ذاكرة إعلامية.. ياسر عبد ربه يشرح الأوهام الإستراتيجية لحرب المخيمات الفسلطينية
- الإعلانات -
ذاكرة إعلامية هي نافذة يطل من خلالها قراء موقع “µ” على أعمال صحفية ذات قيمة فكرية، أدبية، فنية و سياسية سبق للصحفي المصطفى روض أن أنجزها و نشرها في مجلتي الحرية و الفكر الديمقراطي الفلسطينيتين و منابر أخرى بالمشرق وصحيفة أنوال بالمغرب. و ستكون البداية مع الحوارات في محور السينما ستتلوه محاور الشعر، المسرح، النقد الأدبي والسياسة و الفكر.
عندما اندلعت حرب المخيمات الفلسطينية في لبنان أواسط الثمانينات بأمر من النظام السوري و بتنفيذ من حركة أمل التي خلفت العديد من القتلى في صفوف الجماهير الفلسطينية و اعتقال المئات من نشطاء الثورة الفلسطينية، استثمرنا وجودنا بدمشق لإجراء حوار مع ياسر عبد ربه الذي كان يشغل منصب الأمين العام المساعد للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من أجل أن يطلع القارئ المغربي على وجهات النظر الأساسية في الساحة الفلسطينية و على التوضيحات الهامة الخاصة ببعض القضايا التي لا تسمح المتابعة اليومية للأحداث بتوضيحها. و إذا لاحظ القارئ أن محور هذه المقابلة هي حرب المخيمات، فهي انطلاقا منها باعتبارها أحد المنعطفات الرئيسية لقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي، إذ يمكن النظر إلى مختلف الاستراتيجيات المحلية و الإقليمية و القومية و بالتالي تحديد مواطن التقاطع و التباين في سياسات القوى الفاعلة الفلسطينية و اللبنانية و السورية و العربية.
- س: لا شك أن وراء أحداث المخيمات أهداف محددة. فمنذ بدايتها إلى يومنا هذا، و نحن نسمع تصريحات مفادها أن عرفات هو الذي خطط لها. هل هناك مصداقية لمثل هذا الكلام، و ما هي وجهة نظركم كجبهة ديمقراطية الأسباب الكامنة وراء هذه الأحداث؟
ياسر عبد ربه: نحن أطلقنا على حرب المخيمات اسم حرب الأوهام الإستراتيجية الكبرى. و نعني بذلك أن الأطراف التي شنت العدوان على المخيمات كانت تعتقد أن أزمة الشرق الأوسط و الوصول إلى حل لبناني داخلي ترضى به الكتائب و الأطراف الأخرى المعادية و خاصة الولايات المتحدة، و على أن الانسحاب الإسرائيلي هو انسحاب كامل و نهائي من لبنان، و على أن الوجود الفلسطيني هو الذي بقي يشكل العقبة
الأساسية في وجه مثل هذا الحل. و لقد حذرنا في الماضي من مثل هذه الأوهام، بمعنى آخر نحن لا زلنا نعتقد – و الوقائع تؤكد ذلك – أن العقبة الرئيسية ليست الوجود الفلسطيني، بل الدور الأميركي و استمرار الاحتلال الإسرائيلي و موقف و سياسية حزب الكتائب الرامية إلى إعادة هيمنتها على لبنان بأكمله، و يبدو أن قيادة حركة “أمل”
كانت تعتقد أن الوضع جاهز للوصول إلى تسوية داخلية لبنانية تتمكن فيها حركة “أمل” من اقتسام الكعكة مع حزب الكتائب. و كانت هنالك مثل هذه الأوهام لدى القيادة السورية.
و لهذا تم شن لحرب على المخيمات الفلسطينية لتحطيم الدور الفلسطيني العسكري و السياسي في لبنان و لإزالة هذه العقبة التي يعتقدون أنها بقيت وحدها تعطل السيطرة على لبنان، و التسوية بين طرفين هما الكتائب من جهة و حركة “أمل” من جهة أخرى. إن حركة “أمل” كانت أيضا تحاول فرض نفسها كممثل للأطراف الإسلامية و الوطنية في لبنان، كما هي الكتائب ممثلة للجانب الماروني و المسيحي. و كما تمكنت الكتائب من أن تفرض سيطرتها بوسائل فاشية، كذلك، فإن حركة “أمل” لها ذات الأساليب في المناطق الإسلامية، و آخرها هذه الحرب المجرمة ضد المخيمات بكل ما تخللها من مجازر و فظائع ارتكبت في حق الفلسطينيين لأنهم فلسطينيون.
بطبيعة الحال، فمحاولات تحميل ياسر عرفات مسؤولية هذه الحرب يخالف الحقيقة تماما. هنالك بالتأكيد وجود لحركة “فتح” بين الفلسطينيين و كانت تتعرض للملاحقة و الاضطهاد منذ سنتين على الأقل. و من جانب آخر فإن القوى الوطنية الفلسطينية الأساسية بما فيها جبهتنا الديمقراطية كانت تعمل لفرض الهدوء و منع وقوع اقتتال فلسطيني – فلسطيني، كما جرى في طرابلس، و نجحت في ذلك. و نستطيع أن نقول إنه بعد الانسحاب الإسرائيلي الأول و الثاني من الجنوب، كانت العديد من الأوساط تراهن على الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني، لكننا – من خلال عمل القواعد مع مختلف القوى بما في ذلك مع حركة “فتح” في المخيمات – من تحقيق نوع من الوفاق الوطني الذي يحصر الصراع و الخلاف بالوسائل السياسية و منع تطوره إلى وسائل أخرى و خاصة الوسائل المسلحة. و لهذا فإن رهان عدة أطراف عربية و لبنانية على الاقتتال الفلسطيني قد فشل تماما. و من هنا لجأوا إلى شن حرب العدوان بعد أن سقط مخططهم الرامي إلى ضرب الفلسطينيين بالفلسطينيين.
إذن، المسألة ليست استفزازا من ياسر عرفات، بل عدوان مدبر، له أهدافه اللبنانية، و له أيضا أهدافه الإقليمية الكبرى بالنسبة للمنطقة ككل. و من هنا، فإن هذه الأكذوبة – أكذوبة مؤامرة عرفات – لم تجد من يصدقها في صفوف الفلسطينيين داخل المخيمات و لذلك، توحدوا جميعا للدفاع عن المخيمات و عن وجودهم و لحماية سلاحهم الذي يشكل الضمانة الرئيسية للبقاء، حتى البقاء الإنساني.
- س: مطلب إزاحة الوجود الفلسطيني من لبنان معروف على أنه كان مطلبا إسرائيليا و أميركيا، هل يمكن اعتبار ما جرى من أحداث في المخيمات يجيب بشكل دقيق على أن هذا المطلب قد أصبح لبنانيا؟
ياسر عبد ربه: هذا غير صحيح على الإطلاق، هناك اتفاق سري تم بين حركة “أمل” و الإسرائيليين في الجنوب اللبناني بوساطة القوات الفرنسية الموجودة في الجنوب كي تضمن حركة “أمل” الأمن في الجنوب بمنع قيام أي عمليات ضد إسرائيل، و أيضا هذا الاتفاق مرتبط بالنضج السياسي لحركة “أمل” و للأخوة السوريين في لبنان كذلك، و بسبب أن حركة “أمل” أرادت فرض سيطرتها بأساليب فاشية، فقد نهضت العديد من القوى ضد عدوان حركة “أمل” على المخيمات الفلسطينية في بيروت الغربية الوطنية التي قاتلت الاحتلال الإسرائيلي، و كانت بذلك أول عاصمة عربية تطرد الاحتلال الإسرائيلي بقوة السلاح. بيروت الغربية وقفت بأكملها إلى جانب الفلسطينيين ضد عدوان حركة “أمل” و الجيش اللبناني، و أخد الوطنيون اللبنانيون في بيروت الغربية بشن هجمات متواصلة ضد “أمل” و الجيش اللبناني خلف خطوطهم لتعطيل قواهم.
كما أن المدن الوطنية الأخرى – صيدا – طرابلس – أعلنت أكثر من مرة الإضراب العام احتجاجا على استمرار حرب المخيمات، و أكثر من ذلك، فإن عائلات شيعية كبيرة رفضت أن ترسل أبناءها للقتال مع “أمل” ضد الفلسطينيين، و هنالك رجال دين محترمون و لهم وزن كبير بين الشيعة في لبنان، أيضا، استنكروا هذه الحرب و اعتبروها ظالمة. و لهذا السبب نقول إن معظم القوى الوطنية اللبنانية وقفت بحزم ضد العدوان المدبر و الموحى به أمريكيا و إسرائيليا. و نذكر بهذا الصدد الموقف الشجاع و النبيل للحزب التقدمي الاشتراكي و رئيسه وليد جنبلاط الذي رفض منذ اليوم الأول الدخول في المعركة لصالح حركة “أمل” و تحدى كل الضغوط التي مورست عليه من أجل أن يغير موقفه، و على العكس فقد احتضن المهجرين الفلسطينيين من المخيمات، و منع قوات حركة “أمل” الفاشية من الاعتداء عليهم. كما كان حريصا على أن يميز موقفه عن موقف حركة “أمل”، و لذلك كان يعمل بكل جهد من أجل الوصول إلى حل سياسي يحافظ على الوجود الفلسطيني السياسي و العسكري. و رغم أن بعض القوى أخذت موقفا متلونا، و خاصة بعض أحزاب الجبهة الوطنية الديمقراطية اللبنانية، و حاولت أن تبرر في اليوم الأول عدوان “أمل” و أيدته بشكل سافر تقريبا بفعل حسابات براغماتية خاطئة جدا، فقد كانت هذه القوى تعتقد أن حركة “أمل” سوف تنتصر في هذه الحرب خلال بضعة أيام أو بضع ساعات، و لهذا فقد اختارت هذه القوى الجانب المنتصر، حتى لو كان نتيجة ذلك انتصار النزعة الفاشية عند حركة “أمل” و انتصار هذه النزعة سوف يهدد هذه الأحزاب نفسها في المرحلة اللاحقة. لكن الحسابات القصيرة النظر كانت دائما تتحكم في سياسة و موقف هذه الأحزاب. بعض قادة هذه الأحزاب و للأسف الذين نلتقي معهم على أساس إيديولوجي واحد خرجوا في اليوم الأول ليقولوا بأن المخيمات أوكار للتخريب العرفاتي، و تبنوا مقولة المؤامرة العرفاتية، و كانت جرائدهم الأكثر دفاعا عن عدوان “أمل” على المخيمات، و في النتيجة فقدوا احترام الشارع الوطني اللبناني، كما فقدوا – و أظن إلى الأبد – ثقة الجماهير و القوى الوطنية الفلسطينية الحقيقية و المستقلة.
- س: هذا الكلام ينطبق في نظركم على الحزب الشيوعي اللبناني؟
ياسر عبد ربه: نعم، على بعض قادة الحزب الشيوعي اللبناني.
- س: و كيف كان موقف منظمة العمل الشيوعي اللبنانية من أحداث المخيمات؟
ياسر عبد ربه: منظمة العمل الشيوعي أدانت العدوان، و طالبت بوقفه فورا، و باللجوء إلى الأساليب السياسية في حل الخلافات، و كانت بذلك، تلتقي تماما مع موقف وليد جنبلاط.
- س: بالنسبة للمفاوضات التي كانت تجرى في دمشق برعاية سورية لإنهاء حرب المخيمات، كانت تشارك فيها كل من حركة “أمل” و الجبهة الوطنية الديمقراطية و جبهة الإنقاذ الفلسطيني فيما لم تكن أية مشاركة تذكر للتحالف الديمقراطي في هذه المفاوضات. بماذا تعللون ذلك؟
ياسر عبد ربه: لدينا تفسير بسيط و واضح جدا، في اليوم الأول من العدوان كان أحد المطالب الرئيسية لحركة “أمل” بوقف عدوانها هو تجريد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين و حركة “فتح” من السلاح في المخيمات، بمعنى آخر كانوا يحاولون تحييد جبهة الإنقاذ و تركيز النار على الجبهة الديمقراطية و حركة “فتح” باعتبار أن هذين التنظيمين يمثلان القوى الرئيسية داخل المخيمات الفلسطينية. و قد حاولوا عزل التحالف الديمقراطي عن كل النشاط السياسي الذي تم. و الهدف من وراء ذلك، أيضا، إحداث انشقاق فلسطيني و ضرب الفلسطينيين بالفلسطينيين. لكننا انتهجنا سياسة حكيمة لتفويت الفرصة على هذه المناورة، و عملنا بكل طاقاتنا، أولا، من أجل المحافظة على الموقف الفلسطيني كضمانة ضد أية ألاعيب سياسية تجرى في الأعلى (ألاعيب فوقية)، ثانيا، نحن و انطلاقا من دورنا الكبير في الميدان و على الأرض في الدفاع عن المخيمات، طرحنا منذ اليوم الأول حلا سياسيا واقعيا و عملنا من أجل توحيد العديد من القوى حول هذا الحل السياسي الواقعي للصراع بما في ذلك، مع بعض القوى داخل جبهة الإنقاذ الفلسطيني نفسها. و هذا الحل ينطلق من ضرورة وقف العدوان و ضمان الأمن الذاتي للمخيمات و احتفاظ الفلسطينيين بسلاحهم مادام الوضع في لبنان ليس مقبلا على وفاق وطني تتم فيه إمكانية تجريد كل المناطق اللبنانية من السلاح. فلماذا يريدون تجريد الفلسطينيين وحدهم من السلاح في ظل بقاء البنادق في لبنان بأكمله؟ و على هذه القاعدة أبدينا الاستعداد و التنسيق مع مختلف القوى و في كل منطقة من المناطق من أجل العمل المشترك في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية الديمقراطية اللبنانية في مواجهة العدوان الرئيسي: الكتائب و حلفاؤها الأمريكيين و الإسرائيليين.
- س: عرفنا أن اتفاق دمشق أعطى صلاحية تمثيل الشعب الفلسطيني في لبنان لجبهة الإنقاذ الفلسطيني. ما هو تفسيركم لهذا الإجراء؟
ياسر عبد ربه: هذه مزحة ثقيلة. تعيين جبهة الإنقاذ كممثل للفلسطينيين في لبنان قوبلت بالسخرية من قبل الجماهير الفلسطينية في المخيمات بلبنان، لأنها تعرف ما هو الوزن الفعلي لمختلف القوى الوطنية الفلسطينية التي دافعت عن المخيمات و قاتلت من أجل حمايتها. إن هذا البند الذي أقره اتفاق دمشق يسير وفق نفس المخطط و السياسة التي جرى العدوان على المخيمات من أجل تحقيق أهدافها، أي شق الفلسطينيين و ضرب بعضهم ببعض. إن الهدف هو إغراء جبهة الإنقاذ الفلسطيني لكي تصطدم مع القوى الوطنية الفلسطينية الأخرى. و نعرف جيدا أن مثل هذا القرار الفوقي لا يمكن أن يفرض جبهة الإنقاذ كقيادة سياسية في لبنان، فقيادة الشعب الفلسطيني لا يتم انتزاعها بأساليب إدارية و بيروقراطية و بأوامر تصدر من قبل هذا البلد العربي أو ذاك. و لكن هذا القرار يشكل خطرا كبيرا، خطر أن تدفع بعض الأطراف الفلسطينية مرة أخرى نحو أساليب متهورة و مغامرة ضد القوى الوطنية اللبنانية المستقلة المتواجدة في المخيمات الفلسطينية، و وراء ذلك أصابع عربية عديدة من جانب، و من جانب آخر فإن هذا القرار بحد ذاته ذو خطر على وحدة الشعب الفلسطيني نفسه. ماذا – مثلا – لو قام الملك حسين و عين بعض الأشخاص كممثلين للشعب الفلسطيني في الأردن أو حدث نفس الشيء من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في تجمع فلسطيني آخر، و نحن شعب مشتت في بلدان عديدة، و هناك أوساط و قوى طبقية فلسطينية في كل بلد تتأثر إلى حد كبير بضغوط السلطة الحاكمة في البلد ذاته، أقصد أوساط و قوى طبقية بورجوازية فلسطينية. و من هنا فإن ذلك يشكل خطوة انقسامية كبيرة نحو شق وحدة الشعب الفلسطيني نفسه. و لا يملك أي طرف أن يدعي تمثيل الشعب الفلسطيني في هذا البلد، و يدعي طرف آخر تمثيله في بلد آخر. و على أية حال نحن لا ننظر إلى الشعب الفلسطيني على أنه تجمعات و لكن باعتباره يشكل طبقات اجتماعية. إن القوى الديمقراطية و التقدمية هي التي تمثل جماهير الكادحين الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم سواء في الأرض المحتلة أو في لبنان أو في مختلف البلدان العربية الأخرى.
- س: لاحطنا أن البند الأول في اتفاق دمشق تم تطبيقه، و إلى حد ما استثبت حالة الأمن في المخيمات. ماذا كان تقييمكم للاتفاق و هل تعتبرونه جولة مؤقتة أو هدنة مؤقتة قد تتبعها أحداث و مشاكل فيما بعد؟
ياسر عبد ربه: نحن أيدنا الاتفاق على وقف إطلاق النار و على إعادة الأوضاع إلى حالتها الطبيعية. بمعنى ان كل البنود التي تضمنها الاتفاق و التي تسهل وقف العدوان الذي جرى على شعبنا الفلسطيني، نحن أيدناها. لأن ذلك بالضبط، كان مطلبنا منذ اليوم الأول للعدوان، و كان مطلب الشعب الفلسطيني نفسه: “أوقفوا هذا العدوان المجرم على الجماهير الفلسطينية الكادحة في مخيمات الصفيح في بيروت الغربية”.
لكن هناك بنود أخرى في الاتفاق يتم من خلالها الإلغاء الضمني لاتفاقية القاهرة المعقودة بين الدولة اللبنانية و منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969 تلك الاتفاقية التي تضمن للفلسطينيين وضعا خاصا و إدارة مخيماتهم بأنفسهم و حقهم في حمل السلاح للنضال من أجل قضيتهم الوطنية من دون المساس بسيادة و استقلال لبنان و وحدة أراضيه.
اتفاق دمشق يحاول شطب هذه العناصر في اتفاقية القاهرة أولا، و ثانيا الاتفاق يحاول تكريس الانشقاق في منظمة التحريرالفلسطينية و تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني في لبنان. المهم بالنسبة لنا ليس نصوص الاتفاق و لكن المهم هو أن نجيب على السؤال التالي: هل أعادت القوى التي قامت بالعدوان على المخيمات النظر في مشروعها السياسي سواء على الصعيد اللبناني أو على صعيد الشرق الأوسط؟ هل أعادت النظر في أهدافها السياسية التي حاولت تحقيقها من وراء العدوان على المخيمات؟ هذه هي المسألة الرئيسية! و نقصد بذلك هل زالت تلك الأوهام التي كانت تعتقد بأنه ممكن الوصول إلى تسوية و تفاهم مع إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية و الكتائب في لبنان في الظرف الراهن و على أن العقبة الرئيسية التي بقيت أمام مثل هذه التسوية هي الوجود الفلسطيني؟ و هل عادت هذه القوى لتدرك بأن الوجود الفلسطيني الوطني و المسلح في لبنان هو حليف في المعركة ضد العدو الرئيسي الذي يعطل عملية إعادة الوحدة إلى لبنان و ضمان استقلاله و ارتباطه العربي. هذه القضية رئيسية، و للأسف، نقول إنه لا توجد معطيات تدل على انه قد تمت إعادة النظر أو مراجعة لمثل هذه الأهداف أو الأفكار السياسية، لا من جانب حركة “أمل” و لا من جانب القوى التي تساندها، سواء على المستوى اللبناني او على المستوى العربي. و لهذا فإن موقفنا يتسم بالحذر الشديد، بمعنى آخر، نحن نعتقد أنه ما لم يتم إدراك طبيعة هذه الأوهام، فيمكن للقوى التي اعتدت على المخيمات في المرة الاولى ان تجدد عدوانها مرة أخرى بغض النظر عن نصوص اتفاق دمشق.
- س: بحسب اتفاق دمشق أطلق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين، فهل هذا انسحب كذلك على معتقلي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين؟
ياسر عبد ربه: في الواقع الجبهة الديمقراطية لديها العديد من المعتقلين في طليعتهم الرفيق صالح زيدان عضو المكتب السياسي المرشح الذي كان يقود معركة الدفاع عن مخيم صبرا، و الذي لم يخل موقعه رغم توافر إمكانية لذلك و ظل يقاتل حتى اللحظة الأخيرة منذ الأيام الأولى للقتال، و بقي على رأس المنظمة و المقاتلين و الجماهير الفلسطينية في المخيم، يقاتل حتى اللحظة الأخيرة التي سقط فيها المخيم. حركة “أمل” الآن لم تطلق سراح أي من المعتقلين، و هناك المئات من المعتقلين الفلسطينيين، هم مواطنون عاديون و شباب اعتقلتهم “أمل” لضرب القوى الشابة المكافحة في صفوف الفلسطينيين. من المؤسف أن وفد من جبهة الإنقاذ الفلسطيني الذي يتعامل مع هذه القضية قد أعطى اهتماما ثانويا لمسألة المعتقلين حتى الآن، و لكننا نقوم بأوسع حملة إعلامية و سياسية – حاليا – من أجل ضمان حرية المعتقلين جميعهم.
- س: بالنسبة لأزمة الثورة الفلسطينية كلنا يعلم أنها أزمة عميقة و ما زالت مستمرة بالرغم من الجهود التي بذلت قبل انعقاد مجلس عمان. و كانت جهود هامة خصوصا لما كان التحالف الديمقراطي يحتوي على أربعة فصائل ضمنها الجبهة الديمقراطية و الجبهة الشعبية. حاليا هناك دعوات لتوحيد فصائل الثورة الفلسطينية أهمها دعوة العقيد معمر ألقذافي. كجبهة ديمقراطية إلى أي حد قد تستجيبون لمثل هذه الدعوة، و ما هي الشروط التي تطرحونها بهذا الصدد؟
ياسر عبد ربه: نحن لا توجد لدينا أية شروط من الناحية السياسية. نحن نقول بالضبط التالي: على جميع القوى الفلسطينية و خاصة القيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تلتزم بالبرنامج الوطني للمنظمة و بقرارات المجالس الوطنية الفلسطينية. و اتفاقية عمان التي تمت بين عرفات و الملك حسين تمثل خروجا على هذا البرنامج لأنها تتضمن إلغاء التمثيل الوحيد للشعب الفلسطيني و تقاسم هذا التمثيل مع الحكم في الأردن كما تتضمن تنازلا عن الهدف الوطني المركزي و هو إقامة دولة فلسطينية وطنية مستقلة لأنه بعد قيام الدولة يقرر الشعب الفلسطيني بطواعية و على أساس الاختيار الحر و الديمقراطي علاقته مع الأردن أو مع دولة عربية أخرى.
كانت هناك خلافات عديدة بيننا و بين حركة “فتح” و قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لكننا كنا نرى أن هذه الخلافات لا تصل إلى حد الخروج عن الهدف الوطني المركزي. و لهذا كنا نغلب جانب التحالف على الجانب الخاص بالخلاف و الصراع، و لهذا، أيضا، عملنا من أجل الوصول إلى اتفاق عدن – الجزائر الذي يشكل حتى الآن القاعدة الصحيحة لاستعادة وحدة منظمة التحرير. و المطلوب من قيادة منظمة التحرير أن تلتزم بقرارات المجالس الوطنية الفلسطينية و باتفاق عدن – الجزائر الذي وقعت عليه، و هو الاتفاق الذي لا يبيح لها على الإطلاق أن تقدم تنازلات عن الهدف الوطني المركزي، أي الاستقلال الفلسطيني الكامل. و من هنا نحن نرى أن مقياس الجدية لدى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية و لدى حركة “فتح” هو اتجاه الوحدة الفلسطينية المتمثل في الاستعداد الفوري لإلغاء اتفاق عمان، ثم نبدأ الحوار الوطني الفلسطيني الشامل. و نحن على استعداد للدخول في هذا فورا حتى و لو لم تشارك القوى الفلسطينية الأخرى، بالطبع بعد إلغاء اتفاق عمان، و نحضر لمجلس وطني فلسطيني جديد لانتخاب قيادة منظمة التحرير تمثل كل القوى و الاتجاهات الفلسطينية في صفوف الشعب الفلسطيني، لأن القيادة التي انتخبت في مجلس عمان تمثل لونا واحدا و اتجاها طبقيا محددا، أي تمثل بالتحديد بعض الفئات العليا من البورجوازية الوطنية و البورجوازية الفلسطينية الكبيرة. و من هنا فإن أية مبادرة تأتي من جانب قيادة “فتح” أو من جانب أي طرف عربي سنرحب بها مادامت تنطلق من الالتزام ببرنامج منظمة التحرير و قرارات المجالس الوطنية و اتفاق عدن – الجزائر. و هذا كله يعني في الظرف الراهن ضرورة إلغاء اتفاق عمان. للأسف هناك في قيادة منظمة التحرير و حركة “فتح” اتجاه قوي، حتى الآن، لازال يصر على التمسك باتفاق عمان و على مواصلة الخطوات المشتركة مع الأردن على أساس هذا الاتفاق، أي تكريس دور الأردن كشريك في التمثيل الفلسطيني، و إلا ما معنى هذه الوفود المشتركة التي تخرج إلى الصين و إلى باريس و إلى لندن.. ؟ ما معنى مواصلة البحث مع الولايات المتحدة لكي تقبل بمجرد الالتقاء مع وفد أردني – فلسطيني مشترك، لا يكون الطرف الفلسطيني فيه ممثلا لمنظمة التحرير بشكل رسمي و صريح؟ ما معنى المبالغة في الحديث عن الكونفدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة؟ و ما معنى تصريحات عرفات التي تقول “نحن لم نعد نتمسك بدولة مستقلة”، و الدليل على ذلك أنه يطرح مشروع اتحاد كونفدرالي أردني – فلسطيني كهدف مباشر. إن غالبية الجماهير الفلسطينية في الأراضي المحتلة و خارجها ترفض هذه الخطة السياسية لقيادة منظمة التحرير، ترفض التنازل عن الاستقلال الوطني و عن تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، و مصالح الجماهير الفلسطينية و الطبقة العاملة و الفلاحين الفلسطينيين و فئات من البورجوازية الصغيرة الفلسطينية، تدفع للتمسك بالاستقلال الفلسطيني دون قيد أو شرط. و نرى أن محاولات التلاعب بالأهداف الوطنية الفلسطينية تمثل خروجا عن القاسم المشترك الوطني. نحن بموقفنا هذا، ندافع عن البرنامج الوطني: برنامج كل الطبقات الوطنية الفلسطينية، برنامج الشعب بأكمله في مواجهة محاولات فئات طبقية محددة في صفوف الشعب الفلسطيني، تحاول أن تفرض خطتها المنسجمة مع مصالحها ضدا على مصلحة غالبية الشعب الساحقة. و نرى بأن هذه الفئات و القوى الطبقية إذا كانت فعلا مخلصة للوحدة الوطنية هي أن تعود لتلتزم بالبرنامج الوطني المشترك الذي يوحدها مع بقية طبقات الشعب الفلسطيني ضد العدو الرئيسي: الاحتلال الصهيوني و من ورائه الامبريالية الأمريكية. و من الناحية السياسية، نحن لا نرى أية آفاق لتسوية سياسية عادلة – الآن – تضمن حقوق شعبنا الأساسية في الاستقلال الوطني في ظل السياسة الأمريكية المتزايدة العدوانية من جهة، و في ظل الوضع العربي المتردي حاليا، و الذي ينقسم إلى محاور مختلفة في ظل استمرار حرب الخليج، في ظل الضعف الذي أصاب منظمة التحرير الفلسطينية و الانقسامات داخل صفوفها. هذه العوامل كلها لا تساعد على الوصول إلى تسوية سياسية عادلة. و كل من يركض وراء الأوهام الأمريكية و وراء خطط تسوية وهمية سوف ينتهي إلى نتيجة واحدة و هي تقديم تنازلات فادحة في الحقوق الفلسطينية الأساسية دون أن يكسب من وراء ذلك أي مكسب لصالح الشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، سوف يؤدى هذا إلى المزيد من الانقسامات في صفوف الشعب الفلسطيني و إلى المزيد من التراجع في دور منظمة التحرير على الصعيد الفلسطيني و العربي و العالمي.
- س: قبل انعقاد مجلس عمان بأيام قليلة اتخذتم قرارا بتجميد القيادة المشتركة ( القيادة المشتركة بين الجبهة الديمقراطية و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، ما هي الحيثيات التي استندتم إليها في اتخاذكم لمثل هذا القرار، هذا من جانب، على اعتبار أن القيادة المشتركة كانت إنجازا هاما في الثورة الفلسطينية، و من جانب آخر، ما هي الإمكانيات المتواجدة لإعادة أحياء القيادة المشتركة بينكم كجبهة ديمقراطية و بين الجبهة الشعبية؟
ياسر عبد ربه: نحن قررنا تجميد القيادة المشتركة قبل انعقاد المجلس الوطني في عمان، لأن رفاقنا في الجبهة الشعبية، اتخذوا سياسة لا تنسجم على الإطلاق مع الاتفاقات التي توصلنا إليها معهم أكثر من مرة، على أساس أن نضع الوحدة الفلسطينية في المقام الأول. و كان في تقديرنا أنه من الممكن لو تم الالتزام الكامل بهذه الاتفاقات، لأمكننا من عقد المجلس الوطني في الجزائر و ليس في عمان أو نؤجل عقده مقابل إحياء المؤسسات القيادية الفلسطينية التي كانت قائمة لكنها مجمدة عن العمل قبل مجلس عمان. و قد عرضنا نحن مثل هذا الاقتراح على قيادة “فتح” و ربما لو كان هناك موقف موحد بيننا و بين الرفاق في الجبهة الشعبية بما اتفقنا عليه لاستطعنا أن نؤجل عقد مجلس عمان و بالتالي منع الكوارث السياسية التي وقعت بعد انعقاده بما فيها اتفاقية عمان الأخيرة. و رغم هذه الاختلافات التي وقعت بيننا و بين الجبهة الشعبية فقد حافظنا على علاقاتنا في إطار التحالف الديمقراطي الفلسطيني. و بعد مجلس عمان كان هناك تحالف مبدئي داخل التحالف الديمقراطي بأن نعود للحوار مع حركة “فتح” من جديد على أساس اتفاقية عدن – الجزائر و من أجل التحضير لمجلس وطني آخر بديل عن مجلس عمان الانشقاقي. لكن الرفاق في الجبهة الشعبية رفضوا أي حوار مع حركة “فتح” و بدأوا التحضير للخروج من التحالف الديمقراطي و تشكيل ما يسمى جبهة الإنقاذ الفلسطيني. و هذه السياسة برأيي كانت تمثل خروجا عن الأسس التي قام عليها التحالف الديمقراطي، و في مقدمتها رفض إقامة أية محاور انقسامية فلسطينية و أن يواصل التحالف الديمقراطي دوره كعامل توحيدي داخل الحركة الوطنية الفلسطينية انطلاقا من الالتزام ببرنامج منظمة التحرير و خطها الوطني ضد كلا الاتجاهين: اليمين الاستسلامي و المغامر القومي الانقسامي.
وأستطيع أن أقول إنه رغم انضمام الجبهة الشعبية لجبهة الإنقاذ الفلسطيني، إلا أننا عملنا على المحافظة على التحالف الديمقراطي من خلال التعاون المشترك بين الجبهة الديمقراطية و الحزب الشيوعي الفلسطيني من جهة، و على نفس الأسس التي قام عليها التحالف الديمقراطي منذ أزيد من عام و نصف، و من جهة أخرى، نحن نواصل الحوار المفتوح و الأخوي مع قيادة الجبهة الشعبية. و نعتقد أن تجربة حرب لبنان الأخيرة، قد بينت أن السياسة التي انتهجها التحالف الديمقراطي، هي سياسة المحافظة على الوحدة الوطنية وفق البرنامج الوطني، و المحافظة على استقلال الحركة الوطنية الفلسطينية بعيدا عن الارتباط بالمحاور العربية المختلفة. إن هذه السياسة، حرب لبنان الأخيرة جاءت لتؤكد مصداقيتها و صحتها، فمختلف المحاور العربية، بغض النظر عن اقترابها أو ابتعادها عن الإمبريالية الأمريكية و خططها في المنطقة، إلا أنها تلتقي في نقطة واحدة و هي عدم الإبقاء على حركة وطنية فلسطينية مستقلة، و إلا كيف نفسر هذا الصمت العربي و التخاذل الكامل خلال حرب 1982. المقاومة الوطنية الفلسطينية تذبح في لبنان لمدة ثلاثة أشهر، و ليس هناك من يرفع أصبعا واحدا دفاعا عن المقاومة الفلسطينية. كانوا يريدون جميعا أن تنتهي هذه الحرب بالقضاء على المقاومة الفلسطينية كظاهرة وطنية مستقلة تمثل الشعب الفلسطيني، و إعادة تقسيم الحركة الوطنية الفلسطينية بين المحاور العربية المختلفة في خدمة المصالح الذاتية و الضيقة لكل محور أو بلد عربي على حدى. و من هنا فحرب الدفاع عن المخيمات، من وجهة نظرنا، كان جانبا منها هو حرب الدفاع عن الاستقلال الفلسطيني و عن استقلال الحركة الوطنية الفلسطينية، الحرب التي خاضتها الجماهير الفلسطينية في المخيمات فقط لكي تحافظ على هويتها، على شخصيتها الوطنية و على دورها المستقل في النضال الوطني من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية. هذه النتيجة السياسية التي أظهرتها حرب المخيمات حفزت الآن على حوارات سياسية داخل كل تنظيم وعلى المستوى الفلسطيني العام.
وفي رأينا أن الاستخلاص الرئيسي الذي يجب أن نعود إليه جميعا هو الوحدة الوطنية الفلسطينية التي كانت هي العنصر الحاسم في ضمان صمود المخيمات لمدة شهر كامل في ظل نسبة قوي لغير صالح الفلسطينيين و بشكل حاسم من جانب، و من جانب آخر، الاستقلال عن سياسة المحاور العربية المختلفة. فنحن كنا دائما ننظر بسخرية و استغراب لتلك الأفكار التي كانت تعتقد أنه يمكن محاربة سياسة البورجوازية الفلسطينية من خلال الركون أو الاعتماد على البورجوازية العربية الحاكمة التي لا تختلف من حيث برنامجها و خطتها الجوهرية عن خطة و برنامج بورجوازيتنا الفلسطينية. فيمكن بتقديرنا محاربة اتجاهات و ميول الاستسلام لدى بورجوازيتنا، ليس بالاعتماد على هذه البورجوازية العربية أو تلك، هذا النظام العربي أو ذاك، بل بالاعتماد، أولا و أخيرا، على الشعب الفلسطيني و على الجماهير الفلسطينية التي صمدت مدة شهر كامل في المخيمات و بين الأنقاض لكي تحافظ على البندقية الفلسطينية، و لكي تبقي خيار و مواصلة الكفاح مفتوحا أمام الشعب الفلسطيني و أمام الثورة الفلسطينية بأكملها. هؤلاء هم الذين سيحسمون تذبذب البورجوازية الوطنية الفلسطينية و ميولها الاستسلامية، و ليس هذا النظام البورجوازي البيروقراطي العربي أو ذاك.
- س: سؤال أخير و حتى لا أطيل عليك، حاليا هناك نشاط مكثف لبعض الدول العربية و بالخصوص منها المغرب لعقد مؤتمر عربي طارئ قصد تدارس المسألة الفلسطينية في ضوء ما حدث بالمخيمات، و هناك كما قلت تردي عربي عام فضلا عن المشكلات التي تعاني منها دول جبهة الصمود. فما هو في نظركم التنبؤات و الاحتمالات الممكنة حول الآفاق التي يمكن أن يحددها هذا المؤتمر؟
ياسر عبد ربه: هذه الدعوة نحن نستقبلها بحذر شديد، خصوصا أن عنوان هذه الدعوة هو البحث في المشكلة الفلسطينية. ما هو الشيء الإضافي الذي يمكن أن يقدمه مؤتمر القمة العربي في معالجة المشكلة الفلسطينية؟ لقد كانت هناك قرارات فاس الأخيرة، و كان هنالك التزام عربي شامل للعمل على تطبيق هذه القرارات. و لكن بعد جولة اللجنة السباعية العربية التي عينها مؤتمر فاس لمتابعة تنفيذ قراراته لم تتخذ و لو خطوة سياسية واحدة، و خاصة تجاه الموقف الأمريكي الذي أعلن عداءه الكامل للحقوق الفلسطينية و رفضه لقرارات قمة فاس. ما الذي يمكن أن يفعله الآن مؤتمر قمة عربي جديد؟ هل يقدم تنازلات إضافية عن قرارات فاس على سبيل المثال؟ الشعب الفلسطيني يرفض ذلك تماما. و لهذا السبب فإن غموض أهداف هذا المؤتمر تثير الشكوك الكبيرة حول النوايا من وراء الدعوة لعقده. من هنا فنحن نرى أنه إذا كان غرض هذا المؤتمر، كما يقال، المصادقة على اتفاق عمان الموقع بين ياسر عرفات و الملك حسين، فإن مثل هذه الخطوة لا تخدم الكفاح الفلسطيني، بل بالعكس ستؤدي إلى المزيد من الانقسامات الفلسطينية، و الانقسامات العربية، و تؤدي إلى عزلة العرب عن أصدقائهم على النطاق العالمي، و تؤدي إلى تصلب الموقف الأمريكي – الإسرائيلي، خصوصا عندما يلمس الأمريكيون و الإسرائيليون استعدادا عربيا متزايدا لتقديم تنازلات إضافية. من هذه الزاوية نحن، كجبهة ديمقراطية، نرى خطر عقد مثل هذا المؤتمر في الظرف الراهن.