صحافة البحث

محطة نور للطاقة الشمسية: من بريق الأمل إلى السواد

- الإعلانات -

تحقيق: أمين بلغازي ومحمد سموني

قبل 10 سنوات، قَبِل حسن أبو السعيد فلاح ستيني تفويت جزء من أرض الجْماعة (أرض مملوكة لجماعة سلالية) لبناء محطة “نور” لتوليد الطاقة الشمسية على مضض. يروي أبو السعيد “لم أوافق على بيع الأرض بثمن زهيد (1 درهم للمتر المربع) لكن باقي النواب وافقوا بعد كثرة الوعود بالخير القادم بعد تشييد محطة نور للطاقة الشمسية”. اليوم وبعدما شيّدت المحطات واشتغل المشروع، اختفى بريق الأمل وحل محله السواد، فلا وعود بتشغيل أبناء المنطقة قد تحققت ولا أرض أبو السعيد صمدت أمام الجفاف وقلة مياه السد المجاور لها.

توجد محطة نور ورزازات لإنتاج الطاقة الشمسية على بعد 10 كلم جنوبا من مدينة ورزازات على أرض قاحلة. المشروع الذي رافقته منذ 2010 سنة بداية إنشائه الكثير من الدعاية الإعلامية في المغرب والخارج بربط مشروع ملكي للطاقة المتجددة بتوجه المملكة لتأسيس صناعة صديقة للبيئة!

في يوليوز الماضي، أثناء زيارتنا لمدينة ورزازات بعد خروج المغرب من الحجر الصحي، وجدنا مدينة ورزازات الملقّبة بهوليود المغرب والمعروفة باستقبالها للسياح المولعين بالبيئة الصحراوية، خالية عن عروشها. لا حياة في المدينة تقريبا، الترقب هو سيد الموقف. المعاناة الاجتماعية والاقتصادية مرسومة على وجوه ساكنة منطقة كانت تنتظر من مشروع نور للطاقة الشمسية أن يفتح باب الشغل أمامها، وبالأخص سكان الجماعة القروية (غسات) التي انتزعت أرضهاالجماعية بدرهم واحد للمتر2 من أجل إنشاء محطات نور ورزازات.

أرض السواد

تحولت أرض حسن أبو السعيد، أحد نواب الجماعة السلالية أيت أكرور المالكة للأرض التي أُسّست نور بجوارها، إلى أرض قاحلة. فحتى النخل الذي يُقاوم المناخ الصحراوي مات. يوضح أبو السعيد: “سقط أغلب نخل المنطقة بفضل مشروع قامتبه شركة أكوا باور “ACWA Power” (الشركة السعودية المسيرة لمحطات نور ورزازات)، فقد قامت الشركة بتخصيص مبالغ مهمة على شكل مشاريع من بينها مشروع من أجل تنقية النخل المتواجد بالأراضي المحيطة بالمحطة، وكما ترون فأغلبالنخل سقط بعد عملية تعريته التي قامت بها الشركة”.

صورة خاصة

أيضا أغلب فلاحي المنطقة، الذين كانوا يعيشون إما بزراعة اللوز أو بعض الفلاحات الصغيرة في الأراضي التي يحوزونها، يعانون اليوم من ندرة المياه بسبب فراغ سد المنصور الذهبي، الذي أصبح يهدد بسبب الجفاف وقلة المياه الحرث ومعه الإنسان بالمنطقة.

غير بعيد عن أرض أبو السعيد قابلنا فلاحا سبعينيا يعيل حفيديه الذين تركهما ابنه المتوفى أسابيع فقط بعد اندلاع جائحة كورونا بالمغرب. يُعاني الشيخ الفلاح من قلة الماء وندرة قوته اليومي الذي يعتمد على فلاحة معيشية صغيرةليجد نفسه محاصرا بين سد فارغ (المنصور الذهبي)، ومحطة توليد الطاقة (نور) وكولف ملكي إسودّ عُشبه بسبب غياب المياه بدوره. يؤكد الفلاح السبعيني أن “معاناته مع قلة المياه، حتى الصالحة للشرب أصبحت يومية، فزيادة على جفاف الأرض وتشققها، حتى الماء الشروب ينتظر تزويده بها من جمعية خاصة بتوزيع خزانات المياه des citernes d’eau التي تزوّده بواحدة كل يوم جمعة.

صورة خاصة

نضال بلا مجد

لم يتوقع أبناء الجماعة السلالية أيت كرور أن يجدوا أنفسهم أمام مركب نور ورزازات الذي بني على أرض أجدادهم، يخوضون إضرابات عن الطعام وأشكال احتجاجية أخرى للمطالبة بالتشغيل، في المحطة التي فوتت أرضها باعتماد ضخ أمل إنهاء البطالة التي يعاني منها شباب الجماعة القروية غسات وذلك بوعد من السلطات المحلية في ذلك الوقت.، يتذكر سعيد بوكير أحد أبناء سلالة أيت كرور والمستشار الجماعي في المعارضة داخل الجماعة القروية غسات، وعود السلطات العمومية آنذاك “بتخصيص نسبة 50 بالمئة من مناصب الشغل داخل محطات نور ورزازات لأبناء المنطقة”، مضيفا “أن العامل الذي كان في وقت التفاوض من أجل نزع أرض الجماعة السلالية كان يخبر السكان أن المشروع الذي سيبنى على أرضهم هو مشروع الملك، وأنه سيجلب الخير للمنطقة بما فيه مناصب الشغل وكذلك تكوين شباب المنطقة على بعض المهن المطلوبة في هذا المشروع”.

كل وعود السلطة المحلية بخصوص تشغيل شباب المنطقة تبخرت. لم يتم التوظيف وهو ما دفع بشباب المنطقة إلى اختيار سبيل الاحتجاج، لينتهي بهم المطاف إلى متابعات قضائية من قبل الشركة المسيرة لنور ورزازات والنيابة العامة. يوضح أبو السعيد نائب سلالي لأيت أكرور “لم يعد هناك من نتحدث معه لا بالنسبة للتشغيل أو غيره. فأنا طلبت من الشركة المسيرة لنور ورزازات فترة تدريبية فقط لابنتي التي تخرجت كمهندسة من مدرسة المهندسين بمدينة الدار البيضاء ولا جواب منهم عن طلب التدريب فقط فما بالك بالتشغيل”. 

كل وعود السلطة المحلية بخصوص تشغيل شباب المنطقة تبخرت. لم يتم التوظيف وهو ما دفع بشباب المنطقة إلى اختيار سبيل الاحتجاج، لينتهي بهم المطاف إلى متابعات قضائية من قبل الشركة المسيرة لنور ورزازات والنيابة العامة. يوضح أبو السعيد نائب سلالي لأيت أكرور “لم يعد هناك من نتحدث معه لا بالنسبة للتشغيل أو غيره. فأنا طلبت من الشركة المسيرة لنور ورزازات فترة تدريبية غير مدفوعة الأجر لابنتي التي تخرجت كمهندسة من مدرسة المهندسين بمدينة الدار البيضاءولا جواب منهم عن طلب التدريب فقط فما بالك بالتشغيل”.

انتزاع قانوني أم افتراس عقاري؟

عملية انتزاع الأراضي السلالية لفائدة مشاريع الدولة، أو حتى الخواص، أصبحت ممارسة عادية في المغرب. وذلك بفضل المنظومة القانونية التي تجعل من وزارة الداخلية هي صاحبة الوصاية على هذه النوعية من الأراضي الجماعية (قانون رقم 62.17). وحتى قبل صدور هذا القانون في غشت / أوت سنة 2019 كانت مسألة انتزاع الأراضي تمر بكل سلاسة كلما تعلق الأمر بأرض جماعية، وهو ما حدث مع الأراضي التي انتزعت لفائدة المكتب الوطني للماء والكهرباء، بدرهم واحد للمتر2، ليتم التفويت فيها بعد ذلك إلى الوكالة المغربية  نور ورزازات سنة 2010 التي هي عبارة عن شركة عمومية (مجهولة الإسم)، حسب ما جاء في السجل التجاري بمحكمة مدينة الرباط تحت عدد 79835 برأسمال 2 مليار و250 مليون درهم “تمتلك الدولة أغلبية رأسمال الشركة بشكل مباشر أو غير مباشر”، حسب المادة 1 من قانون رقم 57.09 الذي أحدثت بموجبه الشركة المسماة “الوكالة المغربية للطاقة الشمسية”.

يوضح حسن أبو السعيد أن “عملية انتزاع الأرض تمت في البداية بدون استشارة كل النواب السلاليين،  حتى تم صدور قرار النزع وتم استدعاءنا كنواب من أجل الإمضاء على محضر يقضي بتفويت مجلس الوصاية التابع لوزارة الداخلية لنكتشف وجود وثيقة بمثابة تصريح وقع عليها نائبين من نواب الأراضي السلالية فقط (NO20101). مضيفا “رفضت شخصيا التوقيع على محضر تفويت الأرض (NO20102) لكن نواب آخرين قاموا بالتوقيع على التفويت في 2500 هكتار لفائدة المكتب الوطني للكهرباء، دون استشارة سكان جماعة اكرور”، بدرهم واحد للمتر2 (N020103). 

في نفس اليوم الذي تم فيه التفويت في 2500 هكتار بعقد موثق، من الجماعة السلالية أيت گرور إلى المكتب الوطني للكهرباء (NO20103) قام المكتب بالتفويت في هذه الأرض إلى الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (N020105). أربعة أيام بعد ذلك قام محمد بوسعيد وزير المالية السابق بصفته واليا عن جهة سوس ماسة درعة آنذاك بتوقيع شهادة لصالح الوكالة تقر بعدم تخصيص العقار للنشاط الفلاحي (NO20104)، وهي المسطرة التي مرت بسرعة قياسية فحتى المجالس الجهوية للاستثمار تحدد مسطرة الحصول على هذه الشهادة في 33 يوما.

انتزاع الأرض والماء

لم تتوقف عملية انتزاع الأرض عند التفويت في 2500 هكتار، التي أسس عليها مشروع نور ورزازات. فبعد ثلاث سنوات انتزعت أراضي إضافية تقدر بـ49 هكتارا، وذلك من أجل إقامة محطة لضخ المياه من سد المنصور الذهبي للتبريد وغسل لوحات الطاقة الشمسية. حيث قام أيضا أحد نواب الجماعة السلالية أهل ورززات فخدة أزلاكن بتقديم تصريح (N020131) يقر فيه بموافقة الجماعة السلالية على التفويت في قطعة أرض مُحاذية لسد المنصور الذهبي تفوق مساحتها 34 هكتار لفائدة المكتب الوطني للماء والكهرباء – قطاع الكهرباء، بصفته وسيطا عقاريا بين الجماعة السلالية ووكالة (مازن Masen ) للطاقة الشمسية. وكذلك صرح نواب من الجماعة السلالية أيت كرور بموافقتهم على التفويت في قطعة أرض أخرى بالقرب من محطة نور ورزازات تفوق مساحتها 15 هكتارا وذلك بغرض تمرير قناة للمياه من سد المنصور الذهبي (N020132). لكن هذه المرة قامت وزارة الداخلية قبل التوقيع على قرار تفويت هذه الأراضي من طرف مجلس الوصاية بخلق لجنة تقييم للعقارات المعنية وحددت ثمن تفويت هذه العقارات في ثلاثة (3) دراهم للمتر2 للقطعتين معا (N020133). 

سد منصور الذهبي جاف من المياه – صورة خاصة

هذه الأراضي التي شيدت عليها محطة لضخ ونقل المياه من سد المنصور الذهبي إلى داخل محطة نور ورزازات أثارت الكثير من الأسئلة، حول حجم المياه التي يتم استعمالها من قبل محطة نور ورزازات خصوصا أنه في ذات السنة كانت ساكنة مدينة ورزازات تعاني من مشكل صلاحية ماء الشرب الذي أصبح له مذاق غريب. وهو ما دفع عددا من المواطنين إلى التزود بمياه بعض العيون. إلى أواخر شهر يوليوز الماضي الذي تم فيه ربط المدينة بمياه سد تيوين بعد أن جفت مياه سد المنصور الذهبي بفضل إمساك السماء عن المطر (الجفاف) وكذلك استعمال الماء المكثف من قبل المحطة، التي سبق أن صرح مصطفى سلام مدير موقع المحطة في لقاءات صحافية سابقة أن نسبة استغلال مياه السد لن تتجاوز 1 بالمئة من طاقته الاستيعابية. لكن واقع الحال الذي عايناه في عين المكان، هو أن السد أصبح فارغا بالكامل من المياه وزرقة المياه التي كانت تظهر إلى حدود سنة 2013 تحولت إلى سواد وشقوق في التربة بعد جفاف ينذر بنهاية مياه السد، وهو ما أثر بشكل مباشر على الفلاحة في أحواز جماعة غسات التي منحت الأرض ومياه السد لمشروع الطاقة الشمسية لكنها حصدت منه سراب التغيير الاجتماعي والاقتصادي الموعود مع بداية الإعلان عن المشروع، حسب ما صرح لنا به كل من الحسين أبو السعيد النائب السلالي وسعيد بوكير المستشار الجماعي وكذلك حسب ما رأيناه من معاناة للشيخ فلاح سبعيني مع أرضه التي انقطعت عنها المياه. 

إفلاس عمومي؟

على الرغم من الوعود والآمال التي علقت على مشروع الطاقة المتجددة الذي اتخذه المغرب كخيار استراتيجي في تواصله الرسمي، إلا أن المؤسسات العمومية المشتغلة بالطاقة عموما (المكتب الوطني للماء والكهرباء والوكالة المغربية للطاقة الشمسية) تعاني من عجز مالي. بحيث وصل العجز السنوي لوكالة (مازن Masen) حسب تقرير رسمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، صدر في في يوليوز 2020، إلى حوالي 800 مليون درهم سجلتها محطات نور 1و2و3. ويرجع هذا العجز حسب ذات التقرير إلى الفجوة الموجودة بين أسعار الشراء بمؤشر أسعار المنتجين وأسعار البيع للمكتب الوطني للكھرباء والماء الصالح للشرب. حيث يبلغ سعر تكلفة إنتاج الكيلوواط/ ساعة، 1.62 درھم بالنسبة لنور 1 و1.38 درھم لنور 2 و1.42 درھم لنور 3، في حین یعاد بیع الكيلو واط ساعة للمكتب الوطني للكھرباء والماء الصالح للشرب بسعر 0.85 درھم. ويأتي ارتفاع تكلفة الإنتاج وأيضا العجز الذي تحققه وكالة (مازن) إلى “اعتماد تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة المعتمدة من طرف محطات الطاقة الشمسیة  نور 1 و2 و3 بورزازات”. 

إنتاج الطاقة “النظيفة” يأتي كأولوية عالمية من أجل الحفاظ على البيئة والمناخ. لكن دون أن تأتي هذه “المشاريع النبيلة” على  الحقوق الأصلية للسكان من “انتزاع الأراضي”، وضرب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وكذلك المساهمة في جفاف السد الذي كان يروي عطش السكان ويسقي فلاحات صغيرة كانت تجد فيها مئات الأسر قوتها اليومي. 

بالإضافة إلى ذلك يوضح نائب سلالة أگرور التي نزعت محطة الطاقة الشمسية أغلب أراضي المشروع منها: “لم نستفد إلى حدود الآن من الأموال التي تم تعويض الأرض بها من قبل شركة “مازن”، وبقيت بمديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية (التي يمنحها القانون الوصاية على الأراضي السلالية)، التي قررت أن تمول بها مشاريع اجتماعية للسكان عبر منح سيارات للنقل المدرسي وتمويل بعض الزراعات الصغيرة أو منح بعض مشاتل النخل لآخرين”. وهي المشاريع التي من المفروض أن تمول من برامج أخرى متواجدة كالمخطط الأخضر أو المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو تدخل في اختصاص الجماعات الترابية التي من المفترض أن توفرها من ميزانيتها.   

ملاحظة: حاولنا طيلة مراحل إعداد هذا التحقيق التواصل مع مسؤولين في كل من الوكالة المغربية للطافة الشمسية وكذلك المكتب الوطني للماء والكهرباء لنحفظ لهم حق الرد، لكن للأسف باءت كل محاولاتنا بالفشل.

أنجز هذا التحقيق بدعم من مؤسسة