صحافة البحث

روبورتاج.. الفنيدق مدينة تختنق بدون بدائل عن تجارة التهريب

- الإعلانات -

 بلغ اليأس بالبائع المتجول بدر حد “التفكير في الانتحار” جراء الأزمة التي تخنق مدينة الفنيدق منذ وقف تجارة التهريب من سبتة وإغلاق الحدود.

ويعرض بدر (32 عاما) إلى جانب عدد من الباعة الآخرين قطع ثياب وعطورا على الرصيف عند مدخل السوق الرئيسي في وسط المدينة الساحلية، والذي الذي كان يضج بالحركة قبل وقف ما يسميه “التهريب المعيشي”. ويقول إنه لا يجني اليوم أكثر من 20 درهما في أحسن الأحوال في اليوم.

ويضيف منفعلا “لسنا مع التهريب، لكن على المسؤولين توفير بدائل. تختلط علي المشاعر، أفكر أحيانا في الانتحار لولا الخوف على زوجتي وطفلي”.

قبل وقف التهريب في خريف 2019، كان آلاف المغاربة يعبرون يوميا على الأقدام المركز الحدودي البري نحو سبتة لجلب بضائع متنوعة لحساب تجار يبيعونها في الفنيدق ومنها إلى مختلف المدن المغربية، مستفيدين من الإعفاء من الرسوم الجمركية.

لقي هذا النشاط لسنوات رواجا تجاريا وسياحيا في المدينة وجذب إليها مهاجرين من مناطق أخرى. في حين ظلت منظمات حقوقية تطالب بوقفه وتوفير بدائل، خصوصا بعد حوادث تدافع في المعبر أودت بحياة 11 شخصا بين 2017 و2019، كما يذكر الناشط الحقوقي محمد بنعيسى.

وتسبب في خسائر في الجباية العامة قدرت بنحو أربعة إلى خمسة مليارات درهم سنة 2018، وفق تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وبينما كانت المدينة تنتظر بدائل، جاءت جائحة كوفيد-19 لتعمق أزمتها. فقد أغلقت الحدود منذ سنة في وجه الآلاف من سكان المناطق الشمالية الذين كانوا يعبرون للعمل داخل سبتة. إزاء تفاقم الوضع، بدأ سكان الفنيدق في التظاهر احتجاجا مساء كل جمعة منذ ثلاثة أسابيع.

وغاب السياح الذين يقصدون صيفا شواطئ المنطقة، فتحولت الفنيدق إلى “مدينة أشباح”، وفق تعبير بنعيسى.

عند المغيب، في ثالث أيام التظاهرات، جمع بدر وزملاؤه من الباعة الجوالين بضاعتهم من الرصيف، وانضموا إلى المئات من سكان المدينة المتجمعين في محيط المسجد المنتصب وسط المدينة، ليرددوا “الشعب يريد فتح الديوانة (الحدود)”.

ويشدد الكثير منهم في تصريحات صحفية على أنهم لا يطالبون بعودة التهريب، بل بفرص عمل عاجلا وبفتح الحدود في وجه العاملين قانونيا داخل سبتة.

وتقول إكرام (23 عاما) التي جاءت للتظاهر رفقة والدتها “لدي دبلوم في الفندقية، لكنني لا أجد عملا بسبب الجائحة، لا نطلب سوى العيش الكريم”.

وتعد فئة الشباب بين 15 و24 عاما الأكثر تضررا من ارتفاع البطالة العام الماضي بسبب الجائحة، وفق تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط. بينما فقد الاقتصاد المغربي عموما أكثر من 430 ألف وظيفة، ليرتفع مجموع العاطلين إلى أكثر من مليون ونصف.

ونبهت تقارير رسمية عدة في السنوات الأخيرة إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية وحرمان الشباب من ثمار النمو الاقتصادي، فضلا عن الفوارق بين مناطق نشيطة ومدن صغيرة ومتوسطة.

وتقول والدة إكرام التي كانت تعيل الأسرة من عملها كخادمة في المنازل في سبتة “أنقذ ابني الذي بالكاد أكمل 18 عاما، من الغرق عند محاولته الهجرة سباحة” نحو ساحل سبتة الذي يبدو على مرمى حجر من الفنيدق.

ويشير محمد بنعيسى إلى أن غرق ستة شبان من أبناء المدينة قبل ثلاثة أسابيع في محاولة للهجرة، كان سببا آخر لتظاهر السكان.

لكن مثل هذه الحوادث لم تؤثر في استعداد إسماعيل (23 عاما) “للسباحة نحو سبتة لو لم تكن الشرطة تراقب المكان”.

ويقول الشاب الذي ارتدى لباسا رياضيا “عملت بالتهريب عامين ونصف، ثم عدت للعمل في متجر عطور لكنني أظن أنه سيغلق قريبا! لم نبع أي شيء منذ يومين”.

بعدما منعت السلطات التظاهرة الأولى قبل ثلاثة أسابيع واعتقلت أربعة شبان بين المحتجين، سمحت بالتظاهر في يومي الجمعة التاليين. وأفرج عن المعتقلين بعد إدانتهم بالسجن مع وقف النفاذ ستة أشهر، إثر اتهامهم برشق القوات العمومية بالحجارة.

وأعلنت السلطات هذا الأسبوع إطلاق مشاريع إنمائية بنحو 45 مليون دولار، والشروع في توظيف نحو 700 سيدة ممن كن يعشن من التهريب في مصانع بالمنطقة.

عند مدخل المدينة، استؤنفت الأشغال لبناء منطقة تجارية حرة كان أعلن عنها سابقا، وترتبط بميناء طنجة المتوسط (أقل من 20 كيلومترا عن الفنيدق) الذي يعد الأكبر في المتوسط. علما أن شباب المنطقة يطالبون أيضا بالتوظيف فيه، وفق بنعيسى.

وتسببت تداعيات الأزمة الصحية في ركود اقتصادي غير مسبوق منذ 24 عاما في المملكة، بمعدل 6,3 بالمئة حسب تقديرات رسمية، بينما تراهن البلاد على خطة للإنعاش الاقتصادي تتضمن مشاريع استثمارية بقيمة 12 مليار دولار وتهدف لتجاوز الركود الذي سببته الأزمة الصحية من خلال صندوق استثماري أعلن عنه الملك محمد السادس في أواخر يوليوز. وحددت الحكومة الرأسمال الأولي لهذا الصندوق في ما يقارب 1,5 مليار دولار، بحسب بيان صدر مطلع فبراير.