عُدت إلى المغرب نهاية 2008 وشاركت مباشرة في الورشات التي كانت تنظمها مدينة الدار البيضاء مع مدينة أمستردام لإعادة تأهيل المجازر القديمة وكنيسة القلب المقدس لمحاولة تحويلهما إلى فضاءات ثقافية. وهكذا انخرطت في الدينامية الثقافية للدار البيضاء في وقت مبكر على انطلاق حركة 20 فبراير. نظمنا ثقافيات الباطوار في أبريل من سنة 2009 ثم افتتحت ناديا لموسيقى الجاز ” Jazz sous le rocher “، وفي ذلك الوقت بدأت التعرف على الكثير من الفاعلين الثقافيين بالمدينة وشبيبة البيضاء الفاعلة.
وفي شتنبر 2010 ساهمت في تأسيس جمعية جذور، فكان لدي رابط مباشر مع مجموعة من الشباب الذين خرجوا يوم 20 فبراير، التي شاركت فيها بشكل تلقائي. حيث كنت أحضر الجموع العامة للحركة بالدار البيضاء كملاحظ، لا أطرح الأسئلة ولا أناقش.
لم تحقق حركة 20 فبراير أي شيء “تْقولبنا”. فمن الجميل أن يخرج الناس من فئات مختلفة يوم 20 فبراير 2011، لكن بالنسبة لي حركة 20 فبراير دامت فقط (17 يوما) وقد انتهت يوم الخطاب الملكي لـ9 مارس 2011. الخطأ في اعتقادي هو أن الناس خيل لهم أن الاحتجاج هو فعل سياسي لكنه ليس إلا شكلا من التعبير.
الذين خرجوا للاحتجاج في سياق الحِراكات التي عرفتها كل من مصر وتونس، كانوا يعتقدون بأن جدار الخوف قد سقط تماما ما يعني أن التغيير يمكن أن يتحقق. الخطأ الذي قمنا به في تقديري هو أننا لم نركز على الأساسيات وهي: حرية التعبير والمصلحة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، التي بدونها لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية.
احتجاجات الحركة كانت جميلة وشارك فيها أناس من مختلف الفئات. كانت تعطي بعض الأمل في مطالب جماعية اختفت سريعا عبر دخول كل من العدل والإحسان واليسار في معركة ضارية لتوضيح المواقف والمفاهيم بينهما حول مجموعة من القضايا عوض أن يتم التركيز على حرية التعبير، فيمكن أن نكون مختلفين في مجموعة من الآراء ولكن كان يجب علينا أن نناضل أجمعين أولا وقبل كل شيء عن حرية التعبير وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن عوض هذا قدمت الحركة خدمة للمخزن بالانقسام منذ البداية.
فالحركة وقفت بشكل نهائي مع الخطاب الملكي لـ9 مارس، الذي أعطى للبعض أملا في التغيير من خلال مراجعة الدستور وحل الحكومة والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها…، لكن هذا كان مجرد استراتيجية. كنا نعتقد أن دستورا جديدا يكفي من أجل التغيير ولكن التغيير الحقيقي يكون من خلال تطبيق نزيه للقانون قبل كل شيء، وهي الثقافة التي لم نستوعبها بعد.
الدليل على كل ما قلت أن المخزن استعاد “كل حقوقه” الآن، بل وصلنا إلى سنوات رصاص ثانية بنهج مختلف: الصحافة الصفراء، تكميم الأفواه بالتضييق على نَفَسْ الحرية الذي يأتي من شبكات التواصل الاجتماعي وذلك عبر تطبيق عقوبات صارمة لإعطاء المثل، واعتقال صحافيين بتهم الجنس والعمالة، حتى أصبحنا نرى المخزن يدافع عن الحريات الفردية فقط عندما يكون الأمر مناسبا له، مثلا لاعتقال صحافي حر.
سياسات المغرب العمومية توضع من أجل ألا يكون للمغاربة تفكير نقدي وحر، وكي لا يطالب الشعب بربط المسؤولية بالمحاسبة وبحرية التعبير، وفي النهاية الوصول إلى شعب متحرر.
هناك منطقان مختلفان لروح القانون فإما أن تكون لدينا قوانين توضع من أجل مصلحة المواطن والمنفعة العامة والعدالة الاجتماعية، وإما أن تكون لدينا قوانين يضعها المشرع من أجل حماية نفسه من المساءلة، ونصبح بالتالي أمام حماية ذاتية للحكام لكي يحكموا بسهولة. اليوم لدينا قوانين مازالت سارية المفعول تعطي للمواطن حرية مشروطة. كما لا زلنا في هذا البلد نطبق منطق العقوبة، وعوض ردع المحتالين وتطبيق القانون عليهم اختار الحكام أن يعاملوا المغاربة كأنهم مشتبه فيهم من خلال، على السبيل المثال لا الحصر، المصادقة على النسخ وتصحيح الإمضاء. إنه ترسيخ لثقافة العقوبة على الجميع بدلا من مُعاقبة الجانئين.
لم نلمس الجوهر بعد، والجوهر كما نرى هو أن الثقافة تظل هي الحل، لأن المشرع يجب أن يحب المواطن ليضع قوانين في صالحه وليس في صالح الأقلية الحاكمة، ومنفذ القانون يجب أن ينفذه باحترام إرادة المواطن المغربي وفي الأخير يجب على العدل أن يكون عادلا وأن يجعل توجهه هو إقامة المصلحة العامة وليس لصالح أصحاب النفوذ فقط.