رحيل إبراهيم موسى: الطبيب الصحراوي الذي حارب “البوليساريو” من جبهة الدبلوماسية
خطف فيروس سارس-كوف2 (كورونا)، يوم أمس الجمعة، إبراهيم الحسين موسى، الدبلوماسي والسفير السابق في جمهورية الدومينيكان، والذي يُعد أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية.
وشغل إبراهيم الحسين موسى الكثير من المناصب الدبلوماسية بابتداء من سنة 1985 وحتى سنة 2016، وساهم في سحب 15 دولة من أمريكا اللاتينية اعترافها بالبوليساريو.
إبراهيم موسى وفرانكو
وكان قد روى إبراهيم موسى، الذي كان من بين أول أبناء الصحراء الذين حصبلوا على تعليم عالٍ، في حوار له مع الزميل موسى متروف، قبل ثلاث سنوات، حكاية استقباله رفقة الجماني من طرف فرانكو، وقال في شهاته أنه « في 15 مارس 1975 استقبله الجنرال فرانشيسكو فرانكو وكان إلى جانبه وزير الشؤون الصحراوية، ومدير الشؤون الصحراوية، في آخر لقاء عقده مع ممثلي الصحراء في البرلمان الإسباني وفي الجماعة الصحراوية برئاسة الحاج خطري ولد اسعيد الجماني. وأنا كنت مديرا للصحة في المنطقة الصحراوية كلها، ودخلنا لأحد المكاتب وخاطبني فرانكو: “أريدك الدكتور موسى، من فضلك، أن تتولى الترجمة بيني وبين الحاج الجماني”، الذي لم يكن يتحدث بالإسبانية. وخاطب الجماني قائلا: “سمعت كلامكم وسمعت طلبكم. الصحراء فعلا “تفاحة” نزاع. المغرب يريد الصحراء، والجزائر تريد مشاركة في استغلال الصحراء، وموريتانيا أيضا. هذا نزاع بين هذه الدول وهو في مصلحتنا. الآن الجيش الإسباني موجود وهو يحميكم، ولكنني أريد أن يرافق كل جندي إسباني جندي صحراوي. لهذا يا الحاج خطري، أنت من قبيلة الرگيبات فخذة “البّيهات”، إننا نحتاج 1500 جندي صحراوي نكوّنهم ويتموقعون في الحدود… »
مضيفا « ترجمت للجماني واقترحت عليه الجواب، حيث قلت له هذه شرارة حرب أهلية، وأنتم موجودون في المغرب وفي موريتانيا. ظل ساكتا قليلا ثم قال له: سيدي الجنرال أنا معكم وعائلتي معكم وقبيلتي معكم، لكن قبيلتي الرگيبات موجودة أكثر في المغرب وبعضنا موجود في الجزائر وفي موريتانيا. وما تريدون سيسبب حربا أهلية”. والجنرال عاش الحرب الأهلية ويعرف تأثيرها »، ليضيف في ذات الشهادة « ظل فرانكو صامتا دقيقة أو دقيقتين، بعدما قدمت له الترجمة، ثم قال “فعلا الحرب الأهلية أثرت علينا كثيرا. انتهى الاجتماع من فضلكم”. لم يستطع فرانكو أن يقوم من مكانه، حتى ساعدته من جهة وجنرال كان حاضرا من الجانب الآخر، فقال لي: “شكرا جزيلا يا بني (Hijo, muchas gracias)”. لهذا كتبت الصحافة الإسبانية بأن “الدكتور موسى ابن فرانكو ».
موسى والحسن الثاني
في نفس يوم اللقاء مع الجنرال فرانكو، يوضح إبراهيم موسى في ذات الشهادات، التق رفقة الجماني بالأمير خوان كارلوس، الذي كان إلى جانبه أيضا وزير الشؤون الصحراوية، ومدير الشؤون الصحراوية، والوفد كله. قرأت عليه خطابا للسلام لا سياسة فيه، لأنه لم يكن يقوم بعمل سياسي. المهم سلمنا عليه وتمنينا له النجاح في مهامه… ثم دخل الأمير أحد المكاتب ثم خرج أحد مساعديه ليطلب “الدكتور موسى والحاج خطري”. دخلنا عنده وقال إنه على اطلاع بما جرى بيننا وفرانكو وقال “أنا أعدكم أن لن تكون هناك أي حرب و”تفاحة” النزاع ستبقى محصورة. وأعدكم أن نجد حلا سلميا مع الدول المجاورة، وخصوصا مع الدولة التي لديها حق تاريخي في الصحراء”، في إشارة إلى المغرب. منذ ذلك اليوم، وأنا كنت سياسيا وطبيبا في الصحراء…
بعد خروج الوفد الصحراوي من عند الأمير خوان كارلوس يوضح موسى: « اتصلت بصديق يعرف الجنرال أحمد الدليمي وهو ابن عم لي رحمه الله، كلمته وقلت له بأنه “من الضروري أن أرى سيدنا” (الملك الراحل الحسن الثاني)، موضحا له بأن هناك أمور لا بد أن أفسرها له. المهم اتصلت به في الدار البيضاء وفي اليوم الموالي جاء عندي إلى مدريد وفسرت له ما أريد واتصلنا بالدليمي وقال لي “سأرسل لك السيد عبد اللطيف المدغري »، مساعد الدليمي، موضحا « اتصلوا بي بعد حوالي أسبوع وقالوا لي بأنني سأرى الملك فيي عيد الشباب (9 يوليوز 1975)، لكن يجب أن يكون اللقاء سريا لأن جواز سفري الإسباني مذكور فيه بأنه يمنع علي زيارة الدول “السوفياتية” وإسرائيل والمغرب (ضاحكا). طبعا المغرب سيترك لي حرية الدخول لأن جوازي استعماري طبعا.. » .
وعن تفاصيل لقاء موسى بالحسن الثاني آنذاك أوضح موسى: « استغليت دورة تكوينية حول إدارة المستشفيات في العاصمة الفرنسية باريس وطلبت كمدير الصحة في الصحراء أن أشارك فيه إلى جانب ثلاثة أطباء إسبانيين مدراء للصحة في مناطق أخرى من إسبانيا. بعد أسبوع في الدورة، قلنا بأنه آن أوان السياحة، وأخبرت “الناس ديالنا” وجاءتني طائرة حملتي إلى مراكش، حضرت احتفالات عيد الشباب مع سيدنا وجلست إليه لمدة 45 دقيقة وفسرت له كل شيء فقال لي “ارجع يا دكتور إلى الصحراء إذا أردت. ليس في قلبك غْرام واحد من الانفصال، وإذا أعطاك الإسبان أي مسؤولية تسلّمها، حتى ولو وضعوك على رأس دولة في الصحراء، لكن بمشيئة الله في دجنبر 1975 سأشرب معكم الشاي في العيون”. جملة لم أفهمها، المهم ذهبت إلى الدار البيضاء ومنها إلى باريس، ولم أفهم ما رمى إليه الملك الراحل إلا في 16 أكتوبر 1975 عندما أعلن سيدنا عن نداء المسيرة الخضراء. كنت حينها في الداخلة مع الوالد رحمه الله في بيته، وكنا ننصت إلى نشرة الواحدة ظهرا من الرباط، كعادتنا، وعندما سمعنا نداء المسيرة من طرف الملك، في 16 أكتوبر 1975، قلت للوالد إن سيدنا سيشرب فعلا معنا الشاي في دجنبر ».
بعد يومين أو ثلاثة أيام من إعلان الملك الراحل الحسن الثاني عن المسيرة الخضراء يوضح موسى في شهاته « أصيب فرانكو بزكام حاد أودى بحياته، وقد ظل طيلة أيام المسيرة مريضا، لدرجة أنهم يحكون نكتة عن زوجته التي قالت له إنه لو كتب الصحراء في اسمها لما وقع ما وقع. وطبعا هذه نكتة ساخرة من الوضع حينئذ. والحقيقة أنهم تأخروا في إعلان وفاة فرانكو، وهذا ما أخبرني به صهره الذي كان من معارفي وهو طبيب مثلي، حتى إعلان الاتفاق الثلاثي (14 نونبر 1975) الذي بمقتضاه خرجت إسبانيا من الصحراء وسلمت الإدارة للمغرب وموريتانيا ».
وولد الراحل إبراهيم موسى، قبل 70 سنة (1950) بمدينة الداخلة الداخلة، ودرس الثانوي في لاس بالماس، قبل أن يحصل على دكتوراه في الطب في العاصمة الإسبانية مدريد.
كما عمل إبراهيم موسى سنة 1977 مستشارا في ديوان وزير الصحة الراحل رحال الرحالي ابتداء من سنة 1977 ومكلفا بديون الوزير الأول أحمد عصمان، لكن دائما في إطار قضية الصحراء، خصوصا مع الشؤون الداخلية. ثم عمل كطبيب رئيس بمدينة طنجة إلى سنة 1985، حيث شغل منصب قنصل بجزر لاس بالماس ثم شغل منصب سفير المغرب بموريتانيا سنة 1992 ثم في سنة 1999 انتقل كسفير إلى فينزويلا والكرايبي لمدة 18 سنة وبداية من سنة 2009 شغل منصب في جمهورية الدومينيكان إلى حدود سنة 2016 والتي عمل فيها من أجل سحب مجموعة من الدول اعترافها بالبوليساريو وتأييد أطروحة الحكم الذاتي.