صحافة البحث

ذاكرة إعلامية.. سمير غوشة يتحدث عن حرب المخيمات وأزمة الثورة الفلسطينية

- الإعلانات -

  ذاكرة إعلامية هي نافذة يطل من خلالها قراء موقع “µ” على أعمال صحفية ذات قيمة فكرية، أدبية، فنية و سياسية سبق للصحفي المصطفى روض أن أنجزها و نشرها في مجلتي الحرية و الفكر الديمقراطي الفلسطينيتين و منابر أخرى بالمشرق و صحيفة أنوال بالمغرب. و ستكون البداية مع الحوارات في محور السينما ستتلوه محاور الشعر، المسرح، النقد الأدبي والسياسة و الفكر.

في سلسلة حوارات سبق أن أجريناها مع مختلف قادة فصائل الثورة الفلسطينية خصصنا بعضها لمحور أساسي يتعلق بحرب المخيمات التي شنتها في أواسط الثمانينات حركة “أمل” الشيعية على السكان الفلسطينيين و تنظيماتهم فيما سمي بحرب المخيمات التي كانت تخلف المآسي الناجمة عن عملياتها في القتل المتعمد في حق هده الساكنة التي شردت من وطنها فلسطين بعد أن استهدفتهم آلة التهجير الصهيونية التوسعية العنصرية.

و قد نشرنا هذه الحوارات أواسط الثمانينات في صحيفة “أنوال” كان ضمنها حوارا أجريناه مع الدكتور سمير غوشة زعيم جبهة النضال الشعبي الفلسطيني اليسارية التي تعد واحدة من بين الفصائل الفلسطينية المنتمية لمنظمة التحرير. نص الحوار فيما يلي:

  • س:  ما هي من وجهة نظركم الأهداف الحقيقية التي تقف وراء افتعال حرب المخيمات الفلسطينية في لبنان؟

إن ما يطلق عليه حرب المخيمات كان مجزرة رهيبة في حق شعبنا الفلسطيني، فقد دمر 95 في المائة من مخيم صبرا و شاتيلا، و 20 في المائة من برج البراجنة… و هذه المجزرة هي الثالثة من نوعها منذ 1982 (صبرا و شاتيلا، المجزرة التي قادها إميل حبيقة). عدة عوامل محلية و إقليمية وراء حرب المخيمات. و نحن نرى ان المخيمات الفلسطينية التي كانت من بين استهدافات الغزو الصهيوني للبنان، قد شهدت نهوضا جديدا و أعادت تنظيم نفسها بعد الغزو، خاصة و أن الأهداف السياسية و العسكرية في لبنان لم تتحقق. و من الطبيعي أن تساهم عدة أطراف في عملية تحقيق تلك الأهداف. و هنا فإن كافة الذرائع و المبررات التي قدمت من أجل تبرير حرب المخيمات لا، و لم تقنع شعبنا.

نعم، لا شك أن هناك اتجاها معينا في الساحة الفلسطينية يتحمل المسؤولية في ما تم، و هو نهج الانحراف و الاستسلام. لكن الحقيقة التي يجب أن تكون واضحة أمام جماهير شعبنا الفلسطينية، أن الاتجاهات المشبوهة و المرتبطة بحركة “أمل” هي التي قامت بالدور البارز في تأجيج الحرب. و عليه، فإننا نعتبر أن هذه الحرب كانت تستهدف ضرب البندقية الفلسطينية و ضرب الوجود الفلسطيني و منعه من إعادة تنظيم أوضاعه، لينطلق من جديد في نضاله من أجل تحرير فلسطين. لذلك، نرى أن الحرب كانت ضد مصلحة أي موقف وطني، و هي لمصلحة النهج الرجعي الاستسلامي، و قد خدمت، بشكل أو بآخر، مخططات الأعداء.

  • س:  تقول بعض الأطراف بأن بين حركة “أمل” و إسرائيل لديهما اتفاقية سرية، تهدف إلى ضرب الوجود الفلسطيني، على الأقل، في الجنوب ضمانا لأمن إسرائيل. فهل هذا الكلام صحيح؟

نحن لا نفسر الأحداث بطريقة بوليسية، و بطريقة البحث عن الاتفاقات السرية.. فرغم هذه الحرب نحن لا ننسى أن حركة “أمل” و مناضليها الشرفاء كانوا و ما زالوا يقاتلون العدو الإسرائيلي و يشاركون في المقاومة الوطنية اللبنانية، و بالتالي فإن هذا القول لا ينطبق على حركة أمل. غير أننا لا ننفي أنه في أي تنظيم تحدث اختراقات. و قد يوجد مدسوسون و عملاء.. و في نفس الوقت نقول إن حرب المخيمات أحدثت شرخا في العلاقة بين الوطنيين الفلسطينيين و الوطنيين في حركة “أمل” من دون أن يؤدي هذا إلى نفي الدور النضالي الذي قامت به “أمل” على مدار سنوات في مواجهة العدو الصهيوني. و قد تكون هناك أسباب أخرى تتعلق بنظرة حركة “أمل” إلى دورها في الساحة اللبنانية، و كيفية التعاطي مع القضية الفلسطينية و البندقية الفلسطينية.

  • س:  أشرتم سابقا إلى أن هناك اتجاها معينا يتحمل هو الآخر المسؤولية في حرب المخيمات، أسميته بالاتجاه الاستسلامي، و قد تردد خلال الحرب كلام بصدد مؤامرة مدبرة من عرفات، فما هي مصداقية هذا الكلام؟ و من المسؤول عن حرب المخيمات في نظركم؟

 في البدء نريد إن نؤكد على أن هناك نهجا استسلاميا عربيا، و ياسر عرفات و نهجه الاستسلامي هو جزء من ذلك النهج الاستسلامي العربي. و هنا تكمن القضية في لبنان. فهناك قوى رجعية تلعب دورها مع عرفات؛و هناك أنظمة عربية رجعية تدعمه و تشارك بتنظيماتها المحلية و امتداداتها داخل لبنان في المؤامرة التي تستهدف الصمود الوطني الفلسطيني و اللبناني في نفس الوقت الذي تعمل فيه على إجهاض المشروع العربي في مواجهة كامب ديفيد و كافة الحلول الاستسلامية على هذه القاعدة.

لذلك فتصوير الأمر كأنه يتعلق بعرفات لوحده غير صحيح. فعرفات جزء من نهج رجعي. و هل كان بإمكانه الوصول إلى بيروت و المخيمات لو لم تكن هناك تسهيلات و مساعدات و حماية وفرتها له القوى الرجعية اللبنانية التي تشاركه في هذا النهج.

نحن نرى أن الوضع في لبنان يشهد صراعا بين نهجين، ليس في الساحة الفلسطينية فقط، و إنما في الساحة العربية عموما. هناك نهج وطني يريد أن يتصدى لكامب ديفيد، و يريد إحباط كافة المشاريع و الحلول الاستسلامية، و هناك نهج آخر يريد أن يتساوق مع المشاريع الإمبريالية. و من دون شك أن محور حسين – عرفات – مبارك، هو الذي يقود هذا النهج.  وهذه هي حقيقة الصراع القائم في لبنان، و الذي يراد منه تغطية ما ينسج على الساحة العربية خاصة اتفاق عمان، كما يهدف إلى زرع اليأس، في صفوف الشعب الفلسطيني لكي يقبل بالحل الاستسلامي. نعم، ليس عرفات وحده الذي يتحمل المسؤولية، فهناك أطراف رجعية أخرى تتحمل قسطا منها. لكن هناك أطراف أخرى كانت في الموقع الوطني، و انجرت، بشكل أو بآخر، لتنفذ مخطط عرفات..  و ما كان يجب على حركة “أمل” تحت ذريعة عرفات أن ترتكب ما ارتكبت في مخيمات الشعب الفلسطيني في لبنان.

  • س:  و ماذا كان عليه موقف الجبهة الوطنية الديمقراطية اللبنانية من حرب المخيمات، و كيف تعاطت معها؟

في لقاءاتنا المتكررة مع الجبهة الوطنية الديمقراطية اللبنانية كان ممثلوها يؤكدون رفضهم للحرب، و يؤكدون على ضرورة إيقافها و إيجاد الحلول المناسبة لها، خاصة بين أطراف التحالف الوطني اللبناني – الفلسطيني – السوري. و قد تقدمت الجبهة بعدة مشاريع، اتخذ الرابع منها صيغة اتفاق دمشق، بعد التعديلات التي ادخلت عليه. ونحن نقدر موقف و دور الجبهة مع تقديرنا الخاص لظرفها الخاص الموضوعي و الذاتي.

  • س:  عكست حرب المخيمات أزمة بين أطراف مثلت الصمود، فما هي، بالنسبة إليكم طبيعة هذه الأزمة و ما هو تصوركم للخروج منها؟

لا شك أن التحالف الوطني اللبناني – السوري – الفلسطيني قد اهتز من جراء حرب المخيمات، و برزت التعارضات بين أطرافه إلى السطح. و قد حرصنا، و بكل الوسائل و السبل، للحيلولة دون تحول هذه التعارضات إلى تناقضات ربما تؤدي إلى تدمير مثلت الصمود، لأن في ذلك إفادة أكيدة لمعسكر الأعداء و للحلول الرجعية الاستسلامية. لذلك عملنا على الحفاظ على هذا التحالف رغم بروز أزمة الثقة بين أطرافه و رغم الاهتزاز الذي تعرض له. و بما أننا أصحاب قضية و لنا أهداف وطنية تخدم الخط القومي التقدمي، فإن حرصنا انصب على معالجة الأزمة و محاولة إعادة بناء الجسور و العلاقات بما يؤدي إلى استمرار المواجهة ضد المشاريع الامبريالية و الصهيونية و الرجعية.

  • س:  هناك بعض الأطراف تقول إن إعطاء صلاحيات تمثيل الشعب الفلسطيني في لبنان لجبهة الإنقاذ الفلسطيني وفق اتفاق دمشق، هو امتياز، كيف ترون ذلك؟

سمير غوشة:  لا اعتقد أن هذا الكلام صحيح خاصة في الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الساحة اللبنانية. إذا كنا نريد أن نكون دقيقين فإنه ليس امتيازا، و إنما مسؤولية، و مسؤولية كبيرة، و أعباء جسيمة، نظرا للوضع الذي يحيط بنا في لبنان و ما يشمل جماهيرنا من أوضاع صعبة سواء ما ارتكب في حقها من مجازر بعد عام 1982 حتى الآن، حتى قبل حرب المخيمات في بيروت، شهدنا أيضا الدمار في صيدا، و في مخيمي “عين الحلوة” و “المية مية”.

نحن كجبهة إنقاذ نريد أن نؤكد على حقيقة هامة، و هي أننا نعمل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، و نحن لسنا بديلا عنها. و لقد حرصنا في الاتفاق أن نؤكد أن جبهة الإنقاذ تناضل لاستعادة منظمة التحرير إلى دورها الوطني. و على هذا الأساس نرى أن مسؤوليات كبيرة تقع علينا و نناضل بكل الوسائل لنضطلع بها سواء في الشق السياسي أو في الشق الاجتماعي، أو في الشق النضالي العسكري لمواجهة معسكر الأعداء.

  • س: يمكن الآن أن ننتقل إلى موضوع أزمة الثورة الفلسطينية. ما هي بإيجاز الخطوط العريضة لتصوركم، كجبهة إنقاذ، في معالجة هذه الأزمة؟

 تفجرت أزمة الثورة الفلسطينية بشكل واضح ما بعد الغزو الصهيوني للبنان، إلا أن لها جذورها العميقة، تعود لأسباب سياسية و تنظيمية و إيديولوجية. و في المرحلة التي تلت خروج القوات الفلسطينية من بيروت برز نهجان واضحان: نهج كان يعتبر أن الوضع في الساحة اللبنانية قد انتهى و ليس لنا إلا التعاطي مع المشاريع المطروحة سواء بالبحث عن إيجابيات مشروع ريغان أو في مشروع الكونفدرالية مع الأردن. و هناك نهج آخر يعتبر أن ما تم في لبنان هو معركة خسرناها، و استطاع العدو خلالها أن يحقق بعض الأهداف العسكرية، لكنه لم يتمكن من تحقيق الأهداف السياسية.  و من هنا كانت المواقف تتباين على الأصعدة السياسية و التنظيمية داخل منظمة التحرير الفلسطينية، رغم المحاولات التي جرت للحفاظ على الوضع داخلها بالمجلس الوطني الفلسطيني الشرعي بالجزائر. غير أن الوضع تدهور بعد ذلك، و في الوقت الذي كنا نؤكد فيه على ضرورة التمسك بالبندقية، و على ضرورة مواجهة الغزو الصهيوني، و على ضرورة دعم و مساندة القوى الوطنية اللبنانية من أجل تحرير لبنان، و إسقاط اتفاق   اتفاق  ماي 17، في هذا الوقت، كان نهج الانحراف و الاستسلام بقيادة عرفات يوزع المقاتلين على الدول العربية، و يجري اتصالات مع الامبريالية و مع الرموز الصهيونية.

و يفتش عن الحلول مع الأنظمة العربية الرجعية، و يوقع اتفاق عمان،  و من تم يتابع مسيرة الوفد الأردني – الفلسطيني المشترك، و ليسير في دائرة الحلول الاستسلامية. أمام هذه السياسة نجد أن معظم الفصائل المقاتلة ضد هذا النهج، بدليل أن ما يسمى اتفاق عمان قد قوطع من طرف هذه الفصائل و الشخصيات الوطنية. و هناك أيضا خلاف مركزي حول: كيف يكون النضال الوطني الفلسطيني، و ما هي الخطوط الأساسية على الصعيد السياسي و التنظيمي  و النضالي و قد دفعتنا كل هذه القضايا إلى إنشاء جبهة الإنقاذ الفلسطيني التي أصدرت برنامجها، و هو يؤكد على التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة الالتزام بالميثاق الوطني الفلسطيني و قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية في دوراتها التشريعية، على اعتبار أن دورة عمان لا تمثل الشعب الفلسطيني. لذلك حرصنا على أن نعالج الأمر ليس بتشكيل منظمة بديلة، و إنما نعمل في إطار جبهة الإنقاذ من اجل استعادة منظمة التحرير الفلسطينية لخطها النضالي الوطني، و إسقاط نهج الانحراف و  الاستسلام، و تعزيز النضال الوطني الفلسطيني، و عليه إننا نرفض كافة أشكال التمثيل أو الوصاية آو الإنابة عن الشعب الفلسطيني و أن منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا و شرعيا للشعب الفلسطيني، و كذلك نتابع نضالنا لتحقيق أهدافنا الوطنية بما فيها حقنا في العودة و تقرير المصير، و إقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة على التراب الفلسطيني.

  • س:  في حالة تراجع حركة “فتح” عن اتفاق عمان، هل يمكن لكم اللجوء إلى الحوار معها بغية الحسم في مشكلة الوحدة الوطنية الفلسطينية؟

أولا نحن نعتبر أن حركة “فتح” هي التي يمثلها الموجودون هنا في دمشق، و نعتبر الأخ أبو موسى هو قائد حركة “فتح”، أما الآخرين فإنهم يمثلون نهج الانحراف و الاستسلام. ثانيا، ليس هناك مؤشرات، و بالتالي يصبح السؤال جداليا، لأن المؤشرات تدلل على الاستمرار في التمسك باتفاق عمان، و قد قطع أشواطا في تنفيذه بعد الإعلان عن قيام وفد أردني – فلسطيني مشترك، و الزيارة التي قام بها إلى أوروبا، ثم اللقاء المزمع عقده مع مورفي. كل هذا يؤشر على أن عرفات و زمرته يسيرون في نفس النهج الاستسلامي. و هم أكثر تمسكا باتفاق عمان. لذلك، فمن السابق لأوانه الإجابة عن السؤال المفترض جدليا. إنما عندما تحدث متغيرات و نلمسها، فإنه بذلك، سيكون لنا موقف نحدده بشكل واضح.

  • س:  نختتم هذا الحوار بسؤال عن القمة العربية. من وجهة نظركم كيف ترون الجهود المبذولة من أجل انعقادها؟

 نحن لنا موقف منذ سنوات من القمم العربية و من التضامن العربي. نحن مع التضامن العربي و مع أية قمة عربية  على قاعدة وحدة الهدف و ليس الصف. بمعنى أن موقفنا من أية قمة غربية و من التضامن العربي يتحدد بماهية الأهداف، و من أجل ماذا؟ إذا هذا التضامن أو القمة من أجل مواجهة المشاريع و الهجمة الإمبريالية الصهيونية و وضع الخطط التي تتصدى لها، فنحن سنكون معها. أما إذا كان الهدف من عقد القمة العربية التغطية على مشاريع الاستسلام و اتفاق عمان  و تفويض الملك حسين للتفاوض مع العدو الصهيوني و إعادة نظام كامب ديفيد في مصر إلى الصف العربي، فإننا ضد هذه القمة و ضد أي موقف يصدر عنها. نحن لنا وطن محتل، نريد التضامن العربي و القمم العربية لكي تضع خطط المواجهة و ليس تغطية خطط الاستسلام.