صحافة البحث

الفيلم الإيطالي “تحيى الحرية” نخبوية الرفيق تعرقل تواصله مع الشعب.

- الإعلانات -

 في اللقطة الأولى يظهر شخص يوحي أنه مُعتقل. في الممر الطويل الذي يقوده لحتفه يجلس أرضا ليعقد خيوط حذائه ليؤجل المواجهة. يتبع شابا وشابة يقودانه لقاعة كبيرة ليلقى خطابا. يحاول الإفلات منهما، واضح أنه لا يحب إكراهات منصبه… هكذا يبدأ فيلم “عاشت الحرية” ” Viva La Liberta” للمخرج الإيطالي “روبيرتو أندو” وبطولة طوني سيريفو. هو الفيلم الثاني في المسابقة الرسمية للدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2013. فيلم سياسي إيطالي ساخر وممتاز عن الفراغ في رأس السلطة مقتبس عن رواية. نتتبع فيه تنقلات زعيم سياسي يساري معارض، يقدم تضحية كبيرة ليكون كما يريده أتباعه. يعرف الحقيقة: وحيد ليس لديه أصدقاء، الجميع واثق أنه لن يفوز في الانتخابات، حملات الإعلام لا تتوقف ضده… يعرف عجزه في مجتمع منقسم، يلقى نظرات مرعوبة على نتائج الاستطلاعات…  يتعرض لنقد خفيف من أنصاره فيقرر الاختفاء فجأة تاركا رسالة موجزة وليرى:

 “ماذا سيفعل الأغبياء بدونه؟”.

هكذا يرى مساعديه وزملاءه. يكن قادة الحزب كراهية رهيبة لبعضهم البعض. غير أن كل واحد منهم يحتاج الآخرين ليبقى، لذا فهم حريصون على المظاهر والأقنعة والصمت. 

يختفي الزعيم ويعود لحبه القديم: السينما. 

تحرر الزعيم وحقق شعاره في فيلم Viva La Liberta

 ما هي الحرية؟ الجواب الشائع هو “الحرية هي أن تفعل ما تريد”. 

هذا لا يناسب الحداثة، وفيها يقدم مونتيسكيو تعريفا آخر متولد عن العقد الاجتماعي، يقول “الحرية هي حق القيام بكل ما تسمح به القوانين”.

حصل على حريته الشخصية وبقى كرسي القيادة فارغا فيتأكد الزعيم المتواري أن رجاله بدونه يغرقون في شبر ماء. الجميع يسأل، من الزوجة والسكريتيرة حتى رئيس الجمهورية:

كيف تستقيم الجمهورية دون معارضة؟ 

ينطلق سكرتيره الشخصي بحثا عنه بينما يزعم للسائلين أن الزعيم مريض وسيعود للظهور قريبا. وفي هذه الأثناء تنتشر الأكاذيب التي يصدقها الجميع، فتظهر قدرة وسائل الإعلام على تنغيص حياة السياسيين… فجأة يكتشف السكرتير الحائر أن للزعيم المختفي شقيقا نصف مجنون. المفاجأة أن الشقيقان يتشابهان تماما. 

فيلم عميق وكثيف، فيه حوار ساخر لماح، أقتبس السيناريو من رواية “العرش الفارغ” التي نشرها المخرج سنة 2012. وأعتقد أن الممثل الكبير طوني سيريفو سيتنافس للحصول على جائزة أحسن دور في المهرجان.  

بفضل التشابه يحل الشقيق نصف المجنون محل الزعيم السياسي العاقل مائة بالمائة. يشرع الزعيم الجديد في عمله، يتحدث الرفيق المزيف مثل الشعب فيُفهم. يمزح ويسخر فزاد اهتمام الناس به.

زادت شعبيته فاتهمه خصومه اليائسون بأنه يتناول “منشطات الإرادة” لمكافحة الإحباط السياسي. في تجمع انتخابي ألقي قصيدة بريشت عن الأمل فتغير مستقبل الحزب اليساري ومستقبل إيطاليا طبعا. يكتشف السكرتير أن الزعيم الجديد أنسب له… وأن تشابه الشقيقان يقتصر على الملامح فقط. بينما هما متناقضان تماما: فهما شهير ونكرة، ذكي ونصف أبله، شرير وخير… 

 فيلم رائع، فيه لغة سينمائية دون أن يهمل الروائي – المخرج القفشات التي تحرك الجمهور، فيلم تتحرك فيه الكاميرا على القدر المطلوب. أداء الممثلين تلقائي ومؤثر. يتعايشون مع الأوضاع التي تسلطت عليهم ولا أحد منهم يتصرف على أساس أنه فهم أين يتجه. بالكاد يتدحرج… وهكذا يتعقد وضعه بدل أن يتحسن.