تتواصل محاكمة الصحافي عمر.ر، في حالة اعتقال، في مشاهد قريبة من أحداث رواية “القضية” لفرانز كافكا. تختلف قضية عمر وجوزيف.ك، بطل رواية كافكا المُتابع، في كون عمر يعرف تهمه وهو داخل زنزانة انفرادية يعاني الوحدة والمرض، على عكس جوزيف.ك الذي أخذنا كافكا إلى معالمه العبثية في محاكمة دون تهم معروفة، وأيضا بقي يواجه مصيره القضائي العبثي وهو في حالة سراح.
بعد الاستماع إلى الصحافيين عمر.ر وعماد.س، قرر القاضي إغلاق المحاكمة لجلستين متتاليتين (9 و13 يوليوز 2021)، وذلك للاستماع إلى المشتكية ح.ب، التي حسبما نقل دفاع عمر.ر في دفاعه بجلسة 16 يوليوز الفائتة، مرتبكة وتتضارب في أقوالها، وتضيف أقوالا أخرى زادت من كافكاوية القضية، فسبب عدم مقاومة عملية الاغتصاب المفترضة، حسب المشتكية، أنها كانت تضع باروكة شعر وخافت إن هي قاومت عمر.ر أن تسقط عن رأسها. بالإضافة إلى شهادات أخرى تدفع بالسرد الكافكاوي للقضية إلى أقصاه.
ميلود.ق، المحامي خفيف الظل، رافع في جلسة 13 يوليوز باعتماد السردية الكافكاوية التي طبعت هذه القضية، بأسلوب ساخر، أحيانا، ورابط بين عناصر العبث، أحايين أخرى، قدم ملحمة دفاعية، تقف على تناقضات القرائن المقدمة في الملف، مقدما وثائق تثبت، بحسبه، عدم صحة مجموعة من تفاصيل هذا الملف الذي جاوز البت فيه السنة، وعمر.ر في حالة اعتقال يواجه تهمتي “الاغتصاب” و”التجسس” في زنزانة انفرادية مزينة بتلفزيون ينقل قنوات “الرابعة”، “السادسة”، “الأولى”و “دوزيم”.
ولأن العبث، الذي نعيشه، في قضايا الرأي، هذه الأيام تجاوز حتى حدود إبداع فرانز كافكا نفسه، حيث لو عاش في زمننا وسياقنا لتخلى عن منهجه الكافكاوي في الرواية لصالح شكل روائي آخر، فمن يرد عن حملات التضامن مع الصحفيين، عمر.ر وسليمان.ر، هما « السجان الأول » ومندوب حقوق الإنسان، ص.ت، وش.ب. ففي زمن المعقول كان يفترض في الأول أن يبتعد عن الدخول في الخصومة مع أي طرف، والثاني أن يناصر حق الأطراف كلها في محاكمة عادلة وضمان الحقوق الأساسية للمسلوبة حريتهم.
يوم الثلاثاء (5 يوليوز 2021) وقف عمر.ر داخل القاعة 8 بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، يواجه « قرائن » الادعاء في قضيتي التخابر والاغتصاب. وكان المتابعون في غرفة المحاكمة ينتقلون من أسئلة حول مهنة الصحافة وعلاقتها بالمال والأعمال، وأجوبة لمحاولة تبسيط قضايا البحث الصحفي والاستقصائي في الاقتصاد. وفي نفس الجلسة يجد عمر.ر نفسه مضطرا للرد على تهم “الاغتصاب”، وكيف أن ما دار بينه وبين المشتكية ح.ب هو علاقة رضائية لا إكراه ولا اغتصاب فيها. بعد أخذ ورد بين كلام دفاع المشتكية وعمر.ر ودفاعه، قرر القاضي جعل الجلسة مغلقة وذلك لاحترام خصوصية المشتكية.
القاعة 8 تحتضن مشاهد سريالية، لاتخلو من وصف « كافكا » لقضية جوزيف.ك. محامي المشتكية والمطالبة بالحق المدني ح.ب، ينتقل من الترافع، إلى إطلاق جمل قصيرة ومرتبكة من شعر أو نثر روائي، فمرة يتعمد رفع ونصب وفتح اسم علم شخصي، بطريقة تحيل إلى عوالم كافكا وصامويل بيكيت. كما أنه لا يريد أن ينتظر “گودو”، وذلك بعدما أغضبه قرار القاضي في أحد الجلسات بتأجيل مرافعة محمد.م، أحد أعضاء هيئة الدفاع، لتزامن تقديم دفوعه الشكلية في القضية مع مرافعته في القاعة المجاورة في قضية سليمان.ر.
ولأننا في زمن عبث تجاوز في سرديته، سرد كافكا وعوالمه، فلا يمكن أن نجعل من الجدية، كتابة وموقفا، منهاجا ضد العبث. بل علينا أن نأخذ « الدرس » من يوجين يونسكو حتى ندفع باللامعقول إلى مداه، ونكسر أفق انتظار “كراسي” يونسكو، بحوار يتجاوز العقل ولا يبحث عن المعقول في مسرحة العبث، وذلك لنقد الواقع.
إلى الجلسة المقبلة، يوم غد الاثنين، وأتمنى أن تتوقف مشاهد العبث وأن لا نضطر أن نستحضر، في دفوع الأطراف، عروض يونسكو في “المغنية الصلعاء” أو “ضحايا الواجب”.