صحافة البحث

محمد سعيد السعدي يكتب: أية مصداقية للوعود الانتخابية؟

- الإعلانات -

 مع انطلاق الحملة الانتخابية التشريعية والمحلية المؤدية لاقتراع 8 شتنبر 2021، تتكاثر الوعود الانتخابية وتتنوع           “الالتزامات” التي تأخذها مختلف الأحزاب السياسية على عاتقها دون مراعاة للوضعية الصعبة التي تمر بها البلاد والضغوطات الخارجية التي تتعرض لها. وتتنوع هذه الوعود الانتخابية بين الرفع من ميزانيات القطاعات الاجتماعية (مثلا الرفع من ميزانية وزارة الصحة من 5،7٪ سنة 2020 الى 12٪ خلال الولاية التشريعية المقبلة)، والرفع من معدل النمو الاقتصادي من  3٪ كمعدل حاليا إلى 6٪، وهو ما لم يحققه المغرب طوال تاريخه الاقتصادي منذ الاستقلال (باستثناء الظروف الخاصة جدا التي ميزت فترة المخطط الخماسي 1973-1977)، أحداث مئات الآلاف من فرص الشغل سنويا، خفض معدل البطالة إلى حوالي 8,3 في المائة عوض 12 في المائة، إخراج مليون أسرة من الفقر الخ..

هناك عاملان رئيسيان يحدان من مصداقية الوعود الانتخابية التي توزعها الأحزاب السياسية بسخاء يمينا وشمالا وتجعل من المواطن العادي ينظر بكثير من الحيطة والحذر اليها لحد اعتبارها مجرد فقاعات لن تلبث أن تنفجر أيام معدودات بعد انتهاء “الموسم” الانتخابي. وأهم وأخطر هذه العوامل يتمثل في الالتزامات التي أخذتها حكومة الإسلام السياسي المنقضية ولايتها تجاه المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي، والتي زادت من ثقلها جائحة كوفيد 19. فمواجهة هذه الأخيرة دفعت بالحكومة إلى رفع عجز ميزانية الدولة بشكل محسوس، كما أرغمتها على الاقتراض من الخارج بشكل جعل نسبة المديونية العمومية ترتفع الى 76٪ (هذا دون احتساب ديون المؤسسات العمومية والجماعات الترابية). أمام هذا المعطى، من المنتظر أن تعمل الحكومة المقبلة على إعطاء الأولوية الى خفض عجز الميزانية العامة للدولة وتسديد الديون الخارجية وفق ما يوصي به صندوق النقد الدولي، وهو ما سيترتب عنه اعتماد سياسات تقشفية صارمة كالضغط على كتلة الأجور ورفع ما تبقى من دعم للمواد الأساسية، مع التضحية بنفقات الاستثمار العمومي من جهة أخرى، ستعمل هذه الحكومة على الرفع من مداخيل الميزانية، خاصة عبر الزيادة في الضريبة على الاستهلاك (الضريبة على القيمة المضافة) في إطار ما يسمى بالإصلاح الضريبي، واستئناف عمليات الخوصصة بغية الحصول على موارد إضافية، بالموازاة مع اللجوء إلى  “الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص”. في هذه الظروف، لا يمكن للملاحظ النزيه إلا أن يتساءل عن جدية ومصداقية الوعود الانتخابية المقدمة بسخاء من طرف مختلف الهيئات الحزبية المشاركة في انتخابات 8 شتنبر. ذلك أن تحقيقها يتنافى كلية مع السياسات التقشفية التي قد تهيمن على الولاية التشريعية المقبلة الى غاية 2025 على الأقل كما تشير الى ذلك عدة دراسات دولية. كما ينبغي إثارة الانتباه إلى أن ما سمي ب”ورش تعميم الحماية الاجتماعية”، على الرغم من أهميته الاقتصادية والاجتماعية، مهدد بألا يرى النور في ظل هذه السياسات التقشفية المرتقبة كما نبه الى ذلك التقرير السنوي الأخير لبنك المغرب. ذلك أن تحديات كبيرة ستواجه لا محالة تنزيل هذا المشروع على أرض الواقع، من أهمها الخصاص المسجل في البنيات الاستشفائية والنقص المهول في “الموارد البشرية” (79000 طبيب وممرض حسب تصريح وزير الصحة الحالي)، إضافة الى إشكاليات التنسيق والحكامة بين مختلف المتدخلين.

أما العامل الأساسي الثاني، فيتمثل في خطر تغول المال السياسي داخل مختلف المؤسسات المنتخبة والذي ينذر بتطويعها لخدمة المصالح الخاصة لأباطرة المال او تعطيل قوانين ومبادرات لا توافق أطماعهم (مثال على ذلك تمييع تقرير لجنة التقصي لمجلس النواب المنقضية ولايته حول قطاع المحروقات). فتهافت جل الأحزاب على حصد أكبر عدد من القاعد البرلمانية والمحلية/الجهوية دفع بها إلى البحث عن “مول الشكارة” أملا في الفوز بالمقاعد المتنافس عليها. إن هذا السلوك يفضح قصور الأحزاب في فرز نخب كفأة ومناضلة وملتصقة بهموم المواطن اليومية، فضلا عن غياب شبه تام لتأطير المواطنين/ت للرفع من وعيهم/ن السياسي وقدرتهم/ن على التمييز بين المشاريع المجتمعية والبرامج الانتخابية. فالمقرات الحزبية تكاد لا تفتح إلا بمناسبة المواعيد الانتخابية، هذا باستثناء تنظيم الاسلام السياسي الذي يواظب على فتح مقراته لجمعياته “الخيرية” التي تقدم مختلف الخدمات الاجتماعية “الإحسانية” طمعا في أصوات الفئات المهمشة والمحرومة من شعبنا، وهذا في حد ذاته نوع من الارتشاء الانتخابي الممنهج!! كما أن هذا الفراغ السياسي فتح الباب لترشح “أولاد الدرب” الذين يتم استدراجهم للترشح للانتخابات طمعا في “رصيدهم الشعبي” وايهامهم بالقدرة على استغلال مقعد في المجلس الجماعي للخروج من دائرة الفقر والبطالة. في ظل هذه الظروف وأمام هذه الممارسات المشينة، لا غرابة في آن منسوب الثقة في  السياسة بمعناها التقليدي، أي عبر الانخراط في الأحزاب السياسية الفاقدة لكل مصداقية، سيرتفع لا محالة. كما أن هذا التفسخ الذي أصاب العمل السياسي سيحرم الوطن من “النخب” الملتزمة والكفؤة التي لا مناص من تواجدها لبلورة أي برنامج او وعود انتخابية على أرض الواقع.