صحافة البحث

سُليمان الرّيسوني.. الحُرية أو الموْت

- الإعلانات -

مرَّت سنة (22 ماي 2020 – 22 ماي 2021). صحافيٌ مُلتزمٌ في زنزانته الباردة بين الموت والحرية. سُليمان الريسوني مُعتقلٌ تعسفيا. ومنذ اليوم خارج استثناء القانون نفسه، الذي حدد مدة الاعتقال الاحتياطي في سنة على أكثر تقدير (المادة 177 من قانون المسطرة الجنائية). بعد التعسف في تأويل متابعته في حالة اعتقال، وهو الذي تشمله جميع شروط الحضور للمحاكمة وله عنوان قار، ينضاف تعسف تجاوز مدة مُتابعته السنة دون صدور حكم أو تمتيعه (كغيره) من متابعةٍ في حالة سراح، وضمانٍ لشروط محاكمته بعدل، وتوازن مع أطراف القضية الآخرين (النيابة العامة والمُطالب.ة بالحق المدني). 

أن تشتري زوجة الصحافي كفنا، وتنشره على في وسائل التواصل الاجتماعي، محذرة من إمكانية اشتياق روح للحرية خارج جسدٍ معتقل، أليس مأساة؟ الريسوني اليوم مضربٌ عن الطعام لا لشيء غير مطالبته بمُتابعة عادلة وخارج الاستثناء. 

مُيِّعت سيرورة المُتابعة. استبقت الحقيقة القضائية. حوكم الريسوني، قبل عرضه على قاضي التحقيق، من قبل من يفترض أنهم زملائه. وبعض ممن عليهم المدافعة عن حريته في الرأي وحتى العوم ضد التيار، يصمتون. لا يُدينون صراحة وجود صحافي داخل قضبان زنزانة لسنة دون محاكمة. يُصارع الموت من أجل الحرية، بإضراب عن الطعام وصل لمرحلة الخطر. 

من يده في الماء ليس كمن يده في النار. أستحي أن أطالب الريسوني بالتخلي عن الدفاع عن حريته. مواجهة اعتقال ظالم. لكن أخاف أن يسبق السيف العدل، وأن تحلّق روحه طلبا لحرية أوسع من ضيق زنزانته وحالنا. من يتشبث بالحرية أكثر الناس تشبثا بالحياة. لذلك على المسؤولين التحرك لإنهاء هذه المأساة. 

وزراء البيجيدي، وخصوصا العثماني والرميد، هم أول المسؤولين عن وضع الصحافي الريسوني الصحي داخل زنزانته. ولسخرية الأقدار فهؤلاء الوزراء تابعين لحزب كنت يا سُليمان، بالإضافة إلى صحافيين أحرار، تدافع عنهم (صوتا وصورة وقلما) أيام “البلوكاج الحكومي” !  

هناك من سينتقدني ويعتبر أن الملف أكبر من وزراء الحكومة. نعم، لكن كم من الأشياء ضاعت في عدم محاسبة المسؤولين عن مسؤولياتهم؟ حقوق ضاعت لأن من يتحملون المسؤولية مباشرة لا تتم الإشارة لهم بالأصبع. تلمس لهم الأعذار بأن لا حول لهم ولا قوة؟ وهذا أصل الداء. داءُ القبول والخضوع للعبة وصلت بالعبث إلى مداه. 

سليمان الريسوني، صحافيٌ. مُجتهدٌ. عِصاميٌ. يؤمن، كما عرفته، بمبدأ الحرية التامة. آمن بالدفع نحو الديمقراطية وحرية التعبير. حمِل همُّ التغيير الاجتماعي والسياسي. شاركنا تجارب صحافية انتكست ككل شيء تحرري في هذا البلد. حقّق وحَاور. مزج بين الصحافة والفكر للوصول إلى المعنى. وعندما تجاوز العبث محاولاته، قرر، قبل أن يتم اعتقاله، التراجع وإكمال مسيرته عبر الكتابة الأدبية. هكذا أخبرني في آخر لقاء بيني وبينه: « لم يعد أي شيء يحمل المعنى، وتجربة أخبار اليوم يريدون قتلها لذلك قررت أن أختلي لكتابة روايتي المؤجلة وخط سيناريوهات للتلفزيون ». لكن اعتقل سُليمان من أمام بيته قبل سنة والبقية تعرفونها… 

من العبث استمرار اعتقال سليمان الريسوني بدون محاكمة.ويجب الإفراج عنه اليوم قبل غدا (23 ماي 2021) وتطبيق روح القانون الذي يمنع الاعتقال الاحتياطي، ويعتبره تعسفا إن تجاوز مدة مقيدة زمنيا في شهرين (في حالة المتابعات الجنائية)، قابلة للتجديد بتعليل مفصّل من القاضي في حدود السنة. بطبيعة الحالة المساطر المعمول بها في المغرب، وكذلك دول أخرى، تُعطي هذه الصلاحية لقاضي التحقيق، وفي كثير من الحالات يتم إحالة المُتهم أو المُتابع قبل انقضاء السنة (وهو ما حدث في ملف سليمان الريسوني). لكن مبدأ الحرية، مبدأ عام. ويجب على قضاء الحكم (الجالس) أن يعودوا إلى المبادئ العامة للقانون، وتجاوز الاستثناء (المقيّد) الذي انقضى أجله، بإطلاق سراح رجل آمن بالحرية لحد المخاطرة بحياته.