في 20 فبراير 2021 خرج المناضلون، في العديد من المدن المغربية، للاحتفاء بالذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير بما هي جزء أساسي لحراك الربيع العربي الذي خرج من رحم المجتمعات العربية ومن واقعها المرير الذي صبغت عليه الأنظمة العربية، على مدى عقود، تعفنها الناجم عن فساد سياساتها في مختلف المجالات المرتبطة بحياة الشعوب العربية.
لقد حضر المناضلون سواء منهم الشباب الأبناء الشرعيين للحركة أو مناضلي الجبهة الحقوقية و النقابية وفصائل اليسار الجذري، و هم يحملون في داخلهم هيبة الحركة، همومها المتوهجة التي مازالت تؤرق شرفاء هذا الوطن، رمزيتها القوية التي لا يعلى عليها مما تبقى من رمزيات أخرى في الساحة المغربية والتي تهاوت كأوراق الخريف إن لم نقل أصبحت كالأجهزة المفاهيمية المهترئة غير قابلة للاستعمال الوظيفي في مجال السياسات النضالية المرتكزة على القيم و المبادئ و الأخلاق.
ومهما كانت الأجواء الأمنية مشحونة، وصل المناضون إلى ساحات و نقاط المقرر التظاهر فيها سلميا للاحتفاء بالذكرى المجيدة لحركة 20 فبراير واستحضار تجربتها النضالية المتميزة ورمزيتها الفريدة من نوعها بما هي عنوان يكشف عن طبيعة التسلط و تغول الاستبداد لنظام سياسي يدعو للديمقراطية و يمارس نقيضها، وهي المفارقة التي طالما كانت مظاهرات حركة 20 فبراير على الصعيد الوطني، و في كل مدينة و قرية نائية، تكشف عنها بواسطة شعاراتها الدقيقة التي أبدعتها بشكل خلاق لتظهر للنظام السياسي حقيقة وجهه في المرآة عار من المساحيق التي تضفيها عليه خطاباته المنمقة عن الديمقراطية والتنمية والعدالة.
لكن هؤلاء المناضلين فاجأهم تصرف السلطات الأمنية بنشر رجالاتها بأعداد كبيرة في مختلف المدن بشكل يبعث على الاستغراب و أقاموا حواجز و قطعوا طرقات منعا لمرور المارة حتى لا يلتحقوا بالمظاهرات السلمية، وأصروا على منع المتظاهرين بالقوة و العنف كما هو حال مدينة الرباط، و أعطوا الانطباع بأنهم يتصرفون بشكل يوحي و كأن البلد كانت يوم السبت الماضي مهددة بعمليات إرهابية، و ليس بمظاهرات ووقفات سلمية دعت إليها الجبهة الاجتماعية التي تعرف السلطات الأمنية والإدارية و الحكومة بأن مكوناتها تنتمي كلها إلى حقل المجتمع المدني الذي لا سلاح لديه سوى سلاح النضال السلمي، و كان على السلطات الأمنية، بدل حرمان المناضلين و المواطنين الشرفاء من المشاركة السلمية في الاحتفاء بالذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير المجيدة باعتماد مقاربة القبضة الأمنية، أن تعمل بشكل حضاري للسماح بالتظاهر السلمي و ضمان نجاح هذا التظاهر لأن 20 فبراير جزء أساسي من التاريخ المعاصر للمغرب، و التي لولاها لما قرر ملك البلاد عام 2011 سن دستور جديد و إحداث لجنة خاصة لصياغته. ولكن ما حصل من مراقبة المظاهرات السلمية و عدم السماح للمناضلين المشاركة فيها بدعوى حالة الطوارئ الصحية المرتبطة بوضعية الجائحة، هو أمر لا يقنع أحدا و كأن ما قبل الجائحة كانت فعلا السلطات الأمنية تسمح فيه بالتظاهر السلمي.
وعلى أية حال كل ما يأتي من المجتمع المدني، و من قواه السياسية و الاجتماعية الحقيقية، سواء من مبادرات على شكل مقترحات و مطالب، بما فيها محاربة الفساد و محاكمة المفسدين و ناهبي المال العام، و دمقرطة الدولة على أساس اعتماد نظام البرلمانية الدستورية الحقيقية، و ضرورة اعتماد انفراج سياسي آني و ذلك بإطلاق سراح قادة حراك الريف و المعتقلين السياسيين و الصحفيين و الحقوقيين لإشاعة جو من الطمأنينة، فهو مرفوض حتى الآن، و لا تريد الدولة أن تلتفت لهذه المطالب الحقيقية التي تعد هي المفتاح الوحيد للخروج بالبلاد من المأزق التي حشرت نفسها فيه حتى أصبحت صورة البلد في الخارج كما لدى الرأي العام الديمقراطي الداخلي في حالة يرتى لها. و بالرغم من كل ما وقع من محاولات منع الاحتفاء بالذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير، فإن هذه الأخيرة سطع نجمها المضيء و رفرفت أعلامها التقدمية المتناغمة مع منطق التاريخ الذي حفظ لها في سجله مكانتها المرموقة التي، آجلا او عاجلا، سيعطيها موعدا حتميا لاستعادة دورها داخل المجتمع، و آنذاك سيندم كل من عمل على منع الاحتفاء بها.