لم يكن لأحد، قبل قصة المعاش الاستثنائي، أن يتوقع عزلة عبد الإله ابن كيران التي يعانيها اليوم داخل حزب «البيجيدي». الشعبوي الذي حمل نفسه ودار أرجاء المملكة ليخطب في الناس مع بروز حركة 20 فبراير، وحول خطابه في لحظة من مُشكك في نوايا حركة الشباب ليتوجه لخصمه السياسي حزب «الجرار» الذي كان يراد له أن يحصد انتخابات 2012 قبل ظهور الربيع، ليربح بذلك حزمة من المقاعد بوأته المركز الأول في الانتخابات التي نظمت قبل أوانها بسنة (2011)، أصبح اليوم معزولا بين اخوته لا كلام يسمع منه، كما عزل من حقل السياسة بعد أن اكتوى بنار المعاش الاستثنائي الذي وضعه في التقاعد السياسي رغما عنه.
تقنين الكيف الذي مررته حكومة البيجيدي لم تكن غير القشة التي قسمت ظهر ابن كيران. فالرجل أراد، قبل ظهور مشروع القانون، أن يعود للعب دور القيادي في الحزب والوسيط مع القصر عبر بوابة الناصح المهدّئ لقواعد المصباح لحظة توقيع العثماني لاتفاقية التطبيع مع إسرائيل، لكن خرجاته هدأت وانتهى الأمر. فكيف يكيل ابن كيران اليوم بمكيال استعمال الكيف لأغراض طبية ويرفضه ويدافع عن التطبيع مع إسرائيل ويقبله؟
الموضوعان يثيران الكثير من القضايا بالرجوع إلى الخلفية العقدية والأيديولوجية لحزب بنى مجده على «الحلال والحرام». قضية التطبيع مع إسرائيل كانت بمثابة القضية الأولى التي تنافس فيها الإسلاميون في المغرب مع اليساريين الذين كانوا يعتبرونها قضية تحرر قومية. لكن اليوم البيجيدي أسقط بنفسه أساطيره المؤسسة. ابن كيران، الذي يقدم على أنه زعيم حزبه، حاول مرارا أن يعود غانما بين إخوته، لكن مجال المصالح داخل « البيجيدي » اتسع أكثر من مجال «الصحبة».
ابن كيران غير صادق في انتفاضه من أجل الحرام. لماذا؟ لأنه بكل بساطة دافع عن ما أسوء من قرار تقنين استعمال الكيف لأغراض طبية. بل برر وشرعن مسألة عقد اتفاق مع الكيان الصهيوني الذي يعتبر من أكبر الخطوط الحمراء في الثقافة الإسلاموية. ولم يجد الأمين العام السابق لحزب المصباح سوى شمعة الكيف لينتفض ويقلب الطاولة عن إخوانه. ابن كيران لا يؤسس لرفضه لتقنين الكيف ولم يخرج في هذا الموضوع إلا عبر رسائل مكتوبة و موقعة بخط يده. فإن كان منطلقه الحرام فلا يمكن أن نخرج عن «منطق الفقها» وليعود صاحب المعاش الاستثنائي لفتاوى الكيف، وما في تحريم أو تحليل (من الحلال) من خلاف وسجال بين فقهاء أهل كتامة وماجاورها. فكما يحرم فريق ما يسميه بالنبتة الملعونة يجيز فريق آخر من الفقهاء، والذي عرفوا ـ « فقهاء الكيف » انتاج هذه النبتة وما تدره من أموال في قضاء الحاجات من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وحتى بناء المسجد وشرط الفقيه… فكيف يمكن أن يجتهد ابن كيران في تحريم استعمال نبتة لاستعمالات طبية كما نص على ذلك مشروع القانون المصادق عليه من قبل المجلس الحكومي؟
سبق أن كتبت ، بجريدة أخبار اليوم، أن ابن كيران قبل المعاش ورفض التقاعد، فبعد أن جرّب صاحب المعاش سياسة الجنائز ومحاولة العودة لحقل السياسية عبر “لايفات” سائقه « تيتي »، وعدم تفويت أي فرصة لكي يطل من صالونه الشهير، متحدثا في كل شيء، وخاصة في مواضيع يمكن أن تفتح له باب الحديث بكل شعبوية مثل: لغة التدريس واستعمال اللغة الفرنسية في تدريس المواد التقنية.. والرسوم المسيئة للرسول وعرضها في فضاء فرنسا العام، عاد مؤخرا بموضوع الكيف وتقنينه، محاولا العودة من رماد “الكيف” الذي أحرق إخوانه في الحزب، مرة أخرى، بعد توقيع العثماني تطبيع العلاقات مع دولة الميز العنصري (إسرائيل).
ابن كيران عرف أنه متخلى عنه، إلى غير رجعة، من قبل قيادات حزبه وكذلك محيط الملك الذي عوّل عليه في قضايا كثيرة بعد خروجه من رئاسة الحكومة، كنوع من رد الجميل عن ما أخذه من تقاعد مريح بعد إقالته، لذلك يحاول تحريك الجماد داخل حزبه لإحداث نوع من الضغط على إخوانه الذين قاطعهم ليجد مجالا للعودة من نار التقاعد محمولا على أكتاف، من كان يسميهم بـ « الصگوعة »، من بيته بحي الليمون إلى مقر حزب العدالة والتنمية الجديد في أفق الانتخابات المقبلة.