صحافة البحث

مقاولو التوافق يخنقون الديمقراطية: حالة النقاش حول نموذج التنمية الجديد في المغرب

- الإعلانات -

بالكاد بعد ساعات قليلة من نشر تقرير شكيب بنموسى في 25 ماي 2021، كان عدد الخبراء والسياسيين والأكاديميين والفاعلين الجمعويين…، الذين ينخرطون في طقس التوافق أمام وسائل الإعلام مُذهلاً. يتساءل المرء كيف تمكنوا من الوصول إلى رؤية واضحة ودقيقة لتقرير يزيد عن 178 صفحة وملحقاته بهذه السرعة. أعضاء اللجنة أنفسهم لم يكونوا بهذه السرعة ولم يتحدثوا إلا بعد بضعة أيام. يركز هؤلاء المقاولون على الشكل، ينخرطون في ممارسة الولاء لكل ما يعتبرون أنه  قادم من السلطة، وذلك بالنظر إلى أن اللجنة قد تم تعيينها من قبل الملك ، والتقرير موجه إليه. ومع ذلك، عند قراءة هذا التقرير، وإذا عدنا إلى خطب الملك، نرى أن اللجنة بعيدة كل البعد عن المطلب الملكي. فكما يوضح الخبير الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي ، فإن اللجنة رسمت خطوطها الحمراء، وذلك رغم تشجيع الملك لكسر الطابوهات.

 لكل دوافعه الخاصة في الثني على التقرير: بينما يسعى البعض للحصول على مزايا معينة، فإن البعض الآخر يدلي بهذه التصريحات فقط خوفًا من الفكرة التي لديهم عن المخزن. لأن بالنسبة لهم الاتفاق مع كل ما ينبع من السلطة، هو دليل على حب الوطن. أصبحت هذه المساكنة بين الوطنية والتوافق مرضًا يمنع بناء ديمقراطية حقيقية، لأن بين الوطنية والتوافق، يوجد نوع من الزيف من خلال قول ما يُفترض أن يرضي السلطة، إما بسبب الوصولية، أو الانتهازية، أو فقط تجنبا من أن يكون هدفاً للسلطة. فالتوافق حول النموذج التنموي الجديد يجعله تقريبا نصًا مقدسًا، حيث يمكن للمستنير فقط الوصول إلى عمقه وإيحاءاته.

أحد منافع هذا التقرير أنه يقدم لنا شهادات حية، والتي على أساسها، يمكننا تقديم ملاحظتين تتكرران بشكل مستمر. الأولى هي إشكالية حقوق الإنسان والحريات الفردية. والثانية تتعلق بأوجه اللامساواة التي تخترق المجتمع المغربي. ومع ذلك، فإن التقرير، بدلاً من إظهار هاتين الملاحظتين من خلال التحليل، يضيف عن قصد إطارات لتخفيف من اثر شهادات المشاركين، من أجل إظهار أن المغرب قد أحرز تقدماً في مكافحة التفاوتات الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان دون ذكر التراجع. وصف التقرير شهادات المواطنين والفاعلين السياسيين والنقابيين وغيرهم بأنها “تاريخية”. وبالتالي، يمكن أن نقرئ في الصفحة  28: “يجب وضع تصورات المواطنين والجهات الفاعلة المؤسسية في سياقها التاريخي”. إذا كانت شهادات المواطنين هي مجرد تصور يجب تنسيبه، فنحن نتساءل لماذا تكلف اللجنة نفسها عناء دمجهم، أو حتى الاستماع إليهم. فالعالم يُقيم اليوم مسألة حقوق الإنسان في المغرب انطلاقا من أحداث معينة كحراك الريف سنة 2017 ومتابعة الصحفيين، لاسيما عمر الراضي وسُليمان الريسوني. 

تقرير اللجنة يعيد نفسه، هذه المرة في ملف الموارد المائية. في حين يشير التقرير إلى مشكلة المورد المائي، لم يخصص التقرير خطاً لمناقشة النتائج السلبية لمخطط المغرب الأخضر على موارد المياه في البلاد. يعتبر بطيخ زاكورة أفضل مثال على ذلك لأن هذه الممارسة الفلاحية تسبب نزوحًا كبيرًا للسكان من هذه المنطقة، فضلاً عن استنزاف موارده المائية. هذه الملاحظة نفسها يمكن إجراؤها بشأن مسألة الريع، التي يتم تقديمها فقط باعتبارها مكبح في سياق طلبات العروض. مرة أخرى، يرفض التقرير النظر إلى الريع على أنه هيكل السلطة في المغرب، وطريقة لتجنيد موظفي الدولة السامون، ومقاولي التوافق، وذلك لأن الريع هو في نفس الوقت سياسي واقتصادي وثقافي وديني… فثقافة التوافق أو الإجماع تولِّد ثلاث حالات: صعوبة خلق نقاش حقيقي والنقد البناء عندما يصبح التوافق هو شعار المرحلة، والاهتمام الضعيف الذي يخلقه التوافق بين المواطنين للانخراط في النقاش، وانتشار روح “العبودية المختارة” بين الفاعلين. لقد كلَّف بعض أعضاء اللجنة أنفسهم بمهمة شرح كيفية قراءة التقرير؛ وهناك آخرون يطلبوا منا أن نقرأ ما بين السطور لفهم فلسفته.

 يولِّد التوافق كبحا للفكر والإبداع والديناميية التي يجب أن تحرِّك المجتمع. سبق للأنثروبولوجيون أن درسوا سيرورة التوافق في مجموعات صغيرة في القرى، ويسمى بـ”مسطرة الاتخاذ الجماعي للقرار”. في هذه التشكيلات الاجتماعية الصغيرة، يعتمد التوافق البناء على سيرورة التبادل الديمقراطي؛ فهو يشكل موضوع تفاعلات غنية بالاقتراحات. التوافق على الطريقة المغربية هو وسيلة للابتعاد عن القضايا الحساسة التي لم يتم تناولها، مثل الفساد، والذي أشار اليه مدير بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري في نقاشه مع البرلمانيين. في حالة وجود توافق في الآراء، يجب أن يكون جزءًا من إطار للتبادل، وللحُجج والحجج المضادة، وذلك داخل إطار أخلاقي يحترم الكرامة وحقوق الإنسان. لقد نجحنا في جعل التوافق نشاطًا يجرب الانتهازيون من خلاله حظهم لدخول في لعبة الامتيازات وريع السلطة. يجب استغلال مثل هذه المناسبات لبناء مجتمع قادر على الاختلاف والحوار والخروج عن طقوس التوافق.