لم تجد الاحتجاجات على مقتل الأميركي من أصول إفريقية جورج فلويد التي انطلقت من مينيابوليس واتسعت لتند د بممارسات عنصرية في مناطق مختلفة في العالم، صدى لها في دول المغرب حيث أصحاب البشرة السوداء يتعرضون لتمييز مزمن.
ويقول المهاجرون القادمون من دول جنوب الصحراء للدراسة أو العمل في كل من تونس والمغرب والجزائر،
إنهم يعانون من تمييز أصبح “عاديا”. وبين هؤلاء كثيرون يحاولون ركوب البحر بطريقة غير قانونية عبر المتوسط للوصول الى أوروبا.
ويقول المهاجر الكاميروني فابريس المقيم في الجزائر من دون أوراق قانونية “أثار مقتل فلويد غضبا شديدا كان ساكنا فينا”.
وتوفي فلويد البالغ من العمر 46 عاما أثناء قيام الشرطة باعتقاله في مينيابوليس في 25 ماي. وأظهر تشريح الجثة أن الضغط الذي مارسه الشرطيون على صدره تسب ب بوفاته التي أثارت موجة احتجاجات واسعة في الولايات المتحدة والعالم.
وتقول المالية المقيمة في الجزائر بينتو إن هذه الحادثة “خلقت كرها تجاه ذوي البشرة الأخرى”.
لكن حركة “حياة السود مهمة” التي شهدت انتعاشا وتضامنا في دول عديدة، لم تحظ باهتمام واسع في دول المغرب العربي، وكذلك الجدل الذي رافقها.
في تونس، نظمت جمعية “منامتي” الحقوقية وقفة احتجاجية مطلع يونيو شارك فيها نحو مئتي تونسي للتنديد بالعنصرية في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها. واعتبرت رئيسة الجمعية سعدية مصباح أن هذا التحرك “رسالة الى الأميركين من أصول إفريقية بعثت بها أمهم إفريقيا لتقول: +نحن معكم+”.
وتقد ر منظمات غير حكومية عدد الأشخاص من جنسيات إفريقية (من خارج دول المغرب) بأنه يتجاوز 200 ألف في الجزائر وبعشرات الآلاف في المغرب وتونس في ظل غياب إحصاءات رسمية.
وغالبية هؤلاء من المهاجرين غير القانونيين الذين عبروا الحدود التونسية الليبية أو الجزائرية عبر الصحراء في شاحنات أو سيرا على الأقدام. وهم يعملون من دون أذونات في البناء وتنظيف المنازل والزراعة إجمالا. ويشكون من سوء المعاملة التي يتلقونها سواء من قوات الأمن أو من المواطنين.
وزاد وباء كوفيد-19 من تأزم وضعهم الاقتصادي.
ويعتبر فابريس أن مقتل فلويد “زاد في تعميق الجرح”.
بينما ترى النيجيرية عائشة التي تعيش في الجزائر أن مظاهر العنصرية تتجلى غالبا في الكلام، ولكن “وقع الكلمات أشد من الطعنات”.
وتقول بغضب “كحلوش (أسود) ومامادو وإيبولا والآن كوفيد، كلها صفات ينادوننا بها”.
وتقول الأم إن ابنها وعمره سبع سنوات يرفض الذهاب الى المدرسة لأن زملاءه قالوا له “إنه غير مرحب به بينهم”.
ويؤكد الباحث في علوم الاجتماع محمد السايب موسات على “وجوب مكافحة هذه الانحرافات بشكل مستمر” مضيفا “بعض الجزائريين ينسون أنهم أفارقة”.
والأولوية في نظره تقوم على منع تنشئة الأطفال على قبول العنصرية المتخفية التي يمارسها البعض حتى ضد سكان دول المغرب السود الذين يوصفون في بعض المناطق “بالعبيد” أو”الوصيف”.
وقد تم إلغاء العبودية في دول المغرب في العام 1846 في تونس، ثم الجزائر عندما كانت تحت الاستعمار الفرنسي في 1848، وأخيرا في المغرب تحت الفرنسية في العام 1922.
غير أن تجارة الرق بقيت متداولة في الجزائر نسبيا بعد 1848 وفي تونس مع بداية القرن العشرين، حسب مؤرخين.
ويكشف الباحث الجزائري في علم الاجتماع أنه ي نظر بطريقة سيئة للزواج بين الأفراد من ذوي البشرات المختلفة في هذه الدول. كما أن عدد مقدمي الأخبار أو الموظفين الكبار أو المسؤولين السياسيين من أصحاب البشرة السوداء، قليل.
وتروي الجزائرية كريمة أنها اضطرت الى قطع علاقتها مع خطيبها لأنه أسود لكي لا تتبرأ عائلتها منها.
كما تتذكر أمينة من مدينة وهران (35 عاما)، وهي مديرة تجارية بشركة متخصصة في صنع الدواء، وسوداء البشرة، كيف تعرضت لرشق بالحجارة أمام الجامعة. وتقول “عندما كنت عارضة أزياء تلقيت الكثير من التعليقات العنصرية”.
وأثار انتخاب ملكة جمال سوداء البشرة في الجزائر جدلا واسعا، وقيل إنها “لا تمثل” الجزائريين.
وأطلق تحالف منظمات حقوقية في المغرب في العام 2014 أول حملة لمكافحة العنصرية تجاه المهاجرين من جنسيات دول جنوب الصحراء ورفعوا شعار “لا تدعوني أزي (لا تلقبني بالأسود)”.
وأقر البرلمان التونسي في أكتوبر 2018 للمرة الأولى قانونا يجر م العنصرية وخطاب الكراهية جاء إثر دعوات متواصلة من منظمات المجتمع المدني ومن جمعية “منامتي”.
كما صادق البرلمان الجزائري في أبريل الفائت على قانون مماثل. ويرى الباحث في علم الاجتماع أن هذا برهان على أن هناك “واقعا يجب مناهضته”.
وبالرغم من هذه التشريعات، يبقى التمييز العنصري داخل المؤسسات لافتا في الجزائر كما في تونس. في المغرب، تمت تسوية أوضاع 50 ألف شخص منذ العام 2014 غالبيتهم من دول جنوب الصحراء.
ويقول فابريس الذي يقطن الجزائر منذ عشرين عاما “لا يمكن أن نطالب بحقوقنا ونحن لا نملك وثائق”.
وفابريس حاصل على إجازة في الحقوق ويتقن العديد من اللغات وعمل مع منظمة غير حكومية ولم يتمكن من الحصول على وثائق رسمية منذ أن ترك بلاده الكاميرون “لكي لا يعيش تحت الدكتاتورية”.
ويفصح “عشرون عاما، هي حياة كاملة، وهنا ليس هناك مستقبل”.
ولا يملك فابريس “خيارا سوى المغادرة الى أوروبا” ليلتحق بزوجته وطفليه الذين استقلوا قاربا وعبروا بطريقة غير قانونية من الجارة تونس.