ذاكرة إعلامية.. نايف حواتمة: عرفات تفادى محاكمة وزراء فلسطينيين متهمين بالفساد بسبب توفرهم على حماية عربية و أمريكية.
- الإعلانات -
ذاكرة إعلامية هي نافذة يطل من خلالها قراء موقع “µ” على أعمال صحفية ذات قيمة فكرية، أدبية، فنية و سياسية سبق للصحفي المصطفى روض أن أنجزها و نشرها في مجلتي الحرية و الفكر الديمقراطي الفلسطينيتين و منابر أخرى بالمشرق وصحيفة أنوال بالمغرب. و ستكون البداية مع الحوارات في محور السينما ستتلوه محاور الشعر، المسرح، النقد الأدبي والسياسة و الفكر.
المناضل اليساري الكبير نايف حواتمة عرفته الساحتين العربية و الدولية رمزا من رموز الثورة الفلسطينية المعارضة التي حملت على أكتاف مقاتليها البندقية و هوية الشعب الفلسطيني…كما عرفته قائدا محنكا لفصيل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين اليساري، مساهما باجتهاداته الفكرية و النضالية في تطوير العمل الوطني الفلسطيني و البناء الديمقراطي لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، و مقاتلا صلبا ليس فقط ضد الإيديولوجية الصهيونية و الخطط الأمريكية، بل أيضا ضد كل السياسات العربية الرسمية الرامية إلى نسف مرتكزات منظمة التحرير الفلسطينية و مصادرة قرارها السياسي الوطني المستقل بنفس الدرجة التي يقاتل فيها ضد نزعات التطرف و المغامرة اليسراوية و التحكم الفرداني الديكتاتوري لفريق أوسلو في القرارات و السياسات..
وجدنا في زيارة نايف حواتمة للمغرب فرصة ثمينة لمحاورته في القضايا الفلسطينية الراهنة من موقع همومه الفكرية و السياسية و الإيديولوجية بغاية تقريب هموم هذا القائد الفلسطيني الكبير إلى الرأي العام الوطني المغربي. و قد تم نشر الحوار بصحيفة المنظمة عام 2000.
- المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تقوم على أساس اتفاق أوسلو و ملاحقه و قبله مؤتمر مدريد. هذه المفاوضات تبدو غريبة الأطوار لأن ما هو معروف تاريخيا عن المفاوضات في الحقل السياسي و الدبلوماسي لكي تكون كفة نجاحها مائلة لقضية الشعب يجب ان يكون المفاوض الفلسطيني مسنودا بميزان قوة على الأرض بفضل الكفاح المسلح..فكيف، إذن ترون طبيعة هذه المفاوضات الهشة و أين يكمن خللها الكبير؟
نايف حواتمة: كل ثورة، كل حركة تحرر وطني ترفع السلاح و كل أشكال المقاومة ضد الكولونياليين و المحتلين و المعمرين المستوطنين، لا بد أن تدخل في مفاوضات ما مع عدوها للوصول إلى تسوية سياسية للقضايا المطروحة. هذا ما وقع مع كل قوى التحرر التي حملت السلاح سواء في الفيتنام أو في الجزائر أو في المغرب أو اليمن…بينما في الهند أخذت أشكالا غير عنيفة.
الرياح لا تجري دائما بما تشتهي سفن الثورة و المقاومة
وعلى ضوء ميزان القوة يتوقف مصير و مضمون حل القضايا العالقة في عملية التحرر و الاستقلال ة الحقوق الوطنية.
في ظروفنا، التطورات و التحولات التي جرى كثير منها، أدت إلى نهوض الثورة و المقاومة الفلسطينية المسلحة و الجماهيرية ثم الانتفاضة، و أنجزنا في هذا المسار إستراتيجية كبرى بإعادة القضية و الهوية و الحقوق الوطنية من حيث المبدأ إلى خريطة المجتمع الإسرائيلي الصهيوني الذي كان ينادي بإسرائيل الكبرى، و كذلك إلى الخريطة الإقليمية العربية و الدولية و في إطار مسار الأمم المتحدة، لكن الرياح ليس بالضرورة دائما تجري بما تشتهي سفن الثورة و المقاومة، و عليه عصفت رياح سلبية كثيرة مدمرة بالأوضاع الفلسطينية و الإقليمية و العربية و الدولية، و تركت تأثيراتها السلبية على مسار الثورة الفلسطينية، بدءا، أولا، من فك الترابط بين رفاق السلاح الذين خاضوا حرب أكتوبر و تفتت الجبهة المشتركة بين سورية و مصر و الثورة الفلسطينية و قوى الإسناد الوطنية، الشعبية و الحاكمة.
ثانيا، اتفاقات كامب ديفيد التي أدت إلى إعادة تركيب خريطة الشرق الأوسط بعيدا عن مصلحة الشعب الفلسطيني و الأمة العربية.
ثالثا، الغزو الشامل للبنان عام 1982 الذي ترتب عليه قفل جبهة جنوب لبنان أمام المقاومة الفلسطينية و رحيل القيادات و القوات الفلسطينية و تشتتها على قوس قزح واسع ..
و رابعا، حرب الخليج الأولى التي استنزفت مدة ثماني سنوات من جهد العراق و بلدان خليجية و العديد من البلدان العربية، ثم جاءت الطامة الكبرى أو الكارثة الكبرى لحرب الخليج الثانية.

هذا كله، أدى إلى سلسلة من التداعيات و الانقلابات السياسية داخل صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، و ترتب عليها محاولات لم تتوقف منذ عام 1977 لليمين و يمين الوسط في منظمة التحرير من أجل تفتيت الائتلاف الوطني و التراجع عن برنامج القواسم المشتركة و إدارة الظهر لقرارات القمم العربية و القرارات الدولية و الانخراط في المشاريع الأمريكية، ثم لاحقا في مشاريع الحلول الأمريكية الإسرائيلية.
و برز هذا بوضوح عندما حاول عرفات و من معه، السير بسياسته الخطوة خطوة الكيسنجيرية (نسبة إلى كيسنجر) و بسياسة كامب ديفيد التي نصت في المعاهدة المصرية الإسرائيلية على حل للقضية الفلسطينية في إطار الحكم الذاتي للسكان لمدة خمس سنوات بدون سيادة على الأرض و بدون وقف الاستيطان، و بعدها في اتفاق عمان بين عرفات و الملك حسين الذي جرى به تفويض الملك حسين صلاحية التفاوض نيابة عن الشعب الفلسطيني، و هذا يتناقض كلية مع القرارات الفلسطينية و العربية و الدولية التي تنص على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني. لكن كل هذه المحاولات لم تتمكن من أن تشق طريقها..لأن نسبة من توازن القوى في الميدان و في الخريطة العربية – العربية و الفلسطينية – الفلسطينية، لم تكن تسمح لعرفات، و هو اليمين و يمين الوسط في منظمة التحرير، من الارتداد على هذه السياسات المشتركة و التي تمثل الحدود الدنيا من الحقوق الفلسطينية و العربية التي جمعت لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية في القرن العشرين، بين الحقوق العربية بدعوة المحتل الإسرائيلي للانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة بعدوان عام 1967، و بين حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و بناء دولته المستقلة عاصمتها القدس على الأراضي المحتلة عام 67 و حق اللاجئين في العودة عملا بالقرار ألأممي رقم 194.
هذا كله، تعرض للتداعيات و الانقلابات السياسية و فلت اليمين و يمين الوسط منشقا عن هذه السياسات الوطنية و القومية و الدولية بعد حرب الخليج الثانية، و بكل صراحة، تم حمله على أكتاف الأنظمة العربية التي ذهبت إلى مؤتمر مدريد بمشاركة مندوب عن مجلس التعاون الخليجي و مندوب عن الإتحاد ألمغاربي بالإضافة إلى مشاركة مصر و سورية و الأردن و لبنان.
قبل هذا، لم يكن ممكنا لليمين و يمين الوسط أن يذهب إلى المفاوضات. لقد حاول و لم ينجح، و عندما اختلت المعادلة العربية – العربية، ذهب و انفلت بهذا الاتجاه، بينما كنا قبل أيام في المجلس الوطني الفلسطيني قد قررنا
بشكل مشترك بأن الذهاب إلى المفاوضات يجب أن يتم، حالنا حال سورية و لبنان و الأردن، على أساس التفاوض في مرحلة واحدة من ألفها إلى يائها في إطار القرارات الأممية و بتمثيل شعبنا في الضفة الغربية و قطاع غزة و القدس و الشتات، و اشترطنا شرطا رئيسيا قبل الوصول إلى مؤتمر مدريد أن نتلقى ضمانات من الإدارة الأمريكية و الإتحاد السوفييتي حينذاك بوقف الاستيطان طيلة فترة المفاوضات، لكن عرفات كسر هذا كله بتشجيع العديد من العواصم الأوروبية، و كل هذا تم ضبطه في الفترة الواقعة بين مارس 91 و أكتوبر 91 بجولات بيكر المكوكية الشهيرة في منطقة الشرق الأوسط
طبخة مؤتمر مدريد تم تجهيزها من وراء ظهر منظمة التحرير
و ليس صحيحا أن الطرف الفلسطيني أعطى الموافقة بعد موافقة كل الدول العربية، و هذا ما أوضحه فيصل الحسيني وحنان عشراوي في المجلس الوطني الفلسطيني يوم 26 شتنبر 91، أي شهر واحد فقط قبل انعقاد مؤتمر مدريد حيث قالا بأن جيمس بيكر أبلغهما بأن الأردن و سورية و لبنان لن يأتوا إلى مؤتمر مدريد إذا لم يأت الفلسطينيون. و لذلك فالطبخة قد تم تجهيزها من وراء الستار و من وراء ظهر مؤسسات منظمة التحرير. و رغم ذلك، أخذنا بسياسة الأقوى لمحاولة تظهير- مرة أخرى- التناقض بين ما تم طبخه على يد بيكر بجولات مكوكية و بين قرارات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. و هكذا أصبحت المفاوضات محكومة بميزان قوى مختل لصالح المحتلين و المستوطنين، و انطلقت، منذ الدقيقة الأولى، بفك أي ترابط بين المسارات التفاوضية و حصر المفاوضات بالثنائية المباشرة وفقا للمصالح الإقليمية و القطرية الخاصة بكل فريق وصولا إلى تفكيك و شل جبهات التفاوض العربية الإسرائيلية.
كان موقفنا: لا للمشاركة في مؤتمر مدريد وأوسلو
في ظل هذا الوضع كان موقفنا كجبهة ديمقراطية، لا للمشاركة في مؤتمر مدريد، لا للمشاركة في أوسلو، و واصلنا نهج سياسة انتقادية كاشفة لمظالم مؤتمر مدريد على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية و لمظالم أوسلو و تداعياته و سياسة الخطوة خطوة، و بالاتجاه إلى تصحيح هذه العملية بدءا من إعادة بناء العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية على قاعدة الائتلاف الوطني بالقواسم المشتركة.
و بدون هذا، المفاوضات ستبقى غير متوازنة و ستجر إلى تداعيات و تراجعات و تنازلات أكثر فأكثر. و هذا ما يجري بالمفاوضات السرية الراهنة و ما قد أعلم عنه إيهود باراك قبل أيام.
- أكبر إنجاز حققته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هو البرنامج الوطني المرحلي في ظروف كان من الصعب على باقي الفصائل الفلسطينية أن تلتقط برؤية سليمة مفاصل التسوية العادلة لقضية الشعب الفلسطيني بمنطق واقعي و عقلاني. و قد راعيتم في هذا الانجاز الكبير الذي تبنته منظمة التحرير ليصبح برنامجها الوطني، الظروف الدولية حيث كان الاتحاد السوفييتي، يومها، يساند الثورة الفلسطينية، و في ذات الوقت، يعترف بإسرائيل فوق أراضي 1948، و القطبية الثنائية التي كانت سائدة في المسرح الدولي بين الاتحاد السوفييتي و الولايات المتحدة، و ثمة مراقبون دوليون اعتبروا أن برنامجكم تنطبق عليه مقولة “السياسة فن الممكن”. والآن، بعد حرب الخليج الثانية، انعطفت القيادة الفلسطينية من خلال اتفاق أوسلو في اتجاه آخر أخذت على أساسه بالتبريرات التي تقول بان الظروف الدولية و العربية تغيرت و لم تعد تسمح سوى بإجراء المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. و بخصوص هذا المسار الجديد، مسار أوسلو، يرى الكثير من المراقبين أن أطروحة “السياسة هي فن الممكن” أطروحة خاطئة و لا يمكن أن تنطبق عليه، فكيف إذن تصح هذه الأطروحة بالنسبة لبرنامجكم فيما لا تصح في حالة مسار أوسلو؟ وسؤال موازي يتعلق موضوعه باقتراحكم السابق حول المؤتمر الدولي الكامل الصلاحيات كإطار لحل القضية الفلسطينية، ما هي أوجه الاختلافات القائمة بينه و بين مؤتمر مدريد؟
نايف حواتمة: ضبطا و صحيحا أن السياسة هي فن الممكن. هذا يعني أن السياسة ليست الاستسلام للأمر الواقع: الاستعمار و الامبريالية و التوسعية و المعاهدات العسكرية و القواعد العسكرية و الأحلاف..هذه كلها أمر واقع عرفته شعوب آسيا و إفريقيا و بلدان عربية، و لكن قوى التحرر و التقدم في هذه البلدان جميعها من مواقع سياسة فن الممكن رفضت الاستسلام لسياسة الأمر الواقع و أصرت على النضال في إطار قرارات الشرعية الدولية الخاصة بكل قضية.
وثانيا، في المعاصر و لغة اليوم و الغد، أمامنا تجارب لشعوب صغيرة تعرضت للتهجير و الابتلاع و الهيمنة، كما هي حال كوسوفو و تيمور الشرقية. صمود أبناء كوسوفو استدعى تدخلا إقليميا و دوليا من أجل حق كوسوفو في الاستقلال الذاتي الكامل، و ربما يتطور إلى استقلال كامل عن يوغوسلافيا الاتحادية و الإصرار على عودة جميع اللاجئين الذين طردوا من كوسوفو. و فعلا ثم هذا في الوقت الذي لم يعد الاتحاد السوفييتي موجودا و لم يكن هناك أي ثقل مؤثر لسياسة روسيا التي اعترضت على هذه السياسة الأوروبية الأمريكية و التي حظيت، بشكل أو بآخر، بموقف من أغلبية دول الأمم المتحدة.
كذلك، تيمور الشرقية شعبها صغير لا يتجاوز سكانه 800 ألف نسمة خضع لهيمنة اندونيسيا التي تضم 200 مليون نسمة لمدة 25 سنة و تعرض جزء منه للتهجير تحت ضغط سلاح الجيش و الميليشيات الاندونيسية المسلحة. و مرة أخرى، الاتحاد السوفييتي ليس موجودا و روسيا ليست ذات وضع مؤثر، حسم تقرير مصير و مسار تيمور الشرقية بصمود حركتها الوطنية في ظل ميزان قوى مختل اختلالا واسعا في غير صالحها. لكنها صمدت مناضلة من أجل تطبيق قرار الأمم المتحدة الخاص بها مما استدعى – على صخرة الصمود- تدخلها ة بقرارات منها لإنهاء ما اصطلح على تسميته بالاحتلال الاندونيسي لتيمور الشرقية و تأمين حقها بالاستفتاء على تقرير مصيرها، ة بذلك قررت الاستقلال السياسي.
و مثل طازج مباشر أمامنا هو لبنان الصغير الذي تعرض ل 20 عاما من الحروب الداخلية الأهلية، مثلما تعرض لحروب و غزوات إسرائيلية عام 78 يوميا و غزو شامل عام 82 و مواصلة الاحتلال لجنوب لبنان. لكن شعب لبنان توحد وطنيا و خاض مقاومة في إطار قرار الأمم المتحدة رقم 425 الخاص بلبنان، لم يتجاوزه و لم يتصرف خارجا عنه، إلى أن تمكن من فرض الحالة المتآكلة معنويا و أخلاقيا في صفوف الدولة الإسرائيلية تجاه احتلال لبنان و حالة من الضجيج و الرعب في جيش العدو الذي لا يمكن أن يتمكن جيش أي نظام من التصفية الأبدية لمقاومة تقوم على الحروب الفدائية أو على الانتفاضة و ثورة الحجارة كما هي حال الانتفاضة الفلسطينية مثلا، أو حال الحركة غير العنيفة و السلمية في الهند عند نضالها ضد الكولونيالية البريطانية.
و تمكن شعب لبنان الصغير برغم انفراط التضامن العربي في حرب الخليج و غياب الاتحاد السوفييتي و غياب أي دور للراعي الثاني (روسيا) كاملا في إطار القرار ألأممي برحيل المحتلين من كل الأراضي اللبنانية المحتلة.
هذه أسئلة حية طازجة أمامنا كان من الممكن أن نواصل السير بمثيلها في الحركة الوطنية الفلسطينية و ائتلاف منظمة التحرير، في ظروف -ربما أقول- بعد حرب الخليج كانت قاسية و صعبة، لكنها أفضل من الحالة الإقليمية العربية التي وصلنا لها جميعا عشية النصر اللبناني الكبير. فقد تعمق انهيار التضامن العربي و كثير من العواصم العربية كانت تستقبل رابين و بيريز و نتنياهو و باراك الذين شنوا عمليات إبادة في لبنان و تدمير بنياته التحتية…رغم كل هذا وقع الانتصار الكبير على يد شعب صغير.
فن الممكن كان و ما يزال هو توحيد الشعب الفلسطيني
و لهذا، فن الممكن كان و ما يزال هو توحيد الشعب الفلسطيني و لكل قوى الائتلاف الوطني العريض على أساس برنامج النضال الممكن و في المفاوضات على أساس القرارات الأممية 242 و 338 التي تقضي بعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة و القرار 194 الخاص بحق اللاجئين في العودة و القرار 250 القاضي ببطلان ضم القدس و الذي وافقت عليه كل الدول الأعضاء بمجلس الأمن بما فيها الإدارة الأمريكية و القرار 465 القاضي ببطلان الاستيطان باعتباره غير قانوني و غير شرعي و عقدة مدمرة لعملية السلام.
لكن هذا الممكن لم يعد ممكنا عندما نجحت الإدارة الأمريكية بسلسلة من المناورات و الضغوطات ليس فقط اليمين و يمين الوسط في منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الأخ عرفات، بل أيضا مع العواصم العربية لاستدراجها و جرها إلى مؤتمر مدريد على أساس سياسة مشتقة من مشروع كامب ديفيد و في إطار مسلسل الحلول الثنائية و القائمة على خطوة خطوة، و عليه أصبح ممكنا أن يتمرد اليمين و يمين الوسط في منظمة التحرير على القرارات الفلسطينية المشتركة. و لذلك، أقول، لم يتمكن هذا الجناح اليميني من أن يركب كتف المعادلة الفلسطينية الفلسطينية، بل ركب على كتف المعادلة العربية – العربية بعد حرب الخليج الثانية.
الممكن الراهن: الإصرار على سلام متوازن في إطار القرارات الاممية
و كان ممكنا أيضا أن نواصل عملنا بالائتلاف على ما قررناه قبل أيام من مؤتمر مدريد، بالذهاب إليه حالنا حال الأردن و سورية و لبنان لمفاوضات ثنائية مباشرة في إطار القرارات الأممية و التفاوض في مرحلة واحدة و ليس على أساس الخطوة خطوة الأوسلوية. و لكن، مرة أخرى، هذا الممكن، لم يعد ممكنا عندما نجحت الإدارة الأمريكية و العديد من الدول العربية و تحت ضغوط حكومة شامير – رابين الائتلافية بتنسيق أمريكي للفصل بين الموقف العربي و الحالة الفلسطينية و فك الارتباط بين الوطني و القومي، بين القطري و العربي، عكس ما تقر به قرارات القمم العربية التي تشترط أن تتم التسوية السياسية الشاملة مع الدولة العبرية برحيل المحتلين عن الأراضي العربية المحتلة و ضمان حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس على الأراضي المحتلة بعدوان 5 حزيران 67 و عودة اللاجئين مقابل السلام و الأمن الكامل مع الدولة الإسرائيلية. و عليه، لم يعد الممكن ممكنا، بعد هذا كله، الممكن الراهن هو البحث و الإصرار على سلام شامل متوازن في إطار القرارات الأممية. و شرط هذا و مفتاحه: إعادة بناء وحدة الشعب الفلسطيني حتى يكون 8 مليون فلسطيني متحدا في هذا السياق و إعادة الائتلاف الوطني العريض في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية و تشغيل مؤسساتها حتى تعمل بخط مؤسسات لا بخط إرادات فردية و انشقاقات عن المؤسسات الائتلافية المشتركة.
- سبق لأعضاء في المجلس الوطني التشريعي أن اتهموا السلطة الفلسطينية بالفساد المالي و أشاروا بأصابع الاتهام إلى وزراء محددين بالاسم، و وعد وقتها الرئيس عرفات بإصلاح الوضع الفاسد على أساس تشكيل مجلس جديد للسلطة و لكنه لم يف بوعده، و لاحقا فإن ملف الفساد هذا، تداولته بقوة وسائل الإعلام العربية و الدولية بعد أن أثير مجددا من قبل الاتحاد الأوروبي باعتباره يقدم 80 بالمائة من الأموال الممنوحة للسلطة الفلسطينية. و آخر تقرير قدمه الاتحاد الأوروبي في هذا الموضوع حملته البعثة التي أرسلها ميشيل روكار رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، كما أثير من قبل الصندوق الدولي و الإدارة الأمريكية و الكونغرس الأمريكي، و تقاطعت معه اتهامات و جهها السيد غصين الرئيس السابق للصندوق الوطني الفلسطيني للرئيس عرفات كرد على مقاضاة هذا الأخير للسيد غصين على اختلاسات مالية كبيرة. و دائما في نفس السياق جرى الحديث عن تحويلات تقوم عناصر السلطة الفلسطينية بوضعها في حسابات توجد داخل إسرائيل. هل هذا الوضع الفاسد يعد من تداعيات المنطق الذي حكم مسار و نهج خيار أوسلو أم انه يعود إلى طبيعة التربية و التكوين لدى السلطة الفلسطينية؟
نايف حواتمة: هناك وضع مركب بين اتفاقات أوسلو و بين طبيعة تكوين السلطة الفلسطينية، فاتفاقات أوسلو مشروطة بشرط سياسي حيث لا تستطيع السلطة الفلسطينية معه اتخاذ أية خطوات تشريعية أو سياسية إلا بعد موافقة الغرفة الخلفية الإسرائيلية. و هذا منصوص عليه بالملحق الثاني و الثالث من اتفاقات أوسلو.
و ثانيا، نشأت شبكة من المصالح الطبقية البورجوازية الطفيلية و الكومبرادورية في صفوف السلطة تداخلت مع مصالح البيروقراطية المتبرجزة و الطامحة بالانتقال السريع من مواقع البورجوازية الصغير و الوسطى إلى طبقة الأثرياء من خلال السلطة و التعاون بين هؤلاء و الشرائح الطفيلية و الكومبرادورية البورجوازية، أيضا، طبقية متداخلة مع الاقتصاد الفلسطيني بالمتروبول الإسرائيلي و الشركات المختلطة الفلسطينية الإسرائيلية.
و لذلك تزاوج هذا السقف لصلاحيات السلطة الفلسطينية مع التفسخ الاجتماعي و الطبقي و السياسي، و تعاظم نفوذ هذه الشرائح الطبقية البورجوازية الطامحة في الغنى السريع بكل الوسائل الممكنة. و لهذا فاحت روائح الفساد الفاسدة مما دفع المجلس الفلسطيني التشريعي الذي يحتل فيه أبناء حركة فتح الأغلبية (76 من 88 عضوا) إلى اتخاذ قرار بالإجماع يقضي بنزع الثقة عن مجلس السلطة التنفيذي (مجلس الوزراء) و مطالبة عرفات بإقالة هذا المجلس بالكامل و إحالة 7 من وزرائه بلوائح اتهام بالفساد للمحاكمة الفورية.
عرفات ثبت مجلس السلطة الفاسد بمنطوق قرار المجلس التشريعي
لكن عرفات لم يستجب، و عطل هذا الأمر مدة أربعة أشهر. و بعدها جمع المجلس الثوري لحركة فتح و الكتلة البرلمانية الفتحاوية في المجلس التشريعي، و قال لهم بلغة واضحة، إنه لا يستطيع إقالة هذا المجلس لأن العديد من وزرائه يمثلون ما تريده دول أخرى، بل الأكثر من ذلك، وضع أمامهم أسماء لوزراء فيهم من هم مشمولون بالحماية الأمريكية، و آخرون مشمولون بالحماية المصرية و الأردنية. و لذلك قال لهم عرفات إنه لا يمكن أن يفعل ما يطلبون و توصل معهم إلى حل يزيد طابقا جديدا على طوابق الفساد حيث ثبت مجلس السلطة الفاسد بمنطوق قرار المجلس الفلسطيني التشريعي بالإجماع الذي اتهمه بأنه فاسد و طالب بإقالته كاملا، و أضاف إليه طابقا جديدا من سبعة وزراء ليأخذوا ما يستطيعون(…)
لازلنا في الدرجات الأولى من سلم حركات التحرر الوطني
هذا يظهر بلغة واضحة أننا أمام برنامج مركب، يدعونا إلى أن نفتح الأبواب مشرعة على النضال من أجل إعادة بناء وحدة الشعب الفلسطيني و الائتلاف الوطني في إطار منظمة التحرير الائتلافية، لأننا لازلنا في الدرجات الأولى من حركات التحرر الوطني للخلاص من المحتلين و المعمرين المستوطنين ، حتى نفتح الطريق لإمكانية تقرير المصير و بناء دولة مستقلة على الأراضي المحتلة بعدوان حزيران 1967 و عاصمتها القدس.
و الوجه الآخر لهذه السياسة، هو التطرف بسياسة اليمين و يمين الوسط بالاستجابة للانحناء للأمر الواقع الإسرائيلي و الأمريكي الضاغط، بتقديم المزيد من التراجعات و التنازلات. هذا يعني بلغة واضحة رفض النزعة المغامرة و النزعة الانهزامية و تقديم الجديد المتمثل في البرنامج الوطني
الواقعي الممكن و المضبوط بالقرارات الوطنية الفلسطينية و القرارات الأممية المذكورة.
و الوجه الآخر من هذا البرنامج المركب هو الاختلاف بين القوى الديمقراطية و الوطنية الاستقلالية النظيفة و بين القمع و الفساد الذي تمارسه الكثير من أجهزة السلطة حيث مطروح علينا العمل من أجل دمقرطة السلطة و دمقرطة المجتمع المدني و تفعيل قاعدة التعددية الديمقراطية و على قاعدة الحق الكامل في ممارسة الإضراب و الاعتصام و خوض كل أشكال النضالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الحقوقية من أجل حياة ديمقراطية تتسع أكثر فأكثر، لأننا لا نرغب نهائيا في إنتاج دولة أو سلطة فلسطينية نظيرة للسلط العربية العديدة في مشرقنا القائمة على الاستبداد الشرقي التاريخي و المعاصر و الحكم الشمولي التوليتاري الذي يصادر إرادة و حقوق الشعب و كل إمكانات مساهماته بتقرير مصائره على مختلف محاور الحياة.
- تحرير جنوب لبنان قبل تحرير فلسطين. هذه مفارقة غريبة لا يمكن استيعابها خصوصا و أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت سباقة للكفاح المسلح في مواجهة إسرائيل، بل أكثر من هذا، فالثورة الفلسطينية هي التي صنعت حركة أمل و أمدتها بالسلاح في جنوب لبنان، و من ضلعة هذه الحركة خرج حزب الله الذي عرف كيف يثبت موقفه من حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، بعد أن تخلت عن هذا الأسلوب الكفاحي منظمة التحرير، و كانت النتيجة أن حصد الشعب اللبناني، بفضل هذا الأسلوب، انتصارا كبيرا بتحرير جنوبه المحتل. كيف ترون هذه المفارقة؟
نايف حواتمة: هذه المفارقة مفرحة و محزنة في نفس الوقت، مفرحة بالإنجاز الكبير لشعب صغير حرر كامل ترابه الوطني في إطار القرار الأممي 425؛ و محزنة لنا كفلسطينيين لأن الائتلاف الوطني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية و على أساس برنامج فن الممكن للسياسية الوطنية الواقعية كان ممكنا تحقيقه فلسطينيا لكنه فشل، و هنا مصدر المفارقة.
نعم، إن حزب الله بني على التراث الوطني و الثوري الكبير المتراكم على يد الثورة الفلسطينية و مخيمات شعبنا في لبنان و في جنوبه و على يد الحركة الوطنية اللبنانية و بفضل التعاون المشترك الذي طال منذ عام 67 حتى عام 1984 قبل أن يوجد حزب الله.
و من المعلوم أن حزب الله تواجد عام 84 بنواة من أبناء حركة أمل و من اللبنانيين الذين كانوا في صفوف الثورة الفلسطينية أو في صفوف الحركة الوطنية اللبنانية، و حصر انتشاره بلون طائفي واحد. و هناك اعتبارات إقليمية، أيضا، شجعت على حصر انتشاره بلون طائفي واحد حتى تبتعد عنه الاتهامات الإسرائيلية و الأمريكية بأنها تسند المقاومة في جنوب لبنان، فتصادر هذه المقاومة على أكتاف بعيدة آلاف الأميال عن الخطوط الأمامية مع المحتلين الإسرائيليين. و قد توحد الشعب لإسناد هذه المقاومة الفاعلة و النشيطة في الجنوب اللبناني و هنا علينا أن نلاحظ أن هذه المقاومة تبنت كفاحها في إطار قرار الأمم المتحدة 425، و لم تمتد إلى قلب الدولة العبرية أو قلب الأراضي الفلسطينية، و هذه المسألة أساسية و هامة.
و علينا، أيضا، أن نلاحظ أنه رغم كون المقاومة بجنوب لبنان دفعت الخريطة الإسرائيلية للتآكل معنويا و أخلاقيا و سياسيا في ادعاءاتها حتى لا تبقى في جنوب لبنان، لم تتمكن من أن تربط بين العمليات الفدائية و المسلحة و بين تحريك الكتلة البشرية الشعبية في جنوب لبنان حيث كان يوجد 600 لبناني تحت الاحتلال الإسرائيلي و لم تكن هناك مظاهرات و لا إضرابات و لا اعتصامات و لا حركات شعبية انتفاضية بالحجارة أو الصدور العارية، بينما الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم كل الظروف المظلمة التي أحاطت بقضيته، لديه دائما الجاهزية العالية للعودة إلى الشارع و الانتفاضة بالصدور العارية و الكفاح بالحجارة المقدسة لمجابهة آلة الحرب الإسرائيلية المتطورة. من هنا يتضح معنى المفارقة، فعندما وقعت عمليات انهيار التضامن العربي و استعداد الدول العربية المجاورة و المساندة لها للذهاب إلى مفاوضات بموجب خطة الإدارة الأمريكية التي قدمها الرئيس بوش بعد أسبوع واحد من انتهاء حرب الخليج الثانية، و عندما تفككت الوحدة الوطنية الفلسطينية بتشجيع من الإدارة الأمريكية و العديد من العواصم العربية لليمين و يمين الوسط في منظمة التحرير، بدأت المفارقة تتضح أكثر بين التجربة اللبنانية في المقاومة المسلحة و النضال و بين الحالة الفلسطينية، و رغم أن الحالة الفلسطينية هي السباقة و الأكثر امتدادا في جذورها ليس فقط على مستوى الزمنية التاريخية المعاصرة (منذ عام 67)، بل أيضا المنتشرة و المجندة لكل الشعب الفلسطيني في الوطن و الشتات، ففي الشتات يحمل السلاح و في داخل الوطن في حالة الانتفاضة، لكن تفكيك الوحدة الوطنية الفلسطينية بفعل التطورات التي حولنا و التي مكنت اليمين و يمين الوسط في منظمة التحرير الفلسطينية من أن ينشق عن الائتلاف الوطني و عن برنامج الحل السياسي الممكن و الواقعي و المضبوط بالقرارات العربية و الفلسطينية المتناغمة مع القرارات الأممية هو الذي يضع جوابا لهذه المفارقة الطريفة و لكن ليست بالغريبة و لا العجيبة. نعم، فهي طريفة لأن الحالة الفلسطينية كان بالإمكان أن تكون سباقة في هذا الميدان، و لذلك أقول عنها طريفة لان صيانة الوحدة الداخلية اللبنانية و ترابط حلقات الصمود بين المقاومة على جبهة خطوط التماس و إسناد على الجبهات في العمق اللبناني من الدولة و الجيش السوري، كل هذه الأمور هي التي صنعت هذه المفارقة الطريفة التي أثمرت النتيجة المفرحة بانتصار لبنان الصغير على الدولة الإقليمية العظمى في منطقة الشرق الأوسط، و أعطت درسا للكيفية التي يجب بها أن نتعلم من الظالم و الحزم بما يمكن أن يدفع من جديد باستئناف المسار الكفاحي في الاتجاه الصحيح.