يعتبر الغاز الطبيعي أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة، فهو مصدر طاقي اقتصادي صديق للبيئة، كما شكل موضوع توصيات أممية تشجع على استخدامه كبديل للوقود الأحفوري إلى جانب مصادر الطاقات المتجددة الأخرى، بهدف خفض نسب انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري .
وقد ازداد اهتمام دول العالم باستغلال الغاز الطبيعي، في توليد الطاقة باستيرادها إما عبر ناقلات عملاقة، بعد تسييله أو باستعمال أنابيب الغاز العملاقة، و هو الخيار الذي نحته أوربا في استيرادها للغاز الروسي، وما يسعى المغرب لبلوغه عبر مشروع أنبوب الغاز العابر لسواحل الغرب الأفريقي، الذي بلغ مراحل متقدمة بالشروع في مرحلة جمع التمويلات اللازمة لإنجازه، في مقابل مشروع جزائري نيجيري قائم مند سبعينيات القرن الماضي ولا يزال موضوع نقاشات بين مسؤولي البلدين.
تجارة برهانات جيواستراتيجية
أهمية هذه المادة الحيوية ودورها الرائد في التنمية الاقتصادية، ودعم الصناعات جعلت منها ورقة ضغط استراتيجي تثير مخاوف الغرب بفعل سيادة روسيا التي تتوفر على أضخم أنابيب تصدير الغاز صوب أوربا، ريادة تجعل من أنبوب الغاز النيجيري المغربي و الموجه صوب أوربا مصدر قلقل للدب الروسي و متنفسا طاقيا للقارة العجوز عند اكتماله.
فكيف استأثر الغاز بصدارة المصادر الطاقية في مواجهة المصادر الأحفورية الأخرى ؟ و أين تكمن أهمية أنبوب الغاز النيجير المغربي بالنسبة لدول المصدر و المصب ؟ و ما قوة تأثير هدا الأنبوب على الاختيارات الطاقية للمغرب في ظل وجود استثمارات ضخمة بمصادر الطاقة النظيفة الأخرى؟ و كيف يمكن لهذا المشروع الضخم قلب موازين القوى بين الشرق و الغرب؟
حسب الجمعية المهنية الدولية – سيديغاز- بلغ الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي هذا العام 3890 مليار متر مكعب، منخفضا بنسبة 2.9 بالمائة مقارنة بالعام 2019، حيث تراجع إنتاج كل من الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا أكبر مصدري الغاز بالعالم بنسب 13 و 36 بالمائة على التوالي، مقابل ارتفاع إنتاج الصين، و قد خلف هدا التراجع خللا في إمدادات الغاز عبر العالم، الشيء الذي أثر على نمو العديد من الاقتصاديات العالمية، خصوصا مع الجنوح نحو استعمال الغاز الطبيعي كمصدر نظيف للطاقة بديلا لكل من للبترول الذي انخفضت نسب استهلاكه بنسبة 9 بالمائة، و الفحم الذي تراجعت نسب استهلاكه عبر العالم بنسبة 4 بالمائة.
تعاظم دور الغاز الطبيعي كمصدر طاقي يطرح إشكالية نقله و توزيعه عبر العالم في ظل تزايد الطلب العالمي على هذه المادة الحيوية، و تعتبر أنابيب نقل الغاز أكثر سبل التوصيل أمانا وسرعة ووسيلة ناجعة لضمان الأمن الطاقي للدول المستوردة للغاز، وهو ما دفع بالمملكة المغربية إلى توقيع اتفاق سياسي عام 2016 يتم بموجبه انجاز خط لأنابيب الغاز يربط المغرب بنيجريا ثم أوربا بأفريقيا عبر أسبانيا .
يبلغ طول أنبوب الغاز العابر لدول غرب أفريقيا 5660 كلم، ينطلق من نيجيريا ليمر عبر 13 دولة أفريقية و هي البنين، الطوغو، غانا، كوديفوار، ليبيريا، سيرياليون، غينيا، غينيا بيساو، السنغال، ووريتانيا ثم المغرب فإسبانيا مدخل الغاز الأفريقي صوب أوربا.
أنبوب يربط دول غرب إفريقيا
و يعمل المغرب بشراكة مع الشركة الوطنية النيجيرية للنفط على توفير الموارد المادية اللازمة لتنفيذ المشروع بعدما أنهى الجانبان دراسة الجدوى، و تبلغ تكلفة المشروع التقديرية ما بين 25 و 30 مليار دولار في مدة انجاز تصل إلى 25 عاما.
طول مدة الانجاز ستساعد على توفير المبالغ المرجوة، إما عبر تمويلات مباشرة من قبل الشركات المُحتضنة للمشروع أو عبر قروض مقدمة من قبل مؤسسات مالية جهوية و دولية، و قد شرعت بالفعل الدول الراعية في تسويق المشروع لمؤسسات مالية قصد إقناعهم بالجدوى الاقتصادية للأنبوب، وفي نفس الوقت بدأت الشركة الوطنية للنفط بنيجيريا في تنفيذ الشطر الأول من المشروع والذي سيسمح ببيع الغاز الطبيعي لدول الجوار النيجيري.
يحمل أنبوب الغاز العابر لسواحل غرب إفريقيا والممتد عبر المتوسط إلى أوربا فوائد جمة لدولة المصدر ودول المسار على حد سواء.
بالنسبة لنيجيريا سيمكن الأنبوب المرتقب من رفع حجم صادراتها من الغاز الطبيعي و التقليل من نسب حرق الغازات المنبعثة من آبار النفط التي تتوفر أيضا على كميات مهمة من الغاز الطبيعي، و بالتالي الرفع من مدا خيل المؤسسة النيجيرية للنفط، و التقليل من نسبة انبعاث الغازات الدفيئة.
و سيمكن المشروع دول المسار المنتجة للنفط من توريد إنتاجيتها من الغاز الطبيعي عبر الأنبوب، في حين سيسمح الأنبوب للدول الأفريقية المستهلكة للغاز من الحصول على هذه المادة الحيوية لإنتاج الطاقة الكهربائية الضرورية لتغطية حاجيات المصانع إضافة، إلى دورها الهام في الصناعات الغذائية باستغلالها في إنتاج الأسمدة الضرورية لتوفير الأمن الغدائي لدول ساحل غرب أفريقيا.
و بالموازاة مع الخط المغربي النيجيري، تستعد الجزائر لإطلاق مفاوضات ربط أنبوبها للغاز مع أوربا بأنبوب نيجيري جزائري عبر النيجر يبلغ طوله 4000 كيلومتر، هذا المشروع الذي طرح في سبعينيات القرن الماضي توقف لاستحالة تنفيذه بسبب صعوبة تأمين مساره عبر صحراء النيجر حيث تنتشر الجماعات المسلحة.
مشروع غاز في سياق مُشتعل
إعادة إحياء شركة – صونطراك- للخط الجزائري يضعه البعض في خانة معاكسة المشروع المغربي الذي قطع أشواطا عدة في درب التفعيل، خصوصا و أن ظروف تعتر انجاز المشروع القديمة لا تزال قائمة، فمليشيات القاعدة و داعش و بوكو حرام تصول و تجول على طول مسار الأنبوب المراد تمريره عبر النيجر ما يجعل استحالة تفعيله قائمة، و هو ذات السبب الذي دفع –أبوجا- للنظر للمقترح الجزائري بعين الريبة والشك في الوقت الذي شرعت في تفعيل الخط الآمن المار عبر الأطلسي.
يحمل المشروع المغربي النيجيري الواعد بشائر أمل بخلق فرص للتنمية المستدامة بدول غرب و وسط أفريقيا حيث مسار الأنبوب الموعود، كما سيمنح المغرب و أوربا سبيلا أمنا لاستيراد الغاز الطبيعي، الذي تسعى الرباط إلى مزاوجته مع باقي مصادر الطاقة النظيفة، لكن ما حجم مساهمة الغاز الطبيعي في ألأمن الطاقي بالمغرب في ظل تنامي الاعتماد على الطاقات المتجددة و بالتالي الجدوى الاقتصادية من التركيز على الغاز المنقول عبر الأنبوب النيجيري المرتقب ؟
خضعت السياسة الطاقية و المناخية بالمغرب لتغييرات عدة أفرزت إطلاق استراتيجية للنجاعة الطاقية عام 2009، هدفها تنويع مصادر الطاقة و تطوير الطاقات المتجددة وجعل الكفاءة الطاقية أولوية وطنية مع تنويع الموارد المحلية للطاقة
و يسعى المغرب عبر إستراتيجيته الطاقية تطوير الكهرباء المتجددة لتصل إلى 42 بالمائة من القدرة الإنتاجية عام 2020 و هو المسعى الذي أعيد تقييمه ليبلغ 52 بالمائة في أفق العام 2030.
و يعتمد الأمن الطاقي بالمغرب بشكل كبير على واردات من الوقود الأحفوري،حيث بلغت فاتورة استيراد مجمل المصادر الأحفورية 69.5 مليار درهم عام 2017 ، شكلت واردات النفط منها 62 بالمائة.
و لدعم مخططاته الصناعية مع الحفاظ على التزاماته الدولية في حماية المناخ، يعمل المغرب على الزيادة من حصص الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة، عبر إنشاء محطة للغاز الطبيعي المسال تعمل على توفير مخزون استراتيجي للمملكة سيساعد على تحقيق أمن طاقي يقي المملكة شر تقلبات الأسعار على المديين المتوسط و البعيد في ظل تأخر عمليات التنقيب عن هذه المادة الحيوية عبر التراب الوطني و في المياه الإقليمية للمغرب.
و يشكل أنبوب الغاز المغربي النيجيري قيد التنفيذ بوابة هامة لتوريد الحاجيات الوطنية من الغاز الطبيعي لما يوفره من سرعة في التموين و ارتفاع درجة الأمان بفضل مساره الأطلسي، كما يعزز موقع المغرب كصلة وصل بين القارة الأفريقية و نظيرتها الأوربية في حال بلغ الأنبوب السواحل الاسبانية ليتحول حينها إلى ورقة تفاوض بيد القارة العجوز في مواجهة الدب الروسي فكيف ذلك؟
تعزز موقع موسكو كأكبر مصدر للغاز عبر العالم بتشغيل أنبوب -نوردستريم2- ثاني أنبوب يصل أوربا بالغاز الروسي، إضافة إلى أنبوب -توركيش ستريم- صوب تركيا و -فورس دو سيبيري- في اتجاه الصين.
و تشكل شبكة الغاز الروسية أداة ضغط استراتيجي و بالخاصة -نوردستريم2-، المجانب لمسار -نوردستريم1- المار عبر أوكرانيا الحليفة للغرب و التي حرمها الأنبوب الجديد من عائدات تبلغ مليار يورو سنويا، كما تتضررت من هذا المشروع المار تحت بحر البلطيق بطول 1230 كيلومتر، كلا من بيلاروسيا، سلوفاكيا، و بولونيا وهو ما يؤشر على بروز أداة ضغط إستراتيجية جديدة بيد موسكو في مواجهة بروكسيل.
و تسعى القارة الأوربية إلى تعويض الفحم بالغاز الطبيعي لأهميته في الحفاظ على البيئة، حيث بلغ حجم استيرادها للغاز 530 مليار متر مربع خلال السنوات الماضية يتم جلبها من قطر و الجزائر و ليبيا و نيجيريا و روسيا.
و يثير تعاظم حجم الواردات الأوربية من الغاز الروسي مخاوف البلدان الأوروبية، بحيث تغطي 34 بالمائة من الحاجيات الطاقية الأوربية و يتوقع بلوغها مابين 38 و 41 بالمائة عام 2035.
لذلك تبحث أوربا عن تنويع مصادر الغاز الطبيعي عبر استيراد كميات هامة من الغاز المسال من ولولايات المتحدة الأمريكية و قطر عبر عبارات، بالإضافة إلى إمدادات الغاز –الأذري- عبر بحر قزوين، كما تراقب الدول الأوربية باهتمام بالغ ما سيؤول إليه مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي، الذي سيمكن القارة العجوز من مورد إضافي للغاز يخفف من ضغط ورقة الغاز الروسي، التي تخرجها موسكو كلما اختلفت مع دول الاتحاد الأوربي كما كان عليه الحال إبان الأزمة الأوكرانية.
و في جميع الأحوال ستكون نيجيريا الرابح الأكبر من انجاز أنبوب الغاز العابر لساحل غرب أفريقيا، سواء مر الأنبوب إلى أوربا أو انحصر في أفريقيا، بحيث تبيع حصصا أكبر من الغاز لدول العبور التي ستستفيد إما كمستهلك مثل المغرب أو كمصدر بدورها مثل السنغال و موريتانيا.
في حين يثير المشروع حفيظة موسكو التي ترى في بلوغ الغاز الأفريقي سواحل القارة الأوربية تهديدا لسطوتها الطاقية على دول الجوار الغربي، كما ستخفف من قوة ورقة الغاز الطبيعي كأداة ضغط تستعملها لتحقيق مكاسب سياسية في مواجهة بروكسل.