صحافة البحث

ذاكرة إعلامية.. عبد الرحيم ملوح يتحدث عن دور الشعب المغربي في دعم نضال الفلسطينيين

- الإعلانات -

ذاكرة إعلامية هي نافذة يطل من خلالها قراء موقع “موبريس” على أعمال صحفية ذات قيمة فكرية، أدبية، فنية و سياسية سبق للصحفي المصطفى روض أن أنجزها و نشرها في مجلتي “الحرية” و “الفكر الديمقراطي” الفلسطينيتين و منابر أخرى بالمشرق و صحيفة أنوال بالمغرب. و ستكون البداية مع الحوارات في محور السينما ستتلوه محاور الشعر، المسرح، النقد الأدبي والسياسة و الفكر.

رغم المهام و المشاغل الكثيرة التي قلصت من مجالات القول في صفوف الثورة التي تتسارع أحداثها، لبى المناضل عبد الرحيم ملوح، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، دعوة “أنوال” له، إلى جلسة حوار حول هموم الثورة الفلسطينية المحلية و العربية و الدولية و متاعب منظمة التحرير الفلسطينية خاصة بعد زيارة رئيسها إلى القاهرة و ما أحدثته من ضجة كبيرة في الصف الوطني الفلسطيني، و حول آفاق و إمكانيات تجاوز الأزمة الراهنة و مساهمة القيادة المشتركة للجبهتين الديمقراطية و الشعبية في صنع و بلورة العديد من المواقف و بدء الخطوات في هذا الاتجاه. عبد الرحيم ملوح الذي توفي يوم الأربعاء الماضي في فلسطين، كان أحد المؤسسين للجبهة الشعبية و أمينها المساعد و ممثلها في عصوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. الحوار معه نشرته جريدة “أنوال” عام 1984

  •  في استجواب أجرته صحيفة “أنوال” مع القائد الفلسطيني خالد حسن السنة الماضية (1983) قال فيه إنه لا يوجد في الثورة الفلسطينية لا يمين و لا يسار. فما معنى هذا الكلام؟

عبد الرحيم ملوح:  هذا الكلام لا ينطبق على الواقع و لا يتفق مع الحقيقة العلمية إذ مادام أن هناك طبقات تقتسم أي شعب و مجتمع فمن الضروري أن تكون لهذه الطبقات قوى سياسية معبرة عن مصالحها و إيديولوجيتها يختلف بالضرورة بعضها عن البعض الآخر. و الشعب الفلسطيني ليس استثناء لهذه الحالة. فهناك تباين في مصالح مكوناته الطبقية تعبر عن نفسها في مسار الثورة، في النظرة لمشكلاتها و كيفية حلها، في النظرة إلى التحالفات على الصعيد العربي  و على الصعيد الأممي.. و الواقع العيني يكشف أن هناك بورجوازية و بورجوازية طفيلية مرتبطة بالأنظمة الرجعية و بالإمبريالية العالمية و بالشركات المتعددة الجنسيات تعبر عن نفسها في واقع العلاقات الاقتصادية و في العلاقات السياسية  و في نظرتها لحل المشكلة الفلسطينية الذي تراه يأتي من خلال الانسجام و التعايش مع الحلول الأمريكية. و الطبقات اليمينية في فكرها السياسي تعبر عن نفسها أيضا من خلال طبيعة علاقتها و انسجامها مع الدول العربية الرجعية المرتبطة بالخط الرأسمالي اقتصاديا و المرتبطة بالإمبريالية سياسيا. و نجد في المقابل القوى اليسارية و التقدمية في الساحة السياسية المعبرة، فكريا و سياسيا، عن مصالح و طبقات الشعب الثورية و التقدمية، و تعبر عن نفسها أيضا في الحلول التي تطرحها في الساحة السياسية، في العلاقات التي تنسجها مع الطبقات و الفئات في المجتمع الفلسطيني و على الصعيد العربي بحيث تتجه تحالفاتها نحو القوى التقدمية المعادية للإمبريالية سواء كان ذلك في إطار الدول الرسمية الوطنية أو في إطار القوى الشعبية و فصائل حركة التحرر العربي. و على الصعيد العالمي تقف في صف حركة التحرر و الدول الاشتراكية.. و إذن، استطيع القول إن خالد الحسن بكلامه السابق يكشف عن رغبة في طمس الحقائق بهدف الوصول إلى استخلاص سياسي يخدم توجهات سياسية معني بإنجاحها و تطويرها.

و بدون تهجم و إساءة شخصية لأحد، فإنه إذا أخذنا هذا الكلام في سياق السياسة التي يمثلها خالد الحسن فهو يريد أن يقول إن كل الشعب الفلسطيني مع السياسة التي أمثلها أنا، و هي السياسة المرتبطة بالرجعية العربية و سياستها المرتبطة بخط معين لحل القضية الفلسطينية بنفس ارتباطاتها بالحل الامبريالي و الفكر السلفي الديني الذي كان خالد الحسن أحد زعمائه في فترة من الفترات. و بالتالي، فما قاله لا يمثل في الواقع الحقيقة العلمية و لا الحقيقة القائمة واقعيا في إطار الشعب الفلسطيني,

  •  لو تعرفوا قراء جريدتنا “أنوال” على تقييمكم للوضع الراهن في الساحة الفلسطينية خاصة بعد زيارة عرفات لمصر؟

عبدر الرحيم ملوح: قبل الزيارة كنا نرى في ظل أزمة الثورة أن هناك خلافات و صراعات في إطار قوى وطنية فلسطينية ندعو إلى اعتماد الحوار الديمقراطي لتجاوزها. و الواقع إن اليمين الفلسطيني في تلك الفترة لم يصل بعد إلى النقطة التي تشكل نقلة نوعية و انعطافة خاصة و أذكر أن اليمين ممثلا بياسر عرفات قد اقتنع بعد بيروت أن ليس هناك حل للقضية الفلسطينية على أساس البرنامج المرحلي، أي حق العودة و تقرير المصير و بناء الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة و بالتالي فإنه خرج باستنتاج مفاده أن الحلول الآن في المنطقة كلها بيد أمريكا  و لذلك يتوجب البحث عن حل في إطار الخط الأمريكي. و بهذا النمط من التفكير و المراهنة كان لدى اليمين استعدادا كبيرا للتفريط في القضية الفلسطينية. باختصار، ارتكز عرفات و اليمين قاطبة بعد الخروج من بيروت على الحالة المعنوية الناتجة عن المعركة و بدأ يبحث عن حل في إطار حلف جديد من نمط جديد، من هنا انتقل إلى القاهرة. و قد اعتبر هذا الانتقال خيارا استراتيجيا كما كشف عن ذلك عدة مرات و هذا على أرضية كامب ديفيد و ليس على أرضية أخرى.

نحن نرى أن هناك أزمة يصعب تصور حل لها.لكن هناك صراع حاد يدور بين القوي الوطنية التي لا زالت ترى أن مصلحتها الوطنية و الطبقية لكل فئات الشعب الفلسطيني تتمثل في الدولة الفلسطينية و في حق تقرير المصير، و بين فئة من الشعب الفلسطيني انحاز عرفات إليها هي عبارة عن بورجوازية بيروقراطية، بورجوازية طفيلية داخل الوطن و خارج الوطن و في الخليج ترتبط مصالحها الطبقية و السياسية بالاحتكارات الإمبريالية و بالشركات المتعددة الجنسيات و الأنظمة الرجعية العربية مثل الأردن. و قد تراجعت عن أهداف تقرير المصير انسجاما مع المخطط الأمريكي في المنطقة. و لهذا الصراع تجلياته في كافة أماكن تواجد شعبنا. نعم، إن الصورة لم تستقر بعد على شكلها النهائي بحيث تفرز الساحة تيارين واضحين. و أبرز مثال على واقع التجاذب القائم أن هناك قطاعات واسعة في إطار اللجنة المركزية لحركة “فتح” ضد الزيارة و ضد عرفات، و هي موجودة في هذا التنظيم لتصحيح مساره. و الصراع ما يزال مستمرا بين خط سياسي يقول بالانسجام مع القوى الامبريالية و مع أطروحات الحل الأمريكي من أجل الحصول على شيء ما. و خط ثاني يقول لا ! و يطرح التصدي للخط الأمريكي الإمبريالي. و لقد أثبتت التجارب أنه لا توجد حركة تحرر أو قوة تستطيع أن تحقق شيئا عن طريق التحالف مع الإمبريالية (مصر مع كامب ديفيد و تجربة لبنان مع الاتفاقية). و مكمن التعقيد في الصراع بين الخطين هو أن ممثل خط التفريط  لا زال رمزا للشرعية الفلسطينية، و هو تعقيد كبير بالنسبة لنا، لأنه في إطار هذه الشرعية، في إطار هذه المؤسسات و في إطار تجمعات شعبنا، نجد ممثلين عن هذا الخط. و هذا ليس حديثا في طبقات شعبنا و في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، و كنا نتعايش معه و نتغلب عليه في الصراع السياسي الديمقراطي من خلال تثبيت خط المنظمة. لكن بعد إصرار رمز الشرعية على أن يسير بمنظمة التحرير نحو الخط الأمريكي ازداد الصراع تعقيدا على تعقيد. و نلاحظ أخيرا  كيف أن الملك حسين استفاد من التجربة في لبنان، و هو الذي لا أحد يزايد على ولائه لأمريكا، ينتقد أمريكا اضطرارا في حين أن عرفات لا يزال سائرا في نفس الخط. و أبرز مثال بهذا الصدد زيارته للسودان، و ما سببه من استعداء على منظمة التحرير الفلسطينية ابتداء من الشعب السوداني و انتهاء بالقوى الحليفة لحركة التحرير السوداني. و نحن في نضالنا نأمل أن تتحد و تتوحد كافة قوى شعبنا الحية، كافة فصائله و اتحاداته الشعبية، و كافة الرموز الوطنية و ممثلي البورجوازية الوطنية، على اتجاه يحمي منظمة التحرير و يحمي خطها و دورها في الساحة الفلسطينية و الساحة العربية و الدولية. و هذا لن يتم إلا بعزل صاحب الخطوة، ياسر عرفات الذي سبق له أن دافع على مشروع فهد و كان حاضرا في مجلس الشعب المصري حين أعلن السادات عن استعداده لزيارة القدس المحتلة (1977) و ناضلنا ستة أشهر لكي يصدر بيانا ضد كامب ديفيد. و في حرب 1982 عانينا من صلات عرفات بالرجعيات العربية. و في المجلس الوطني الأخير خضنا معارك مريرة ضده بشأن الموقف المتعلق بمشروع ريغان.. و بعد شهر و نصف من انتهاء المجلس، أي في 10 أبريل كاد أن يوقع مع الملك حسين على مشروع قرار الاعتراف بمشروع ريغان، و لولا تكاثف أعضاء حركة “فتح” و الجميع لإيقاف و تجميد الموضوع لما تم منعه من التوقيع. المعركة الحالية إذن هي مرحلة الذروة و الغليان..

  • هناك حديث عن القيادة البديلة ما هي خلفيته و ما هي أبعاده؟

عبد الرحيم ملوح: من وجهة نظرنا إذا كان المقصود بالقيادة البديلة، الأشخاص، فليس لدينا أي تحفظ، لأننا ندعو لتغيير عرفات و إسقاطه، أما إذا كان المقصود تغيير المؤسسات بمؤسسة بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية كإطار يجمع الشعب الفلسطيني و يكرس نضالاته و يوحد فئاته  المختلفة ، فإننا ضد هذا بالمطلق. إنه لا مانع لدينا إذا كانت الدعوة تأتي من خلال العمل على التغيير و توفير القيادة التي سوف تعطي ضمانات للشعب الفلسطيني و ضمانات للخط التقدمي الوطني للثورة و منظمة التحرير الفلسطينية. لكن أن نشكل قيادة بديلة و قيادة أخرى ثانية و تصبح للشعب الفلسطيني قيادتان فهذا أمر يضر بالقضية الفلسطينية و يخلق تمزقا في إطار الشعب الفلسطيني و في إطار وحدته السياسية. و بالطبع هذا لا يلبي مهمات المرحلة. فنحن نسعى فعلا إلى اتفاق في إطار مؤسسة الشعب الفلسطيني و في إطار القوى الفلسطينية لاستبدال عرفات بشخص آخر يشكل مشتركا للشعب الفلسطيني و جميع قواه لأن عرفات لم يعد يشكل هذا القاسم المشترك، و لم يعد نقطة الوسط بين مختلف اتجاهات الشعب الفلسطيني.

  •  لقد اسقط اتفاق الاستسلام، و مني نظام الجميل و “الجبهة اللبنانية” بهزيمة نكراء على يد القوات الوطنية اللبنانية، ما هو تقديركم للتطورات في لبنان و انعكاساتها على خطوات ياسر عرفات السالفة؟

عبد الرحيم ملوح:  أؤكد في البداية أننا من موقع الشراكة، و لسنا من موقع المراقب، نحيي و نثمن عاليا الانتصارات التي حصلت في لبنان و نعتبر أن ما حصل و ما ترتب عنه، قد عكس الشيء الكثير في المنطقة و غير مجرى الأحداث و الاتجاهات فيها. إنه جاء بمصداقية كاملة لحرب الشعب، حرب الجماهير، و أن الكفاح المسلح هو أساس و دعامة الانتصار على العدو، و أن ما حدث من جهة ثانية مؤشر على أنه بالإمكان الانتصار على إسرائيل سياسيا و عسكريا. و لقد عبرت عن هذه الإمكانية حرب 82 و تعبر عنها الحرب اللبنانية الأخيرة، إذ فرضت هذه الحرب الانسحاب الإسرائيلي من مواقع رئيسية و انسحاب قوات المارينز و القوات متعددة الجنسيات و كذلك تراجع القوى اللبنانية الفاشية و هيمنتها في لبنان. و بالتالي فالدرس الأساسي منها أنه إذا كان جزءا من الشعب اللبناني بمساندة الثورة الفلسطينية و المساندة السورية و الاتحاد السوفيتي قد استطاع إلغاء اتفاق 17 ماي، فكيف بالأحرى شعب مثل مصر، ألا يستطيع إلغاء اتفاق “كامب ديفيد”؟ إن في هذا رد على الإدعاء بأن هذه قضية فرضت و لا نستطيع الخروج منها، و ما جرى أضاف للثورة الفلسطينية، رغم متاعبها و متاعب منظمة التحرير، ثورة وطنية لبنانية جديدة في المنطقة. هناك ثورة أخرى شقيقة و دماء مشتركة.. بنفس أسلوب و منهج الثورة الفلسطينية تحمل السلاح و تقاتل العدو الصهيوني.. إنه انتصار تاريخي نعتقد أن القوى الإمبريالية ستجند كامل قواها لإفشاله و التقليل من أهميته.. و هي ستركز على التناقضات الداخلية في لبنان لتغرق البلد مجددا، خاصة أن القوى، محققة الانتصار، متباينة طبقيا و سياسيا في نظرتها إلى العديد من الأمور، ائتلفت في لحظة زمنية معينة على قواسم و قضايا مشتركة و بالتالي فإن أي بحث أو تجاوز لهذه القواسم يمكن أن يخلق متاعب في إطار هذه القوى. و ستحاول إسرائيل أن تغذي هذه التناقضات من خلال الضربات العسكرية و التفجيرات و الاعتماد على القوى المحلية أو بشكل مباشر. مثال على ذلك ما حدث في “لوزان” حيث تغيرت الائتلافات الطائفية في آخر جولة.. و رغم ما حصل فإننا نرى أن الحلول الترقيعية في لبنان لن تكفي و لن تحل المشكلة.. ذلك أن التناقضات في الوضع اللبناني، تناقضات جذرية و عميقة جدا.. و بالتالي فإن إعادة البحث عن حل طائفي للمشكلة اللبنانية لن ينجح. و تقديرنا أن البورجوازية الوطنية اللبنانية التي مزقت البلد و لم تستطع أن تحافظ على وحدته، غير قادرة على توحيده.. و هذا يتطلب من القوى التقدمية، من الحزب الشيوعي و من القوى الجذرية في لبنان أن تلعب دورها حيث يقع على عاتقها العبء الأكبر و الأساسي في إعادة توحيد لبنان و صون خطه الوطني و موقعه العربي و الانتصار الأخير على الفاشية و الطائفية و العدو الإسرائيلي. 

و في هذا الإطار نرى ضرورة تعميق و تعزيز التحالف فيما بين قوى الثورة الفلسطينية و فصائل الحركة الوطنية اللبنانية و بين سوريا لأن هذه القوى في إطار تحالفها مع وزن و دور كل منها في المعركة التي حصلت، هي التي صنعت الانتصار الأخير في لبنان، صنعته بالقتال و بالإسناد، و صنعته كرمز سياسي، و كفاعلية سياسية و عسكرية، و فاعلية ميدانية و عبر تضحيات دامت من احتلال 1982 حتى الأيام الأخيرة.

 المطلوب عدم التفريط في هذا الانتصار.. و تقديرنا أن الوضع بالمنطقة العربية عموما مقبل على أوضاع جديدة.. و ما حصل في تونس و المغرب و السودان و يحصل في أكثر من منطقة عربية نستطيع أن نقول إنه بداية نفوذ في وضع الشعب العربي و قد يتيح لنا فرصة و إمكانية لمزيد من الانتصارات فيما إذا حافظت هذه القوى على وحدتها و تماسكها.

  •   كان أهم حدث عرفه اليسار الفلسطيني في السنة الماضية هو بروز القيادة المشتركة بين الجبهتين الشعبية و الديمقراطية. ماذا يمكن القول عن هذه الخطوة، و ما هي انعكاساتها الإيجابية على الوضع الفلسطيني خصوصا في هذا الظرف الدقيق، و هل تعتبرون وصلت إليه كان كافيا لاندماج الجبهتين و بالتالي ما هي آفاق هذه الخطوة؟

عبد الرحيم ملوح:  القيادة المشتركة أبرز شيء إيجابي ظهر في مرحلة التناقضات التي أعقبت بيروت. لكن العمل لإنجاز هذه القيادة سبق هذه المرحلة. لقد بدأت الحوارات منذ عام 1979 بيننا و بين الرفاق في الجبهة الديمقراطية و استمرت حتى مؤتمرينا عام 1981 حيث اتخذ قرار بالتوجه و تكليف اللجنتين المركزيتين لجبهتينا بالتوجه للبحث الجدي في موضوع الوحدة، و أعقب ذلك سلسلة اجتماعات توجت باجتماع لنا عام 1982 قبل الحرب بفترة، أفرزت فيه اللجنة المركزية مشروع ورقة عمل تعرض على الديمقراطية كأساس لوحدة الجبهتين و كأساس لوحدة اليسار في الساحة الفلسطينية لاحقا.

و بحكم الحرب تعطل الموضوع.. و في يناير عام 1983 تم التوقيع على بروتوكول مشترك في اليمن الديمقراطية بحضور الرفيق علىذي ناصر على  مشروع الوحدة. و قد أنجزت المشاريع الداخلية (المشروعان السياسي و التنظيمي) خلال فترة ستة أشهر..

 و يبين هذا أن مسألة الوحدة ليست وليدة الأزمة التي عاشتها الثورة أخيرا، و هذه إحدى مميزات قوتها و قيمتها، إذ لم تأتي كرد انفعالي و أن تزامن إعلانها تم مع فترة التمزقات و الخلافات. إن هذه الوحدة إعلان على نهاية مسببات الفرقة حين انفصلت الجبهة الديمقراطية بحجة أن بناء الحزب الماركسي اللينيني يفترض التنظيم البورجوازي لتشكل حزبها الخاص… فقد أثبتت تجربة الرفاق أنه ليس بمجرد الانفصال يمكن الوصول إلى هذا الهدف. و قد أكد المؤتمر الثاني للجبهة على موضوعة التحول و كذلك مؤتمر الشعبية.. و الواقع بالنظر إلى علاقاتنا التنظيمية و الشخصية  فكأننا نعمل في مؤسسة واحدة… و أستطيع القول إننا قطعنا شوطا، لكنه ليس بالشوط المطلوب و الكافي لإتمام عملية الوحدة. فهناك العديد من القضايا لن نصل بعد فيها إلى حلول و قضايا برنامجية لكي نحسم الاتفاق حولها. إن ما يجمعنا هو برنامج في اتجاه الوحدة الاندماجية، و أنه في إطار معالجتنا للمهمات السياسية الآنية نرسم خط الوحدة الاندماجية و هذا ما يفرقنا عن جبهة وطنية عادية. و المهم أننا نحتفظ باستقلاليتنا في التعبير عن قضايا الخلاف دون المساس بأسس الوحدة و القيادة المشتركة.

و بالنظر إلى الموقع الذي تحتله الجبهتان في الساحة الفلسطينية، فإن تطور عملية الوحدة القائمة بيننا ستعكس نفسها بشكل كبير على هذه الساحة و تشكل مركزا نوعيا جديدا فيها، و أن أطرافا لا ترتاح لهذه الوحدة كما لا تريد لها النجاح لأغراض ضيقة ليس إلا!

  • بالنسبة للاقتتال الذي دار السنة الماضية داخل حركة فتح طرحتم معالجته مع الجبهة الديمقراطية من خلال صياغة برنامج الوحدة و الإصلاح الديمقراطي.. و بما أن الاقتتال قد حسم بالشكل الذي ضاعف من تأزم الوضع الفلسطيني، فما هي الفصائل الأخرى التي تتفهم كثيرا برنامجكم و ما هي بالتالي أهدافه الأساسية؟

عبد الرحيم ملوح:  بالنسبة للأهداف السياسية للبرنامج نسجل أن وضع الساحة الفلسطينية كان بحاجة إلى إصلاح قبل الاقتتال، و لذلك فمنذ عام 1979 و نحن قررنا في المجلس الوطني برنامجين: سياسي و تنظيمي، الأول هو البرنامج المرحلي السياسي و الثاني يعالج شؤون كل الأوضاع التنظيمية في الساحة الفلسطينية ابتداء من اللجنة التنفيذية، تشكيلها و طبيعة عملها، مرورا بالمؤسسات المختلفة بدوائر منظمة التحرير و ممثليها، بمكاتبها و اتجاهات عملها الرئيسية.. لقد كان ظهور التفرد و الرشوة و الإفساد يضر بكل المصلحة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية. و معلوم أنه تم فرض البرنامج المذكور، لكن القيادة المتنفذة ضربت به عرض الحائط، و ذلك بوضع عراقيل في طريق تنفيذه و على جميع المستويات.. و لقد كان وضع التحالفات العربية  و الظروف العامة للثورة هي التي فرضت في الأصل القبول النظري لهذا البرنامج (عقد اجتماع في دمشق و كانت العراق معنا) لكننا لم نستطع في واقع الممارسة العملية توفير القوي التي تطبق هذا البرنامج، لم نصل إلى التشكيلات التي تستطيع أن تنضبط، و من مصلحتها الانضباط لهذا البرنامج و بالتالي تأتي الهيئات السياسية على النقيض من هذا البرنامج النظري. و نحن أول من دعا للوقوف أمام أوضاع منظمة التحرير، الوقوف على طبيعة مؤسساتها و طبيعة قواتها. لكن اليمين الفلسطيني حرف الاتجاه و أغرق المنظمة  في مشاكل لا علاقة لها بالإصلاح، مما فرض علينا ضرورة خوض معارك جديدة لحمايتها و حماية خطها السياسي الوطني(الصراع ضد مشروع ريغان). إذن فنحن عندما طرحنا مشروع الوحدة و الإصلاح الديمقراطي، لم نطرحه ردا على الاقتتال لأن هذا المشروع لا يحل مسألة الاقتتال الداخلي و إنما هو يجسد تصورنا في ظل المرحلة القائمة في تلك الفترة.. و نشير إلى أن مجموع المعارك التي خضناها ضد اليمين أفقدتنا الفرصة لمناقشة هذا الموضوع داخل الأطر الفلسطينية بشكل سليم. و على هذا الأساس، بدل أن يصبح مشروع كل منظمة التحرير الفلسطينية أصبح مشروع الجبهة الشعبية و الجبهة الديمقراطية المقدم للساحة الفلسطينية. و هو لا يمثل بالضرورة وجهة نظرنا نحن في الإصلاحات المطلوبة، إنه يشكل قاسما مشتركا لمجموع فصائل الثورة الفلسطينية و ليس قاسما مشتركا لنا، كجبهة شعبية، و الجبهة الديمقراطية لأن لنا، كجبهتين، وجهة نظر أكثر جذرية و وضوحا تجاه هذا الموضوع. أما بعد الاقتتال فقد سبق هذه الفترة و أعقبها و كانت لدينا وجهة نظر ترفضه و تدينه. و في هذا الإطار طرحنا مشروع حل مشكلة طرابلس و أيدنا الحل الذي طرحته لجنة 18 التي كان لنا دور رئيسي نحن و الديمقراطية في الخروج نتائجها. لكننا لم ننجح في مسعانا الداعم للمساعي الفلسطينية و الداعم للمساعي الدولية ممثلا أساس في كوبا و المساعي العربية (اليمن الديمقراطي) لوقف الاقتتال. و قد حلت مشكلة طرابلس باتفاق سوريا و السعودية و أعقب ذلك خروج عرفات إلى القاهرة.

  •   أخيرا تمت زيارة الرئيس الصيني للأردن، ألا تعتقد أن هناك تزكية من طرف القادة الصينيين للخطوات الاستسلامية التي يقوم بها النظام الأردني؟

عبد الرحيم ملوح:  لنا وجهة نظر خاصة، و منذ فترة، حول الخط النظري و السياسي الصيني، كانت لدينا مع الصينيين علاقات لكنها قطعت منذ عام 1974 حين طرحوا نظرية العوالم الثلاثة. و لقد ناقشنا معهم حينها و كنت في الوفد الزائر، لكننا اختلفنا و لم نلتق بعد ذلك إلا في اللقاءات العادية. و نعتقد أن وجهة نظرهم قلبت المعادلة الدولية بحيث وضعت الاتحاد السوفييتي العدو الأول بينما أمريكا لا تشكل الخطر الأكبر. الخلاف أيضا كان حول الوجود السوفييتي في منطقة الشرق الأوسط و حول كامب ديفيد و خطوة السادات الاستسلامية. كانت الصين تعتبر أن خطوة السادات استقلالية و صحيحة (طرد الخبراء السوفييت)، كما أن هناك قضايا أخرى خلافية في فيتنام و إفريقيا.. و رغم ذلك فإننا لم نخرج الصين حتى الآن من دائرة الدول الاشتراكية بسبب طبيعة العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية القائمة فيها و خلافاتنا معها مثل خلافاتنا مع رومانيا مثلا. أما زيارة الأردن فهي دعم لسياساته رغم أن النتائج التي تمخضت عنها عبارة عن اتفاقات اقتصادية محدودة جدا. و في المحصلة النهائية أن الموقف السياسي الصيني قد خدم النظام الأردني.. نعم هناك مؤشرات لنقلة نوعية في سياستها إزاء الاتحاد السوفييتي في المدة الأخيرة إذ بدأت تتحدث عن الخطر الأمريكي و تساويه بالخطر السوفييتي، و لذلك يجب العمل من أجل استعادة و تطوير موقفها من قضيتنا القومية.

  •  إذا كان ممكنا أن تعطينا بإيجاز نظرة عن علاقتكم بالقوى التقدمية المغربية؟

عبد الرحيم ملوح:  أولا، كان من المفروض أن نقول هذا في البداية، و الحقيقة أنه يشرفنا أننا نتعامل مع صحيفة مغربية (أنوال) و مع قوى مغربية. إننا نعتبر أن أي تقدم سياسي و اجتماعي طبقي جماهيري للقوى التقدمية المغربية هو تقدم لنا. إننا في الجبهة الشعبية لا نتعامل بمعزل عن الدور الذي يجب أن تقوم به حركة التحرر العربية و  العالمية، و أن انتصار قضيتنا النهائي مرهون بمجموع العوامل و موازين القوى التي ستغير المنطقة لصالح القوى التقدمية. و نحن واثقون بأننا آخر حركة تحرر وطني ستنتصر و نعمل على هذا الأساس في المنطقة العربية. و يجوز أن جيبوتي ستنتصر و تحقق فيها القوى التقدمية انتصارها الكامل قبل القضية الفلسطينية. و نعلم هذا بحكم نظرتنا إلى عدونا و وزنه في المعادلة الامبريالية. و نحن في الجبهة الشعبية  هكذا ننظر إلى حركات التحرر و من بينها المغربية. أما على صعيد العلاقات فللأسف الاتصالات أصبحت نادرة و تتم على فترات متباعدة و خاصة بعد الخروج من بيروت، إذ أصبح لنا وضع مختلف. لكننا نأمل تعزيز هذه الصلات مجددا و ليس لدينا شك في الدعم الذي تقدمه لنا قوى الفصائل التقدمية المغربية و مجموع الشعب المغربي… و نرى أن أكثر مساندة لنا كانت تأتي من خلال النضالات التي خاضتها الجماهير المغربية في الفترة الأخيرة. و نأمل أن يستطيع الشعب المغربي أن يرفع عن كاهله بؤس القهر.