليمينيين المخضرمين، ونادم لأن شبابه العاطل والمتعلم لم يستطعوا ركوب بحر الهجرة والمغامرة، واستأنس بنغمات الإصلاح في التعليم والفلاحة والعدالة وغيرها. 

إنكم ستبحثون عن فرص سياسية ومخططات للتنمية المستقبلية نموذجية، فلابد من الانتباه بأن أية تنمية هي مستحيلة مع شيوع الفساد في الإدارة والعدالة والأمن والمال والانتخابات، ومع سبوع الرشوة ونهب المال العام والإقصاء واللامساواة والتسلط ضد النساء والشباب وكل الإنسان، ومع الفقر والاجور المتدنية واستخدام الأطفال والنساء في الأعمال الشاقة ومع استمرار عقليات وأشخاص في العديد من مستويات المسؤولية رغم تورطهم في فساد ظاهر وانجراف مشهود. 

ينتظر الرأي العام أن تعطوه فرصة لكي يثق بكم وبعملكم ويثق بنواياكم، ويرتقب ألا تركنوا مسبقا لصعوبات تمنعكم من إخراج وبلورة كافة المقترحات من دون تحفظ ومن دون التفكير المسبق في المال والميزانيات والإمكانيات لأن هذا الجانب متروط للسلطة التنفيذية التي هي الملكفة بالبحث عن الموارد وهي المسؤولة عن تدبيرها. 

والرأي العام كذلك يرى أن العالم وفي مناطق مختلفة يعرف ثورات واحتجاجات وانتفاضات ومعارك مشروعة وأخرى دامية قاتلة مدمرة بسبب القهر وإهدار الكرامة وانعدام العدل وانتشار المظالم، والمغرب ربما على مسافة بعيدة من نيران الموت ومطمئن مؤقتا من الفتن ومن الاحتكاكات المزلزلة، ومن هذا المعطى لا يمكن المغامرة بانتظاراته وعرض برامج إصلاحات خطوة خطوة وبالتدريج ومن دون سرعة، ضد على رغبته في تحقيق نقلة تاريخية نحو الإصلاحات العميقة الحقيقية. 

إن أي نموذج تنموي منتظر لن يتحقق إلا بوضع تصور متكامل لنموذج قضائي آخر يتجاوز حالة التردد والبرودة والضعف الذي يسكنه، فقضاء المغرب وعدالته اليوم يوجدان في مفترق طرق وبين اتجاهين، الأول اتجاه محافظ يسبح في التقليد ويشده الحنين للماضي ويجره إلى الخلف ويضعف مكانته داخل قلب المجتمع ويمنعه من مواكبة ذكية ناجعة لعملية التنمية ومتطلباتها بقراراته وأحاكمه النوعية ويجد من استقلاليته بمقاربات السلطة الأمنية غير الحقوقية، والثاني اتجاه متفتح يتجاوب مع انتظارات المواطن ولعب الأدوار الطلائعية في إعطاء مثل القضاء المتحرر من التوجيه ومن الضغط المعنوي من الخوف من تطبيق القانون بجرأة ةفي كل القضايا بكل إنصاف وعدل. 

إن عليكم باللجنة أن تعلنوا ثورة على محن العدالة ومحن قضاتها ومتقاضيها، وأن تنتصروا بمقترحاتكم للقضاء الجالس منه والواقف لمده بكل وسائل العمل، ودعم مؤسساته ومكوناتها وحاسبتها، واغتنم الفرصة لطرح خطوط مقترحات في الموضوع النموذج القضائي الجديد من خلال بعض الأفكار: 

أولا: استعرض محكات ومراحل الإصلاحات السابقة عن دستور 2011 (وهي كما تعلمون مراحل انطلقت من بداية تأسيس المجلس الأعلى 1957، ومحطة التعريب والمغربة والتوحيد، ومحطة الإجراءات الانتقالية سنة 1974، ثم محطة التسعينيات وتعديلات المسطرة، وحكة عمل الهيئة العليا لإصلاح القضاء…) مع تدقيق مكامن العجز والضعف والمؤسساتي والبشري وأسباب تراجع الثقة  في القرارات والأحكام وخلفيات طول المساطر والإجراءات.. 

ثانيا: استعراض حالة السلطة القضائية وتجربتها في السنتين الأخيرتين من التنصيب، مع تصور جديد للوصول لعضويتها ولرئاستها لأداء مهامها وتحديد مدة لتحمل المسؤولية لها، وجعلها جهة تحدد استراتيجية العدالة وضمان مستقبلها بفعالية ولما هو منتظر منها، انفتاحها على المواطن لتلقس تظلماته، وإدماج المحاكم من الأسفل للأعلى في عالم الرقمنة، والتراجع عن تعيين القضاة مدى الحياة. 

ثالثا: النهوض بمؤسسة النيابة العامة ماديا وبشريا وبمكانة دورها الحمائي للحريات والحقوق الأساسية وبسلطة توجيه عمل الضابطة القضائية ومشروعية مهامها، وبتوسيع محاسبتها وتوسيع بطلان كل إجراء يبتعد عن المشروعية وضوابط المسطرة، ومناقشة السياسة الجنائية علنيا قبل إقرارها وفي مراحل تطبيقها لتدارك ما قد يظهر من انحراف أو من تقصير.. 

رابعا: صياغة مخطط لمعالجة مختلف الإشكالات بالأولوية ومن قبيل ما المستعجل والمتوسط والبعيد انطلاقا من العناصر التي تبيح الحق في الولوج للعدالة من قبيل: 

تنظيم وتحديد مساطر الرقابة على القضاء الجالس والواقف إذ لا سلطة خارج الرقابة والمحاسبة، تأسيس مجلس الدولة، تأسيس قضاء متخصص وإقامة محكمة لحقوق الإنسان وحقوق المهاجرين وحقوق السجناء، تأسيس صندوق وطني لتعويض ضحايا أخطاء القضاء وضحايا الاعتقال الاحتياطي وضحايا الإرهاب، مراجعة أسباب الاعتقال الاحتياطي وتخفيض مدته، توسيع مهام الدفاع وإقراره حق المشتبه فيه خلال الحراسة في حضور محاميه من دون إذن ومن الساعة الأولى وخلال كل استنطاق وخلال توقيع المحاضر مع فرض جزاء بطلان عن الإخلال لكل مقتضى من هذه المقتضيات، توسيع مجانية التقاضي عامة وفي المادة الجنائية على الخصوص، توسيع ضمانات ضحايا الجريمة في المحاكمة، فرض العدالة الرقمية من أسفل الهرم القضائي لأعلاه ليكون آلية لتطويق هامش الرشوة واللامساواة والولاءات، وضع حد تشريعي لمساطر التمييز والامتياز تحقيقا لسيادة القانون والمساواة أمام القضاء، تأسيس المجلس الوطني للسجون متعدد المكونات مؤلف ممثلي عدد من مؤسسات ومنها: السلطة القضائية، رئاسة النيابة العامة، المندوبية العامة للسجون، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الهيئة المغربية لمحاربة الرشوة، المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، وضع المعلومة القضائية رهن إشارة العموم فوريا تحقيقا للحق في العدالة الترقبية والتوقعية، إحداث صندوق وطني لأداء المبالغ المحكوم بها ضد الدولة ومرافقها والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تعديلات في المنظومة القانونية والمسطرية لضبط حياة الملفات وصدور الأحكام بما في ذلك منع مشاركة النيابة العامة في مداولات الهيئات بالغرف بمحكمة النقض تحت جزاء البطلان… 

هذا بعض من كل تستحقه العدالة في لحظة التأمل في مستقبلها. 

العدالة صاحبة الجلالة، تنتظر تتويجا من أعضاء اللجنة المعنية بالنموذج التنموي الجديد، لتبقى عروسا ساحرة متألقة في الأعالي نقية…، فلا تخيبوا ظننا بكم، واجعلوها روحا في جسم النموذج الجديد.