أصدر “الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان”، تقريره السنوني حول وضع الحقوق والحريات بالمغرب خلال سنة 2019، وأوضح الوسيط في تقريه أن الفريق المكلف بإعداد هذا التقرير كان قد انتهى من تصفيفه وتنقيحه وتنسيق مواده نهاية شهر فبراير 2020، وعقدنا العزم على إخراجه ونشره وتقديمه أمام الصحافة والهيئات والمهتمين خلال الأسبوع الثاني من شهر مارس 2020، غير أن ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19 وانخراط بلادنا في مواجهته حال دون ذلك.
وأضاف معدو التقرير أنهم اعتبروا أن أولى أولوياتنا ستنصرف إلى المساهمة في إنجاح التدابير الاحترازية التي اتخذتها السلطات العمومية من أجل الحد من انتشار وتفشي الوباء، ومواكبتها رصدا وتحليلا واستنتاجا، فضلا عن المساهمة المباشرة وغير المباشرة للأعضاء كل في محيطه، في جهود التعبئة الوطنية وتحويل هذه التعبئة إلى مصدر للوحدة الوطنية والتضامن المجتمعي العام.
كما أن معالجة المواضيع، التي يحتويها التقرير إسهابا أو إيجازا، يوضح الوسيط، لا يعكس بالضرورة كل الانتهاكات التي وقعت، بل جزء منها فقط، إما اختيارا بعدم الخوض تفصيلا في الحالات والاكتفاء بعينات دالة، وإما اضطرارا حينما يتعلق الأمر بعدم توافر معلومات دقيقة ومؤكدة.
ولأن العالم لم يتعلم سوى القليل من آلامه ومآسيه، يضيف ذات المصدر، فإنه اليوم يوجد تحت التنامي الضاغط لتطلعات الإنسانية لمرحلة جديدة أكثر عدلا وإنصافا، وآمالها في نظام عالمي يصحح عيوب العولمة الكاسرة، وينتصر للإنسان ويدعم قدرات المجتمعات على تحمل تبعات الأضرار الجسيمة التي ستخلفها هذه الأزمة غير المسبوقة.
أما وطنيا، فقد كشفت الجائحة مرة أخرى أهمية الوقاية التي شكلت عنوانا لا بديل عنه لمجمل التدابير الاحترازية، ففي سياق توارثت فيه المنظومة الصحية هشاشة البنيات والخدمات ومحدودية الموارد، والتي سيتعذر عليها عمليا مواجهة تداعيات هذا الوباء في حالة انتشاره -وهو ما لا نتمناه-، لذلك كان الحرص مطلوبا وما يزال لإعمال الصرامة في مراقبة تطبيق التدابير الوقائية، لأن المرحلة الأولى من وصوله للمغرب اقتضت ذلك، و من دون اتخاذ تلك التدابير لا يمكن تصور سقف الأضرار ولا تمثل القدرة على مواجهتها.
ومن جهة أخرى تبينت عواقب ضعف الاستثمار في القطاعات الاجتماعية، مما تبدو معه الحاجة إلى ابتهال قيم التضامن وتعزيز أجوائه لتسود بين مختلف أفراد المجتمع وفئاته. وهو الورش المقدور عليه بكفاءة واقتدار كلما توفرت الإرادة السياسية وتعبأ لترجمتها كل الفاعلين.
تقرير الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان حول وضع الحقوق والحريات بالمغرب لسنة 2019 by Sammouni Mohamed on Scribd
وإذ نسجل ومن دون تردد تميز حضور الدولة في مواجهة هذا الوباء والقدرة على تدبير المرحلة على المستوى الصحي والأمني والاجتماعي والاقتصادي وإنجاح شبه كلي لتدابير الحجر ومستلزماته، وحشد الطاقات للإبداع والابتكار العلمي ذي الصلة بمواجهة الوباء، مقابل تعدد وتنويع المبادرات الإنسانية واستدامة التضامن. وفي مثل هذه السياقات الخاصة يكون مطلوبا أيضا خلال مواجهة مجمل تلك التحديات، بأن يكون كل ذلك مقرونا بالحرص المضاعف على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها والقطع مع مختلف أشكال الإنتهاكات، وهو الشرط اللازم لتعزيز المناعة الوطنية وتقوية القدرات لمجابهة كل المحن والأزمات.
إن ما سجلناه إيجابيا بشأن مجمل التدابير المتخذة لمواجهة هذه الجائحة لا ينبغي أن يحجب علينا حقيقة القلق البالغ الذي يساور المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بشأن التزايد المضطرد للمتابعين قضائيا بسبب خرق تدابير الحجر الصحي، وهي مناسبة للتأكيد بأن العقوبات السالبة للحرية ليست حلا ناجعا وخاصة في مثل هذه الظرفية، التي ولأسباب موضوعية قد يتضاعف فيها خطر الإصابة بجميع أماكن سلب الحرية، وما قد يترتب عنه من تداعيات على العاملين بها والوافدين عليها، ولأنه لا بديل عن الصرامة في إعمال القانون تجاه المخالفين كما جرى هنا ويجري في الكثير من بلدان العالم، فإن التشديد سيظل مطلوبا في جعل الغرامات عقوبة ردعية بامتياز لكل من يقدم على المس بسلامة الآخر كأفراد وكمجتمع، في سياق خاص أصبح معه كل فرد بقدر ما يشكل مصدر تهديد على نفسه و للآخرين في حالة تهوره في الإخلال بتدابير الوقاية، بقدر ما يعمل الفرد نفسه على حماية الحق في الحياة بالنسبة له وللجميع. حين يكون مسؤولا بالتزامه بتدابير الوقاية والحرص على التطبيق السليم لها.
ومن جهة أخرى يمكن لبلادنا أن تجعل من هذه الظرفية التي تحددت أولوياتها بشكل مغاير كليا للسياقات العادية، فرصة للتسريع بإصدار وإعمال المقتضيات التشريعية المتعلقة بالعقوبات البديلة، وخاصة ما يتصل منها بإجبارية القيام بأعمال لفائدة المصلحة العامة.
وكما سيلاحظ القارئ الأهمية التي أفردها التقرير للحق في الحياة، وكيف قاربه بمنظور مبتكر أكثر شمولية مما هو متعارف عليه، وذلك بتوسيع نطاق قاعدة الحماية في علاقة بالحق في الحياة لتشمل ضحايا الإهمال الصحي وحوادث السير، والانتحار… والتأصيل لذلك معياريا، ولتأتي هذه الجائحة لتعزز مركزية هذا الحق وأهمية تعبئة كل الوسائل لصونه وحمايته وإذكاء الوعي بأهمية الوقاية بالنسبة للأفراد حالا، وخلال إعداد السياسات والبرامج والخطط في ما سيأتي اليوم وغدا من استحقاقات.
وأضاف ذات التقرير أنه وبعد شهرين على التاريخ الذي كان مفترضا للنشر، وخمسة عشر أسبوعا من انتشار فيروس كورونا في المغرب، وفي أجواء تهيئ لإخراج الإجراءات الأولية للرفع التدريجي للحجر الصحي وتخفيف حالة الطوارئ الصحية، والتي سيكون عنوانها الأبرز هو :”المسؤولية الذاتية للأفراد في إعمال تدابير الوقاية بصرامة وباستمرار من أجل أن يحيا الجميع”، لأن نتائج البحث العلمي بشأن مواجهة الوباء تفيد بأن الأمر يتطلب ما سيتطلبه من وقت. وبناء عليه، قررنا في الوسيط نشر هذا التقرير وتقاسم محتوياته، بأمل أن يجد فيه القراء والمهتمين ما يفيدهم، وأن لا يبخلوا بآرائهم ومقترحاتهم المرحب بها دوما، بما يعمل على تجويد مضامينه كل ما تطلب الأمر ذلك مستقبلا.