الثقافة في تقرير النموذج التنموي: طريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة
أغلب مضامين الفقرة الخاصة بالثقافة في تقرير النموذج التنموي هي تكرار آخر لتذكير مفاهيم الثقافة ، التراث ، “دور الثقافة” ، “الممارسات الثقافية”، وليست تشخيصا لتمكين الثقافة لتكون مدمجَة بشكل عرضاني ومسبق للنموذج التنموي.
يتحدث التقرير عن “عدم وضوح المحيط والافتقار إلى الرؤية” في الحين أنه، نفسه، لا يوضح المحيط ويفتقر إلى رؤية لدور الثقافة في التنمية.
“الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة” وهذا التقرير، وبالأخص في المسألة المتعلقة بالثقافة كركيزة للتنمية، مفروش بنوايا حسنة لا توصل إلى التنمية الحقيقية عبر الثقافة.
وضع المغرب الكثير من المخططات التنموية (من 1957 إلى الآن) والسبب الرئيسي لفشل هذه المخططات هو عدم تبنّيها من قبل الشعب.
فالشعب لا زال يعتبر أن هذا النقاش لا يهمه. فهو نقاش نخبوي. سيظل الشعب يتجنب ما يعتبره يهم النخبة فقط. اعتماد النموذج التنموي في رأيه شيء مسلمٌّ به، ولا يعنيه لأنه لا يجد فيه توجها لإقناعه منطقيا بمضمونه. وأحسن طريقة تمكن اندماج الشعب في هذا العمل الجماعي هي العمل والإنتاج الثقافيين (مسرح، سينما، موسيقى…).
أيضا هذا التقرير مليء بمفاهيم لا تهم الشعب بشكل مباشر. “الإشعاع على الصعيد الدولي، طابع التراث، والصناعات الإبداعية”… توجه منقول من تقارير منظمات حكومية دولية كاليونسكو، على سبيل المثال لا الحصر. فهذه التقارير لا يقرأها أحد من غير أولئك الذين كتبوها وبعض الخبراء. تحمل في مضمونها الكثير من حسن النوايا بدون إشارة إلى كيفية التطبيق. ولا كيف يمكن أن يتبناها الشعب حتى تصبح قيما جديدة متناسبة ومتناسقة مع نموذج تنموي، لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان مستداما.
التقرير في شقه الثقافي أوصى بثلاث غايات مُستهدفة في أفق سنة 2035. واحدة منها هي جلب الشعب للقراءة، في الوقت الذي يتضمن هذا التقرير العام بملحقاته 656 صفحة بأربع لغات. فإذا كانت الأغلبية لن تقرأه فكيف لها أن تتبناه.
الغايتين المستهدفتين الأخرى هما غايتين اقتصاديتين وليست ثقافيتين. “الرفع من الميزانية المخصصة للثقافة إلى 1 بالمئة على الأقل من الناتج الداخلي الخام (حاليا حوالي 0,1 بالمئة)” بدون أن يحدد التقرير أين ستذهب هذه الميزانية وبأي مضمون ثقافي (التربية الفنية، الممارسات الثقافية، التكوين الفني، تكوين الإداريين والتقنيين، تنظيم السوق الداخلي، تحبيب الفن للأطفال..). دون الحديث عن حرية التعبير والإبداع.
الغاية الأخرى متعلقة بالصناعات الإبداعية وهدفها هو “زيادة عدد فرص الشغل بالضعف أو حتى بثلاثة أضعاف (حاليا 40 ألف وظيفة)… “. هذه غاية كمية وليست كيفية. فقبل الوصول إلى الصناعات الإبداعية يجب الحديث عن مسؤولية الدولة في الخدمات العمومية كالتربية الشعبية، المعاهد الموسيقية، التكوين الاحترافي للإداريين والتقنيين، المكتبات العمومية…
هاتين الغايتين الأخيرتين منتوج لوبيات أقلية تحقق أرباحها من التنشيط والعمل الترفيهي منذ عقود.
يتحدث أيضا التقرير عن “توجهات تستهدف استقلالية وسائل الإعلام، سيادة الصورة والحفاظ على التراث”. نعلم، أولا، أن ما يلزم استقلالية وسائل الإعلام قبل أي شيء: حرية التعبير. ونعلم أيضا أنها غير متوفرة بسبب سياسي محض. وفي غياب توجه سياسي واضح يضمن حرية تعبير شاملة، تبقى وسائل الإعلام في غالبها وسائل بروباغندا للسلطة. تلك السلطة التي تتوقف على نشر وتعميم مواقفها في وسائل الإعلام فقط، بل تستخدم أيضا وسائل التواصل الاجتماعي. أما بخصوص “سيادة الصورة” فأنا لا أعرف ماذا يعني التقرير بهذا المفهوم الذي لم يشرحه، خاصة وأنه لا يعني شيئا. أما الحفاظ على التراث فهو مهم وهو ما تقوم به السلطات المكلفة بالثقافة منذ الاستقلال.
ما يلزم لمواكبة نموذج تنموي جديد هو حرية الإبداع. ونعود دوما إلى الدائرة المغلقة بين حرية التعبير والإبداع والتنمية.
انتظرنا هذا التقرير لحوالي سنتين بشغف شديد، بأمل أن يُخرج المغرب من أزمته الهيكلية. ولكن مع الأسف تمخض الجبل فولد فأرا بتقرير خلاصته: كم حاجة سوف نقضيها بتركها.