عكس التقرير العام، الذي يقدم محاور تقرير النموذج التنموي بكلام عام ومختزل، بل مجتزأ في الكثير من مضامينه، تظهر المذكرات الموضوعاتية، التي نشرت اللجنة خلاصتها فقط، أكثر وضوحا في تقديم اقتراحات نموذج تنموي في شكل مشاريع تختلف بين الاقتصاد، المجتمع، الثقافة، الحاكمة، الرابط الاجتماعي، التربية… وغيرها من المشاريع. تقدم تشخيصا نقديا لأدائها الحالي ومقترحات تغيير يقيس هيكل الدولة في المستويات الدنيا وفي مستوى الحكومة في أعلى هيكل، مع إشارات محتشمة لبعض التوصيات المهمة التي شملتها المذكرات.
“تتجلى الأهمية المركزيـة للمؤسسـة الملكيـة فـي ضمـان الاستقرار والوحدة احتـرام التعددية. بيـد أنـه، وبالرغـم مـن أن الدسـتور حـدد بوضـوح العلاقـة بيـن مختلـف السـلط، إلا أن تفعيـل هـذه العلاقـة وتوزيـع الأدوار فـي إطارها لا يـزال فـي تصـور الكثيريـن مبهمــا ويفتقــر للوضــوح مســهما بذلــك فــي نــوع مــن عــدم المســؤولية وحالــة مــن الترقــب والانتظــار لــدى صانعـي القـرار العمومييـن، كمـا أن غيـاب مسـطرة محـددة لمسلسـل المصادقة علـى السياسـات العموميـة وفقـاً للضوابط الدستورية يفسـح المجـال أمـام ممارسـات قـد تفضـي إلـى التداخـل أو التجـاوز، التـي تحـد من مصداقية المؤسسـات. وكخلاصـة، يعانـي نظـام المسـؤوليات مـن هـذه التداخـلات ممـا يصعـب مـن مهمـة تحديـد نطـاق هـذه المسؤوليات وتفعيــل آليات المساءلة”. (المذكرات الموضوعاتية: الرهانات والمشاريع. ص:264).
هذه الفقرة من تقرير المذكرات الموضوعاتية الملحق بتقرير اللجنة. تختزل جزء من مشكل عدم تفعيل المساءلة ويختزل مشكل عدم تفعيل آليات المساءلة إلى التداخل أو التجاوز، من طرف المؤسسات التي لا تحدد الممارسة العلاقات فيما بينها. وبالأخص العلاقة بين المؤسسة الملكية وباقي المؤسسات. هذه الخلاصة المهمة والتي تضع الأصبع على عطب جوهري في بنية النظام السياسي المغربي، لا وجود لها في التقرير العام الذي تم تعميمه، بل توجد الإشارة له في ملخص المذكرات، وبطبيعة الحال لم تنشر اللجنة المذكرات الموضوعاتية كاملة التي من الممكن أن تشمل توصيات جوهرية على مستوى العلاقات بين المؤسسات الدستورية.
ذكر التقرير العام، المؤسسة الملكية، في 11 موضعا كان أغلبها استشهادا بخطب ملكية سابقة، وعندما تحدث (التقرير العام) عن دورها اعتبر: أن “المؤسسة الملكية، بكونها رمزا للاستمرارية التاريخية والاستقرار تشكل الدعامة الأساسية لهذا البناء و تعطـي للأمة القدرة والجرأة الضروريتين لتطورها وازدهارها. إن جلالة الملك، الـذي يجسد هـذا التفرد، هــو الضامـن للتـوازن بيـن دولــة قويــة وعادلــة و مجتمــع قــوي ودينامي. وهــو يكرس القيـادة الضرورية لتحقيق الطموحات التاريخية الكبرى ولتتبعها وضمان استمراريتها”. (التقرير العام، ص: 10).
جهوية تحت سلطة الداخلية
السلطة على المستوى الجهوي، عرفت أيضا ارتباكا بين تقرير لجنة النموذج التنموي وملحقه « المذكرات الموضوعاتية »، حيث أن ملخص الدراسة الموضوعاتية ينتقد وجود الوالي في قلب عملية اللاتمركز الإداري حيث أوضح ملخص المذكرات الموضوعاتية أن « مشــروع اللالتمركــز الإداري يضــع والــي الجهــة فــي قلــب عمليــة التنســيق وتناغم السياسـات العموميـة و تنظيـم عمـل الدولـة علـى المستـوى الجهـوي. ومـع ذلـك، فـإن العلاقـة بيـن الوالـي ورؤسـاء الجهـات مـن ناحيـة، وبيـن الوالـي وممثلـي المصالح الخارجيـة مـن ناحيـة أخـرى، غيـر محـددة بوضـوح، ممـا يساهم فـي جعـل سلسـلة المسؤوليات معقدة وغير واضحة ». (ملخص المذكرات الموضوعاتية، ص:176) بينما يرى التقرير العام أن الحاجة إلـى إرسـاء جهويـة فعليـة تتطلب (منـح المزيـد مـن المسـؤولية للجهات مـن خـال نقـل اختصاصات معينـة و تعبئـة المـوارد الخاصـة بالجهـة، التعاقـد، التمركـز فعلـي يسـند للـوالي، والتشـاور الدائـم مـع الفاعليـن علـى المسـتوى الجهـوي).. (التقرير العام، ص: 27)
أيضا لم تفتح اللجنة النقاش على وصاية ولاة وزارة الداخلية على الجهات والجماعات الترابية. وبذلك يكون التراجع عن إلغاء الوصاية لتطبيق ديمقراطية محلية حقيقية. وكذلك انتخاب رئيس الجهة بشكل مباشر لتحقيق تمثيلية حقيقية لرئيس مجلس يكون تعبيرا عن الإدارة الانتخابية للجهة، وليس رئيس يحمل بناء على التحالفات البعد-انتخابية إلى مقعد رئيس الجهة. والتاريخ أظهر وصول مرشح إلى رئاسة جهة، بالتحالفات وجلب كبار المصوتين، رغم عدم حصوله على أكثر من 140 صوتا في جماعة قروية.
الدوار: أزمة الديمقراطية التشاركية
توصية جد مهمة في تحقيق التنمية على المستوى المحلي وخصوصا القروي، تم التطرق له في ملخص المذكرات الموضوعاتية للنموذج التنموي وهو « الاعتراف بالدوار كوحدة وتعزيز مشاركة سكانها » (المذكرات الموضوعاتية، ص: 200) لكن كيف يمكن تعزيز مشاركة ساكنة، أصغر وحدة سكنية في الجهة، دون استقلالية جهوية وعلى مستوى الجماعات الترابية أولا. فأثر الفعل لدى المستشارين الجمعويين في الجماعات الترابية، خصوصا القروية، بدون فعالية، فكيف يمكن أن تتحقق ديمقراطية تشاركية على مستوى الدوار، في ظل عدم الفعالية المؤسساتية هذه ؟
الثقافة: سوء الفهم مازال مستمرا
“الثقافة من أجل تحرر الفرد واستقلاله”. مازال هذا المفهوم للثقافة لم يفكك أو يفهم في أي برنامج أو مقترح من المقترحات التي سبقت تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي. وكذلك كان في مقترح اللجنة الذي يختزل المطلب الثقافي في خلاصة: الرفع من ميزانية الثقافة إلى 1 بالمئة، مضاعفة عدد الموارد البشرية الذين يشتغلون في الصناعات الإبداعية وبلوغ معدل قراءة كتابين للفرد الواحد في سنتين. (ملخص المذكرات الموضوعاتية، ص: 153-154). دون الحديث عن أي مضمون ثقافي يجب أن يحدد وكيف يمكن أن يتم من خلال الثقافة نشر التحرر والفكر النقدي؟ أما التقرير العام فقد اختزل عبارة المطلب الثقافي في عبارة يمكن أن تقول كل شيء ولاشيء :
« فـي مجـال الثقافـة، تطالب الفئـات الشـابة، بشـكل خـاص، بتثميـن ومضاعفـة الفضـاءات المخصصـة للتعبيـر الثقافـي والفنـي والبنيـات التحتيـة والألنشـطة الرياضيـة. وتعتبـر الثقافـة المتاحـة للجميـع ليـس فحسـب مصـدرا لتنميـة قـدرات الفـرد، بـل أيضـا شـرطا ضروريـا لبنـاء مجتمـع ديمقراطـي وعيـش مشـترك متناغـم يتناسـب مـع ثـراء المغـرب وتنوعـه الثقافـي. كمـا أكـد المقاولـون فـي المجـال الثقافـي الذيـن تـم الإنصـات إليهـم علـى أن الثقافـة يمكـن أن تصبـح قطاعـا مهمـا لخلـق فـرص الشـغل والثـروة ». (التقرير العام، ص: 36)
هذه بعض نقاط العتمة التي تمت ملاحظتها، عبر قراءة عرضانية لتقرير اللجنة الخاصة بالجهوية، ويمكن نقاش نقاط أخرى في مقالات قادمة.