دراسة لليونيسف.. حوالي 1,8 مليون طفل مغربي يعاني من التسمم بالرصاص
يؤثّر التسمم بالرصاص على الأطفال على نطاق هائل وغير معروف سابقاً، وذلك وفقاً لتقرير جديد صدر اليوم عن اليونيسف ومنظمة «الأرض النقية» (Pure Earth).
ويقول التقرير، وهو الأول من نوعه، إن حوالي طفل واحد من كل ثلاثة أطفال — أي ما يصل إلى 800 مليون طفل في العالم — يعانون من مستويات للرصاص في الدم تبلغ 5 ميكروغرامات أو أكثر لكل عُشر لتر، وهو المستوى الذي يتطلب تدخلاً. ويعيش حوالي نصف هؤلاء الأطفال في منطقة جنوب آسيا.
وفي المغرب، تقدر إحصائيات التقرير أن عدد الأطفال الذين يعانون من هذا المستوى يناهز 1,8 ملايين طفل. أما الذين يتجاوزون مستوى 10 ميكروغرامات لكل ديسيلتر فيناهز عددهم حوالي 209 آلاف طفل مغربي.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، السيدة هنرييتا فور، “لا تظهر سوى أعراض مبكرة قليلة للتسمم بالرصاص، إلا أنه يعيث خراباً على نحو صامت بصحة الأطفال ونمائهم، وقد يؤدي إلى تبعات فتاكة. ولا بد أن تؤدي معرفة مدى انتشار التسمم بالرصاص — وفهم الدمار الذي يُلحقه بحياة الأفراد والمجتمعات المحلية — إلى دفعنا إلى العمل العاجل لحماية الأطفال منه بصفة كاملة ونهائية”.
هذا التقرير، وعنوانه «الحقيقة السامة: تعرّض الأطفال لتلوث الرصاص يقوض جيلاً من الإمكانات»، هو تحليل لتعرّض الأطفال لملوثات الرصاص، أعدّه معهد تقييم المقاييس الصحية IHME، وقد تم التحقق منه عبر دراسة صدرت موافقة على نشرها في المجلة العلمية «منظورات في الصحة البيئية» (Environmental Health Perspectives).
يشير التقرير إلى أن الرصاص هو مادة سمّية قوية تؤثر على الجهاز العصبي وتتسبب بأذى لا يمكن إصلاحه لأدمغة الأطفال. وهو مدمر بصفة خاصة للرضّع والأطفال دون سن الخامسة، إذ يُلحق الضرر بأدمغتهم قبل أن تتاح لها الفرصة لتتطور تطوراً كاملاً، مما يؤدي إلى إعاقات عصبية وإدراكية وبدنية تستمر مدى الحياة.
كما تم التعرّف على رابط بين التعرّض لتلوث الرصاص في الطفولة وبين مشاكل سلوكية وفي الصحة العقلية، وكذلك زيادة في الجرائم والعنف. ويعاني الأطفال الأكبر سناً من تبعات شديدة بما في ذلك زيادة خطر تضرر الكلى وأمراض القلب في مرحلة لاحقة من الحياة، حسبما يقول التقرير.
ومن المقدّر أن تتكبد البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل من جراء التعرّض للرصاص في مرحلة الطفولة، قرابة ترليون دولار بسبب خسارة الإمكانات الاقتصادية لهؤلاء الأطفال على امتداد حياتهم.
ويشير التقرير إلى أن عمليات تدوير بطاريات الرصاص الحمضية، التي تتم بصفة غير رسمية أو لا تمتثل بالمعايير، هي مساهم رئيسي في التسمم بالرصاص بين الأطفال الذين يعيشون في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، والتي شهدت زيادة قدرها ثلاثة أضعاف في عدد السيارات منذ عام 2000. وقد أدت زيادة ملكية السيارات، مترافقةً مع نقص الأنظمة والهياكل الأساسية لإعادة تدوير بطاريات السيارات، إلى زيادة بنسبة 50% في عمليات إعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية على نحو غير آمن ضمن الاقتصاد غير الرسمي.
ويقوم العمال الذين يعملون في مرافق خطيرة، وغالباً غير قانونية، لإعادة تدوير البطاريات، بفتح البطاريات وسكب الحامض وغبار الرصاص على التراب، ومن ثم صهر الرصاص المستعاد في أفران بدائية مفتوحة تبث الأدخنة السامة وتُسمّم المجتمعات المحلية المحيطة. وغالباً ما يكون العمال والمجتمعات المحلية المتأثرة غير مدركين بأن الرصاص هو مادة سمّية قوية تؤثر على الجهاز العصبي.
وثمة مصادر أخرى للتعرّض لتلوث الرصاص في الطفولة بما في ذلك الرصاص في مياه الشرب المنقولة بأنابيب تحتوي مادة الرصاص؛ والرصاص من الصناعات من قبيل التعدين وإعادة تدوير البطاريات؛ والطلاء والأصباغ التي تحتوي على مادة الرصاص؛ والرصاص الموجود في البنزين، والذي تناقص كثيراً في العقود الماضية رغم أنه كان مصدراً رئيسياً فيما مضى؛ ولِحام الرصاص في علب الأغذية؛ والرصاص في البهارات ومواد التجميل والأدوية الشعبية والألعاب وغيرها من المنتجات الاستهلاكية. وعادة ما يجلب الوالدون الذين يعملون في مهن تتضمن التعامل مع الرصاص، غباراً ملوثاً بالرصاص إلى منازلهم مما يعلق على الملابس والشعر واليدين والأحذية، وبالتالي فإنهم يُعرّضون أطفالهم لهذا العنصر السام.
The Toxic Truth Children’s Exposure to Lead Pollution 2020 by Sammouni Mohamed on Scribd
وقال رئيس منظمة الأرض النقية، السيد ريتشارد فولر، “الخبر السار هو أنه يمكن إعادة تدوير الرصاص على نحو آمن دون تعريض العمال وأطفالهم والأحياء المحيطة للتلوث. كما يمكن استصلاح المواقع الملوثة بالرصاص واستعادتها. ويمكن تثقيف الناس حول أخطار الرصاص وتمكينهم من حماية أنفسهم وأطفالهم. أما العائد من هذا الاستثمار فهو هائل: تحسين الصحة، وزيادة الإنتاجية، وارتفاع مستوى الذكاء، وتقليص العنف، ومستقبل أكثر إشراقاً لملايين الأطفال في جميع أنحاء الكوكب”.
وفي حين انخفضت مستويات الرصاص في الدم انخفاضاً كبيراً في معظم البلدان المرتفعة الدخل منذ التخلص من استخدام البنزين الذي يحتوي على الرصاص ومعظم الطلاء الذي يحتوي على الرصاص، إلا أن مستويات الرصاص في دم الأطفال في البلدان المنخفضة الدخل ظلت مرتفعة، وفي العديد من الحالات مرتفعة إلى حد خطير، حتى بعد مرور عقد على التخلص العالمي من استخدام البنزين الذي يحتوي على الرصاص.
ويُبرِز التقرير دراسات حالات إفرادية من خمسة بلدان أثرّ فيها التلوث بالرصاص وغيره من المعادن الثقيلة السامة على الأطفال، وقد تناولت كلاً من كاثغورا ببنغلاديش؛ وتبليسي بجورجيا؛ وأغبوغبلوشي بغانا؛ وبيساريان بإندونيسيا؛ وولاية موريلوس بالمكسيك.
ويشير التقرير إلى أنه بوسع الحكومات في البلدان المتأثرة أن تعالج التلوث بالرصاص وتَعرُّض الأطفال له باستخدام نهج منسق ومنظّم على امتداد المجالات التالية:
- أنظمة رصد وإبلاغ تتضمن بناء القدرات لفحص مستوى الرصاص في الدم.
- إجراءات للوقاية والسيطرة تتضمن منع تعرّض الأطفال للمواقع والمنتجات العالية الخطورة التي تحتوي على الرصاص، من قبيل أنواع محددة من السيراميك والطلاء والألعاب والبهارات.
- الإدارة والمعالجة والاستصلاح بما في ذلك تعزيز الأنظمة الصحية لتكون مؤهلة للكشف عن تعرّض الأطفال للرصاص ورصده ومعالجته؛ وتزويد الأطفال بتدخلات تعليمية محسَّنة وعلاج سلوكي-إدراكي، لإدارة التأثيرات السلبية للتعرض للرصاص على نحو أفضل.
- التوعية العامة وتغيير السلوك بما في ذلك تنظيم حملات مستمرة لتثقيف الجمهور بشأن أخطار التعرّض للرصاص ومصادره، وإطلاق نداءات مباشرة للوالدين والمدارس وقادة المجتمعات المحلية والعاملين الصحيين.
- التشريعات والسياسات بما في ذلك تطوير معايير بيئية وصحية ومعايير أمان وتنفيذها وفرضها لصناعة بطاريات الرصاص الحمضية وإعادة تدويرها وإعادة تدوير مخلفات الأجهزة الإلكترونية، وفرض أنظمة خاصة بالبيئة ونظافة الهواء لعمليات الصهر.
- أنشطة عالمية وإقليمية بما في ذلك تأسيس وحدات قياس عالمية موحدة للتحقق من نتائج التدخلات المعنية بالتلوث على الصحة العامة والبيئة والاقتصادات المحلية؛ وتأسيس سجل عالمي لنتائج دراسات مستوى الرصاص في الدم مع إخفاء هوية أصحاب الدم؛ وتأسيس معايير وأعراف دولية لإعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية المستعملة ونقلها.