“أرى أن الترجمة محاولة لإنتاج نص شفاف لدرجة لا يبدو معها أنه مترجم. إنما الترجمة الجيدة أشبه بلوح من زجاج لا نلاحظ أنه موجود إلا إذا كانت فيه شوائب صغيرة، كالخدوش والفقاعات. ومن الناحية المثالية لا يجب أن يكون ثمة شوائب“.
نورمان شابيرو
مقدمة
الترجمة قديمة قدم الحضارات، فقد ارتبط تاريخها بتاريخ الإنسان، وكانت الطريق نحو تلاقح الحضارات والتقائها، فلولا الترجمة لما قامت قائمة للحضارة الإسلامية، إذ بفضلها تم الاطلاع على الحضارة اليونانية ونقلها إلى العربية ولولا الترجمة لما كان هناك بزوغ للحضارة الغربية التي نهلت من الحضارة الإسلامية لتنطلق وتصل إلى ما وصلت إليه من تقدم ورقي. فالترجمة هي آلية للاطلاع على ثقافات الآخر ونقلها والاستفادة منها، كما انها آلية للتواصل ونسج العلاقات وتقريب العوالم. فماهي الترجمة؟
- في تحديد مفهوم الترجمة
الترجمة هي التعبير بلغة أخرى عما كتب بلغة المصدر مع الحفاظ على الخصائص الدلالية والأسلوبية للنص المنقول. فكل نشاط تعبيري هو ترجمة، بطريقة أو بأخرى، وكل مظهر للتعبير عن المشاعر أو الأفكار أو العواطف والأحاسيس يمكن أن يترجم إلى إيماءات وحركات جسدية[1]. فكل تعبير بالقول أو الكتابة ترجمة، وكل ترجمة ليست سوى محاولة للإفهام، والأفهام جاءت بعد محاولة للفهم. فالكتاب والمترجمون والمتلقون ليسوا سواسية في القدرة على الاستيعاب والتأويل، حتى وإن كانت النصوص بلغاتهم الأصلية. والمترجم في حالتنا يحاول أن يقيم بناء لغويا آخر بكلمات أخرى وصيغ أخرى وتراكيب أخرى، يفرضها كلها اختلاف طبيعة اللغتين ومعرفة جيدة بالثقافتين والمخزون اللغوي، والقدرة على التصرف. ولما كانت الترجمة فعل تواصل وعملية فهم وإفهام، فإن تصرف المترجم لن يكون إطارا لغويا فحسب، بل يقوم المترجم بعمل إبداعي في لغة جديدة وإن كان بوحي من عمل آخر، لذا تتفاوت قدرات المترجمين بقدر تفاوت مستويات تكوينهم.[2]
إن عمل المترجم يتمثل مبدئياً في نقل المعنى أو الدلالة من لغة إلى أخرى. يقول ابن منظور صاحب لسان العرب إن ترجمة الكلام تعني نقله من لغة إلى أخرى. ولكن للترجمة في الحقيقة مظاهر أخرى تتجلى من خلالها:
- منها ما هو ضمني يستعمله الإنسان المتكلم بلسانين أو أكثر، وهو التداخل الحاصل من الاختلاط الذي يمكن أن يحصل بتطبيق نظام لغوي للغة معينة أثناء استخدام لغة أخرى، ويكون على عدة مستويات، كالمستوى الصوتي، والصوفي والتركيبي والدلالي[3] وهو ما يسمى بالتداخل اللغوي interférence linguistique.
- ومنها ما يتم في صلب اللغة الواحدة فلا يكاد يشعر به الإنسان، كالترجمة من اللغة الرسمية إلى اللغة العامية لغرض التواصل، والترجمة من لهجة خاصة إلى لغة قياسية، أو ضمن اللهجات أو الترجمة من لغة الكلام إلى لغة الإشارة أو تحديث نصوص قديمة ثقافيا ولغويا بإعادة صياغة تعابير كلماتها ولغتها[4].
- ومن الترجمة نوع ثالث هو الذي ينقل فيه المترجم من نظام دلالي أو سيميائي رمزي إلى آخر، كأن ينقل مثلا قصة فيترجم رموزها اللغوية إلى لغة المسرح أو السينما أو يجعل منها صوراً متحركة، أو ترجمة كلمة قف إلى ضوء أحمر وما إلى ذلك.
وإذا استثنينا النوع الأول الذي يسميه البعض ” الترجمة الذهنية ” كانت لنا ثلاثة أنواع من الترجمة أتى على ذكرها رومان جاكوبسون Roman Jakobson وهي كما يلي :
- الترجمة في صلب اللغة الواحدة intralinguale .
- الترجمة من لغة إلى أخرى interlinguale .
- الترجمة من نظام دلالي إلى آخر intersémiotique .
الترجمة التي هي اتصال بين لغتين ليست موقفاً لغوياً جامداً. وكما توجد علاقة جدلية بين العالم واللغة، هناك أيضاً علاقة جدلية بين لغة وأخرى: إن تعذر الترجمة بين لغتين ينجم عن تاريخ الاتصالات بين هاتين اللغتين بالقدر الذي ينجم فيه عن السمات الخاصة بكل لغة من اللغات. لذا يجب أن تأخذ دراسة إمكانية الترجمة من لغة إلى أخرى بعين الاعتبار نظامي هاتين اللغتين وأن تحللهما تحليلاً لغوياً وصفياً. وينبغي أيضاً النظر في تاريخ الاتصال بين هاتين اللغتين.[5] قد ميز طه عبد الرحمان في كتابه فقه الفلسفة والترجمة 1995 بين ثلاثة أنواع من الترجمة: الترجمة التحصيلية: يتم فيها تحصيل معاني المفردات والجمل بالشرح والتلخيص. والترجمة التوصيلية: توصل المعنى إلى القارئ بأسلوب بسيط وواضح. ثم الترجمة التأصيلية: وتقوم على تأصيل المنقول في الثقافة المستقبلة ليصبح جزءا منها[6]. حيث إن الترجمة ليست نقلاً للمادة الصوتية أو للمظهر المادي للرموز اللغوية، الدال signifiant، وإنما هي نقل للمعنى أو المدلول signifié،. ذلك أن كل نظام لغوي يشتمل على تحليل خاص به لظواهر العالم الخارجي، يختلف عن اللغات الأخرى وحتى عن مراحل أخرى من مراحل اللغة نفسها. وهذا النظام اللغوي ينتقل إلى الأجيال اللاحقة حاملاً لها، أو بالأصح فارضاً عليها تفسيراً معيناً للظواهر غير اللغوية[7]. لذا يجب شرح المفاهيم أولا في الترجمة وتقديم الفكر في إطار نسقه الثقافي ثم البحث عن مصطلحات تلائمه في اللغة المنقول إليها، مما يحتم على المترجم التنويع في الترجمة للوصول إلى الغرض المنشود فماهي أنواع الترجمة؟.
2. أنواع الترجمة
كتب شيشرون في القرن الأول قبل الميلاد عن الترجمة الحرفية (ترجمة الالفاظ) والترجمة الحرة (ترجمة المعنى)، وكان القديس جيروم في القرن الرابع الميلادي، يعتمد الترجمة الحرفية في ترجمة الكتاب المقدس باعتبارها أمينة في حين أن الشاعر الروماني هوراس الذي عاش قبله بعقود، وصاحب رسالة فن الشعر قد كان أكثر انفتاحا عليه حيث كان ينظر الى الترجمة على أنها تفاوض، وأنها خلق للنص في صورة نص آخر داخل سياق لغوي وثقافي مختلف له نظامه وخصائصه وسننه وأساليبه وصوره[8]“. وهذه الثنائية: الترجمة الحرفية والترجمة المباشرة معروفة حتى في تاريخ اللغة العربية، حيث يقول الجاحظ: “لابد للترجمان أن يكون بيانه في نفس الترجمة وزن في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقول إليها؛ حتى يكون فيها سواء وغاية”. ويضيف دلالة اتقان اللغتين حيث إن “كل واحدة تجذب الأخرى وتأخذ منها وتقترض عليها”[9]. فإذا كان نيومارك Newmark يميز بين اتجاهين في الترجمة:
ـ الترجمة الدلالية semantic التي تميل نحو الالتزام أو الوفاء للنص
ـ والترجمة التواصلية Comunicative التي تميل إلى اللغة الهدف وجمهور النص المترجم. فإن نيدا Nida يميز بين التكافؤ الشكلي Formal equivalence والتكافؤ المرن والديناميكي [10]Dynamicوهو ما اعتبره الكاتبان الكنديان فينيه Vinay وداربلنيه Darbelnet بالترجمة المباشرة والترجمة غير المباشرة.
فالترجمة المباشرة هي التي الترجمة الحرفية للنص المترجم ولها أنواع ثلاثة هي:
1– الاقتراض l’emprunt
وهي اقتراض لفظ من لغة أخرى بسبب عدم وجود مراف له في اللغة المترجم إليها وهذه الطريقة هي أسهل طرائق الترجمة، حدث أن المترجمون يستخدمونها في بعض الأحيان لإضفاء صبغة أسلوبية معينة أو طابع محلي ما. مثال ذلك استخدام كلمة “sauna” وكلمة “Kebab”. وكلمة “intifada”التي دخلت القاموس الإيطالي منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987. ومما يستحق الذكر هنا أن العرب قد اقتبسوا الكثير من الكلمات من لغات عديدة ونجد أن عددا كبيرا من المصطلحات الأجنبية من مختلف التخصصات واردة في القواميس العربية من قبيل:”المول” “الباراسيتامول” “الايميل” “التراجيديا” والكوميديا” وغيرها، كما اقتبست منهم شعوب أخرى عدداً كبيراً من المفردات.
2- القولبة أو المحاكاة اللغوية le calque
وهي ترجمة الالفاظ عن طريق تتبع بنية اللغة المصدر، وذلك باقتباس تعبير معين وترجمة العناصر المكونة له ترجمة حرفية buon fine settimanaنهاية أسبوع سعيدة.
3- الترجمة الحرفية la traduction littérale
الترجمة الحرفية قريبة من النسخ وتقوم على ترجمة النص كلمة- كلمة فلا تحيد عن النص الأصلي ولا تخالف نظام اللغة الهدف. وفي هذا النوع من الترجمة لا يلجأ المترجم إلى التغيير إلا للتقيد ببنيات لغة الوصول، حيث يصل إلى تحقيق نص صحيحا ومفهوما في اللغة الهدف. رأيته يمر l’ho visto passare . لا يعتقد الرأي العام أن الغزاة يستطيعون الانتصار l’opinione pubblica non crede che l’invasori possano trionfare. .
يمكن اعتماد الترجمة الحرفية طالما كانت النتيجة مرضية، وتم الحصول على نص مقبول في اللغة الهدف لا يتعارض مع بنياتها. أما إذا لم تف هذه الترجمة بالغرض، يلجأ المترجم عندئذ إلى الترجمة غير المباشرة لأن الرسالة :
– أعطت معنى مغايرا،
– لم تؤد المعنى،
– استحالت ترجمتها لأسباب بنيوية،
– لا تتطابق مع أي شيء في اللغة الهدف،
– تتطابق مع شيء ما ولكن من سجل لغوي مختلف[11].
الترجمة غير المباشرة، وهي ترجمة معنى النص ولها أربعة أنواع:
- النقل أو الاستبدال Transposition وتقوم هذه الوسيلة على الانتقال من فئة نحوية إلى أخرى دون تغيير في معنى النص، أي استبدال جزء من الرسالة (الاسم أو الفعل أو الصفة أو حرف الجر…) بجزء آخر دون أن يؤدي ذلك إلى ضياع في المعنى ولا إلى تغيير في مضمون الرسالة من قبيل “يعتقد الرئيس أن ” “il presidente crede che” باللغة الايطالية. ويعتبر النقل وسيلة موجودة في إطار اللغة الواحدة، إذ يمكن أن نقول باللغة العربية ” اكمل عملك قبل أن تخرج ” أو ” أكمل عملك قبل خروجك ” أي أننا استبدلنا الجملة الفعلية في الجملة الأولى بجملة اسمية في الجملة الثانية. و يمكن أن تندرج في إطاره حالتان خاصتان هما التبديل الثابت، والترجمة بالزيادة أو النقصان، حيث تتم زيادة كلمة أو نقصانها لأداء المعنى.
- التعديل Modulation وهو وسيلة يلجأ إليها المترجم عندما يرى أن الترجمة الحرفية أو حتى المنقولة قد تفضي، في اللغة الهدف، إلى عبارة صحيحة نحوياً وإنما لا تتناسب مع روح اللغة وطرائق التعبير فيها. وهذه الطريقة لا تقوم كسابقتها على التغييرات الشكلية في أنواع الكلام، وإنما على التغيير في الرسالة نفسها، أي أن التعديل يعمل على صعيد الفكرة، وذلك بتغيير تركيب الجملة مثل ” شبعت ” ترجمة للعبارة بالايطالية” “non ho più fame” التي تعني في الواقع ” لست جائعا “، أو ” كل عام وأنتم بخير” ترجمة لعبارةBuona festa الإيطالية”، “لم يتحرك قيد أنملة” “non molla di un centimetro” أو “èrimasto fermo”. و تجدر الإشارة إلى أن التعديل يمكن أن يكون اختيارياً أو إلزامياً. ويمكن التمييز بين التعديل الذي يتناول المفردات والتعديل الذي يطال القواعد النحوية.
- النظير أو إعادة الصياغة Equivalence: وهو استخدام تعبير مختلف تماما لنقل المعنى، حيث نصادف نصين يشيران إلى موقف واحد وإنما يعبران عنه بوسائل أسلوبية وبنيوية مختلفة تماماً. في هذه الحالة نقول إن ثمة تعادلا أو تقابلا بين الموقفين. يلجأ المترجم إلى الترجمة بالمعادل أو المقابل عندما لا تجدي الترجمة الحرفية نفعا، ولا يساعد النقل ولا التعديل في التعبير عن الموقف ذاته في اللغة الهدف. والمثال التقليدي على الترجمة بالمعادل أو المقابل هو ردة فعل ذلك الشخص الذي يثبت مسماراً في مكان ما وتصيب المطرقة أصابعه، فإن كان فرنسياً صرخ : “! Aïe “، وإن كان إنجليزياً صاح : ” Ouch ! “. فالترجمة بالنظير تطال إذن الرسالة برمتها وبمعناها الإجمالي، و تشمل العبارات الثابتة، والحكم والأمثال، وآداب السلوك، وأدوات التعجب والاستفهام وما إلى ذلك. وهي تتطلب من المترجم معرفة عميقة بثقافة اللغتين المصدر والهدف فضلا عن المعرفة الجيدة بالنظامين اللغويين. لنأخذ مثالاً آخر بسيطاً وهو الرد على عبارة الشكر الإنجليزية thank you، فالرد الإنجليزي you re welcome هو بالإيطالية di nulla وبالعربية هو العفو وليس” على الرحب والسعة ” أو ” أهلا وسهلا “.
- الاقتباس والتكييف Adaptation: هذا النوع من الترجمة يقع بين الترجمة والإبداع لأنه يقوم على التعبير عن موقف في اللغة المصدر لا وجود له في اللغة الهدف، وذلك بالرجوع إلى موقف مشابه يؤدي الغرض. إن الاقتباس والتكييف نوع من المعادلة والمقابلة وإنما على صعيد الموقف. وأبسط حالات الاقتباس نصادفها في ترجمة المقاييس والأوزان المختلفة، كاستبدال الأميال بالكيلومترات على سبيل المثال، وأعقدها ترجمة العبارات التي تتضمن تلاعباً بالألفاظ[12].
فجودة الترجمة تستدعي الخروج أحيانا عن إطار النص والتدخل فيه بإعادة شرحه وإفهام مقاصده مما يولد صعوبات جمة تعترض سبيل المترجم في بلوغ مقصود الترجمة وهذا ما سنبينه في هذا المحور.
- صعوبات الترجمة وإشكالية المعنى
من الصعوبات التي تجابه أي مترجم نجد:
تباين منطق اللغات وأساليبها ودلالاتها وألفاظها، وغموض الأصل وعدم فهمه جيدا، وعجز المترجم عن التعبير بلغته الأصلية. فكلما اقترب المترجم أكثر من مضمون النص الأصلي ضحى بجمالية الأسلوب[13] وكلما بالغ في التطنيب وجمالية الأسلوب ابتعد عن المضمون. لذا فالترجمة الجيدة تستلزم الالتزام بالنقل الأمين للأصل وتحقيق التعادل بين لغة النص واللغة المترجم إليها[14]. هذا بالإضافة إلى وجود بعض الكلمات التي لا يوجد لها مقابل في اللغة المترجم إليها مثل عم وخال التي تعني باللغة الإيطالية تسمية واحدة zio، وخواص التركيب مثل المثنى يقابله في الإيطالية الجمع فقط، والنسب الاسنادية لا تطابق نظيرتها من لغة إلى أخرى، بالإضافة إلى إشكالية المصطلح من مثل تعدد ترجمات المصطلح deconstrazione التي ترجمها البعض ب”تفكيف” والبعض الآخر ب” تشريح” والبعض ب”تقويض”، prevatizzazione التي ترجمها البعض ب”خصخصة” وترجمها البعض الاخر ب”تخصيص” و contestualizzazione التي ترجمها البعض ب”التناص” والبعض الاخر ب”النصنصة” والبعض ب”تنادي النصوص”. وعادة ما يقع الخلل من جهة استعمال المجازات[15]. فاللغة العربية مثلا، لغة أوزان وجزء من دلالة الكلمة العربية يأتي في صيغتها، ولكل وزن معان محددة يجب على المترجم مراعاة المعنى الصرفي إلى جانب المعنى المعجمي: “أعين” ج عين باصرة “عيون” ج عين الماء، “عباد” ج عبد تحيل إلى شخص و”عبيد” تحيل إلى مملوك، بالإضافة إلى التعبيرات المجازية[16] التي تعكس خبرة اجتماعية وثقافية معينة لها دلالتها التي يفهمها أبناء اللغة مثل البيت الشعري الاتي:
طرقت الباب حتى كل متني فلما كل متني كلمتني
فقالت لي أيا اسما عيل صبراً فقلت لها يا اسما عيل صبري
يقول إمبيرتو إيكو: “لكي تفهم نصا ما، أو على الأقل، لكي تقرر كيف يجب أن يترجم لابد للمترجمين أن يرسموا العالم الممكن الذي يصوره ذلك النص. وهم غالبا لا يستطيعون إلا أن يصوغوا فرضا حول ذلك العالم الممكن. وهذا يعني أن الترجمة هي نتيجة تضمين أو سلسلة تخمينات، وما إن يتم إطلاق تضمين معقول حتى يتخذ المترجمون قراراتهم اللغوية استنادا إليه. وحين يتوفر أمام المترجمين كامل طيف المحتوى الذي تعرضه المادة المعجمية لابد أن يختار المترجمون أكثر المعاني المناسبة أو ذات صلة بذلك السياق”[17]. فلترجمة النص على المترجم أن يقرأه قراءة دقيقة ومتأنية، ويحاول فهم كل دلالاته المعجمية وظلال معانيه، لما فيه من دلالات وإيحاءات فكرية وثقافية؛ فالفهم الجيد والقدرة على التعبير هما الجناحان اللذان يحلق بهما المترجم[18]. فكلما فهم المترجم معنى النص فهما جيدا كلما اقتربت ترجمته من نبضات روحه ومن قصد الكاتب[19]، كما يقول الجاحط: “تقوم الخطوة الأولى في عملية الترجمة على مقابلة الكلمة بالكلمة ومحاولة إيجاد اللفظ المطابق بين اللغتين المترجم منها والمترجم إليها، وهي خطوة يسيرة مقارنة بما يتبعها من خطوات أخرى، مثل التعامل مع التعبيرات المجازية والمسكوكة، والتعرف على السياق الملائم، وإعادة تشكيل عناصر الجملة وصولا إلى الفهم.”[20] فالترجمة تتطلب معرفة دقيقة باللغتين، نحوا وصرفا وتركيبا ونحوا، ومعرفة جيدة بتاريخ وثقافة اللغتين، أي معرفة جيدة بالحضارة التي تتحدث عنها اللغة: معرفة الحياة الاجتماعي والثقافة والتاريخية وخصائص الشعوب مما يسهل من فهم السياق والوصول إلى المعنى.
بالتالي فالترجمة تتطلب استيعابا للخلفية الحضارية والتاريخية والثقافية للنص المترجم والقدرة على التعامل مع المستويات اللغوية المختلفة. التقريري منها والايحائي لمعرفة البعد الثقافي والرمزي الذي يعتبر الرحم الثقافي للنص، والارضية الخصبة للترجمة.
خاتمة
إذا كانت الثقافة هي أسلوب حياة ومظاهر مجتمع معين فإن الترجمة هي آلية لنقل هذه المظاهر والتعريف بهذا الأسلوب في حضارة أخرى ولن يتأتى هذا إلا بمعرفة هذه الثقافة معرفة جيدة ونقلها نقلا أمينا يحافظ على سياقها وخصوصياتها ويبين ميزاتها. ولتحقيق هذا لابد من معرفة معاني النص المترجم وحيثياتها وظلالها اللغوية والحضارية والتباري معه بشكل مباشر، بالترجمة الحرفية كلما كانت تؤدي غرض إيصال رسالة الكاتب دون عوائق في اللغة المنقول إليها وبترجمة غير مباشرة بتدخل المترجم في إفهام مقصد النص وتبيانه كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
[1] علماني صالح، الترجمة الأدبية مهمة شاقة ولكنها ممتعة، تحت إشراف، الامام مجاب وعبد العزيز محمد، الترجمة واشكالية المثاقفة، منتدى العلاقات العربية الدولية، قطر، 2014، ص. 135.
[2] الشايب طلعت، المترجم طليقا، عن التجربة وصاحبها، تحت إشراف، الامام مجاب وعبد العزيز محمد، الترجمة واشكالية المثاقفة، منتدى العلاقات العربية الدولية، قطر، 2014، https://www.youtube.com/watch?v=rOTW24nnu68
[3] https://www.aqlamalhind.com/?p=938
[4] https://benjamins.com/online/target/articles/target.28.3.05kar.ar
[5] الحمصي محمد نبيل النحاس، مشكلات الترجمة: دراسة تطبيقية، مجلة جامعة الملك سعود، م. 16. اللغات والترجمة، 2004. https://www.academia.edu/20071563/إشكاليات_الترجمة
[6] اولحيان إبراهيم، الترجمة: المثاقفة وسؤال الهوية الثقافية، تحت إشراف، الامام مجاب وعبد العزيز محمد، الترجمة واشكالية المثاقفة، منتدى العلاقات العربية الدولية، قطر، 2014، ص. 252.
[7] الحمصي محمد نبيل النحاس، نفس المرجع السابق.
[8] https://www.alaraby.co.uk/culture/الترجمةُ-نَسيلةً
[9] الشايب طلعت، نفس المرجع السابق.
[10] إسماعيل صالح محمد، إشكالية ترجمة نصوص ذات الخصوصية الثقافية والدينية، ، تحت إشراف، الامام مجاب وعبد العزيز محمد، الترجمة واشكالية المثاقفة، منتدى العلاقات العربية الدولية، قطر، 2014، ص. 425.
[11] موران جورج، علم اللغة والترجمة، ترجمة احمد زكريا إبراهيم واحمد فؤاد عفيفي، المكتبة الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002، ص. 69. محمد نبيل الحمصي، نفس المرجع السابق.
[12] نفس المرجعين السابقين
[13] علماني صالح، نفس المرجع السابق
[14] شفيق فريد ماهر، من إشكالات الترجمة الأدبية وخصوصيتها الثقافية، تحت إشراف، الامام مجاب وعبد العزيز محمد، الترجمة واشكالية المثاقفة، منتدى العلاقات العربية الدولية، قطر، 2014، ص.205.
[15] طلعت الشايب، نفس المرجع السابق.
[16] نفس المرجع السابق.
[17] الغانمي سعيد، الترجمة صنفا أدبيا، ، تحت إشراف، الامام مجاب وعبد العزيز محمد، الترجمة واشكالية المثاقفة، منتدى العلاقات العربية الدولية، قطر، 2014، ص.234.
[18] علماني صالح، نفس المرجع السابق، ص. 139.
[19] علماني صالح، نفس المرجع السابق، ص. 139.
[20] صلعت الشايب، نفس المرجع السابق.