في السياسة « لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل مصالح دائمة »، يتبادل إلى الذهن هذا المثال أي مُتتبع لملهاة اللعبة السياسية في المغرب، وهو يرى مآل تشكيل الحكومة بعد نهاية الانتخابات التشريعية يوم 8 شتنبر، وتعيين الملك لعزيز أخنوش رئيس التجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات.
أخنوش الذي وضع « البيضة في الطاس »، كما يقول المثل الدارج، في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، في سياق ما عرف سياسيا بـ « البلوكاج » الحكومي، من أجل أن يفرض على الرئيس المعين آنذاك، عبد الإله بن كيران، دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة وإبعاد حزب الاستقلال، لم يكلف نفسه وهو يقود المشاورات من أجل الحكومة بأن يقدم أي عرض لإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي أسدى خدماته لأخنوش في زمن البلوكاج الحكومي (2016) والذي أدى لإرسال بن كيران للتقاعد المبكر من رئاسة الحكومة والسياسة عموما.
لقد جعل أخنوش، من خصوم الأمس، أساس مفاوضات تشكيل الأغلبية الحكومية. الاستقلال الذي شرط إبعاده لدخول حكومة ابن كيران الثانية، ووهبي الذي قال في أخنوش ما لم يقله مالك في الخمر، أثناء احتدام المنافسة الانتخابية، وذلك بإطلاق العديد من الاتهامات، منها خلق جمعية خيرية (جود) بهدف الإعداد المبكر للانتخابات واستغلال وسائل الدولة ومواردها البشرية وخاصة المديرين الجهويين لوزارة الفلاحة للقيام بحملات انتخابية استباقية لصالح حزبه، فضلا عن مطالبته بإرجاع 17 مليار درهم (المتعلقة بالأرباح غير المشروعة للمحروقات) للخزينة. لكن الآن لا الاستقلال أصبح جذاما ولا الأصالة والمعاصرة أصبح منتقدا لخلط أخنوش المال بالسياسة واستغلال وسائل الدولة؟
في نفس يوم الإعلان عن الأغلبية الحكومية، الأربعاء 22 شتنبر 2021، والذي كان مختصرا على شاكلة التصريح الصحافي المختصر، point de presse، نظم لشكر بدوره ندوة صحفية خصصت، في عنوانها، لإعلان قرار الاتحاد الاصطفاف في المعارضة، وفي باطنها إطلاق إدريس لشگر، الاتهامات والانتقدات للتحالف الحكومي الذي أبعد منه، وخصص حصة من النقد بالخصوص لكل من الاستقلال و « البام » الذي يعتبره يأخذ مكانه في الأغلبية بقوله أن « الحزب الثاني لا يكون في الأغلبية في كل الديمقراطيات، كما اعتبر أن التحاق البام بالحكومة يفقد السياسة أي معنى، فقبل أيام وأسابيع كان “البام” يعتبر أن التناقض الأول في المغرب هو حزب الأحرار ».
وفي المقابل اعتبر أخنوش، في لقاء إعلانه تشكيل الحكومة، إن « روح الالتزام التي تحلى بها الأمناء العامون للأحزاب الذين أجمعوا على دقة المرحلة، مكنت من تشكيل الأغلبية الحكومية (269 مقعدا) في وقت وجيز حفاظا على الزمن السياسي والتنموي”. معتبرا في تصريحه أن المرحلة تتسم بضرورة التسريع بإخراج وتنفيذ مضامين الميثاق الوطني من أجل التنمية الذي دعا إليه الملك محمد السادس عقب اعتماد التقرير النهائي للجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد. وهو التصريح الذي يعيد اللغة السياسية المستعملة في الفضاء العام، عمليا، إلى ما بعد 2011، أثناء ترأس عباس الفاسي (حزب الاستقلال) الوزارة الأولى، واعتبار أن برنامجه الحكومي هو برنامج الملك.