صحافة البحث

اليسار، تعبئة الموارد والفرص السياسية (1/2)

- الإعلانات -

نجح الخطاب حول التناوب التوافقي 1999 – 2002، في تقديم تحولات الدولة ومؤسساتها في سياق إعادة هيكلة العهد الجديد عبر تحولات هيكلية، مُهيكِلة و لازمة لتشييد المغرب الحداثي والديمقراطي.

بدا “العهد الجديد” مرتبكا مترددا، كما بدا رهان ” الدولة الحداثية ”  متأرجحا بين  “انتقال منقوص “، وصفته بعض التقديرات  “بالحلم المنكسر” الذي يتأطر داخل استمرارية أكيدة لمتلازمة التسلط والتحكم، مما يؤكد استحالة دمقرطة الدولة والمجتمع بالمغرب العربي عامة، وبالمغرب على التحديد. وهو ما يدفعنا للإقرار أن ” الدينامية السياسية التي تأسست على تعبئة سياسية وانتخابية ودستورية،  لم تهدف في حقيقتها إلى إرساء دعائم دولة الحق والقانون. بل جاءت  لفرض  تعبئة وتوافق عامين لإنجاح “الاستخلاف وانتقال العرش”، وبالتالي تحقيق استمرارية الدولة ومؤسساتها وتجديد مشروعيتها.  وجاء الانتقال والتناوب، توافقيين، وأسسا لهيمنة ، سياسية وإيديولوجية، لتصور الدولة للانتقال والتوافق، ولرهانات بناء العهد الجديد، كمحاولة للخروج من سياق العنف السياسي الذي ميز سنوات “الجمر والرصاص”. وهو ما جعل الخطاب حول الانتقال الديموقراطي ،  خطابا ” حول إصلاح هياكل الدولة وسلطتها، وإزالةً للصبغة المخزنية ” القاسية والمعاقبة ”  التي لازمتها طيلة عقود ، والهادفة إلى ” تهذيب ” التسلط والتحكم، ولبرلته بغية إدامته، لكن دون دمقرطته . وأجمعت التحاليل والدراسات الصادرة عن أكاديميين وسياسيين وصحفيين، ومؤسسات متخصصة،  على  إبراز  النموذج و تأكيد الاستثناء  ” المغربي ” ، وتجندت لخدمة وتسييد “التصور الملكي ، المنفرد، للانتقال والدمقرطة ” ، بل نجحت الملكية ونخبتها الانتقالية، في تجنييد نخبة من اليسار المغربي، للانخراط في مسلسل الانفتاح و الإصلاح، والترافع عن العهد الجديد وأوراشه،  كمؤشر على “شرعية إيديولوجية  ممنوحة مقابل  فرضِ  الولاء والخضوع،  ووجوبِ التبرير والإصلاح ” ، و وفق تصور يؤطر مسلسل الانفتاح و الإصلاح نفسه، يحترم طوعية و تدرج ” لحظات الإصلاح “. تدرج تفرضه  قيمة ” البرنامج السياسي ” لنخبة الانتقال، و استعجالية رهانات الانتقال ذاته، كما يفرضه مفهوم وتصور الدولة لسيرورة  ” البناء الديمقراطي” .

في تجديد أسس الشرعية

 تبنت الملكية ونخبتها الجديدة، “دينامية انتقالية ” وأنتجت خطابا حول الانتقال يتلائم مع مفهومها وتصورها له : ضمان انتقال سلس للعرش، وإعادة صياغة طرق وأشكال ممارسة الحكم والسلطة السياسية، وفق أشكال ومصادر جديدة لتحقيق شرعية الاختيارات وشرعنتها: “انتقال ديموقراطي” ممنوح، أرجع ” معارضي صاحب الجلالة” إلى سدة الحكم، بعد سنوات المواجهة السياسية المباشرة، وإعادة تنظيم المشهد السياسي وفق متطلبات ” توافق واشنطن  2004 “( توافق يشجع الحكامة الجديدة، واعتماد آليات المجتمع المدني والمنظمات الغير حكومية، في مسلسل التغيير السياسي، وتشجيع الحريات والحقوق المدنية والسياسية، الفردية والجماعية)، وإملاءات “الطريق الثالث” ( موجة الدمقرطة التي اجتاحت دول أوروبا الوسطى والجنوبية، امريكا اللاتينية وجنوب آسيا).

شعرت الملكية ونخبتها الانتقالية ، بخطر متزايد جراء ارتفاع درجة الاحتقان الاجتماعي نتيجة تعميق الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والمجالية، و تزايد منسوب التوتر السياسي مع تزايد مظاهر وتجليات الرفض والاحتجاج والاستنكار، وتزايد اختراق الحركات الإسلاموية للنسيج المجتمعي، وهوما أصبح يشكل مزاحمة تنازعها مشروعية التواجد. وفي محاولة للتخفيف من وطأة الاحتقان الاجتماعي والسياسي وانعكاساتها السلبية على العهد الجديد ، و للحد من تفاقم مظاهر الأزمة الاقتصادية،   جاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،  لتجسد  تحركا استعجاليا من طرف الملكية ونخبة الانتقال، تمحور حول انتهاج ” سياسة اجتماعية جديدة ” ، تجعل من الاستثمار في القطاع الاجتماعي تجسيدا لـ “عودة استعجالية وحيوية”  للمُعترك الاجتماعي . واكب ذلك، ” حملة إعلامية ” و “صخب أكاديمي ” حول إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وجعل رهان محاربة الفقر، أولوية وطنية، تحولت معها المسألة الاجتماعية إلى ” قضية دولة ” ، مكنت الملك محمد السادس من استثمار تلك ” العودة” ، استثمارا سياسيا، من خلال بروزه  بمثابة ” العاهل الباني لسلطة مركزية إصلاحية ”   . وأصبحت الملكية، معها، ضامنة للتقدم ومحاربة الفقر، وتولي عناية ” مركزية ” للتعاون والتضامن، وإطلاق مشاريع مُذرة للدخل، وغيرها من المبادرات التي تساهم في تمكين العهد الجديد من آلية جديدة لشرعنة اختيارات النظام وتوجهاته العامة  .

ولأن الحصيلة الاجتماعية لهذه السياسة الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة، ظلت “متواضعة ومحدودة النتائج، ولم تكن في مستوى طموحاتها” ، وهو ما  دفع نخبة الانتقال إلى البحث عن شركاء جدد بغية ” التفكير الجماعي” لمحاولة الحد من وطأة الأزمة والاحتقان، وتقاسم المسؤولية مع أطراف لم يكونوا سببا فيها. وهو سيناريو سيجعل الملكية، تتمكن من  نقل سبب الأزمة والعجز عن حلها من دائرتها ، إلى محيط الشركاء الجدد، من جمعيات وإطارات ومنظمات حكومية وغير حكومية . وبالتالي، ” ستخلق لها دورا آخر، غير ذلك الذي يفرض عليها حل الأزمة والحد من الفقر والتهميش، وسيصبح دورها الجديد وأساس شرعيتها ، هو العمل على إفراغ  حمولة الاحتقان والحد من وطأته والتحكم في مجرياته ”

هذه ” المناورة السياسية ” في التعامل مع المسألة الاجتماعية، إضافة إلى تزايد الشعور بالخيبة تجاه بطء الإصلاحات، و محدودية محاولات الحد من تفاقم  الأزمة، حولتها إلى مصدر للاحتجاج الجماعي، تحولت معها وطأة الاحتقان إلى مسألة أمنية حساسة، وجب معها “العمل على إيجاد صيغ وآليات لضبط  محال اجتماعي غير مهيكل،  متأزم وقابل للانفجار، ووجب معه أيضا، ضبط مطالبه وتوجيهها، دون حلها، بما يساهم في صيرورة إعادة تنظيم السلطة Repéploiement du pouvoir“.

وتم احتلال المجال الاقتصادي، كما مجال الأعمال، إيمانا من الملكية ونخبتها الانتقالية، بأن الصراع، لم يعد صراعا على السلطة  السياسي، بل أصبح صراعا حول سؤال التنمية، ومن يمتلك مشروعية الحديث عن مساراتها وممكناتها. فتم المزج بين السلطة والثروة،  مع تحقيق طفرة  على مستوى المؤسسة الملكية، بتحويلها  من مؤسسة تاريخية، راكدة وغير مُنتجة، و مثقلة بالجراح والنكسات، إلى مؤسسة تهيمن وتنعش كافة مستويات الثقافة والاجتماع، السياسة والاقتصاد. وليتحول “أمير المؤمنين” إلى رجل أعمال، ينعش الاقتصاد، يطلق المشاريع التنموية ويمولها، ويُهيكل بنيات البلاد التحتية والإنتاجية. وكل هذا وذاك، تطلب إطارا شكلت أونا (أومنيوم شمال إفريقيا)، أو هولندينغ المدى حاليا، وتفريعاتها، واجهته الإدارية والتنظيمية.  والحقيقة، أن الملكية أدركت، أكثر من غيرها، أن توسيع وتعميق  الاهتمام بالثروة هو ضمانة للنفوذ والسلطة وإمكانية ممارستها وفق مصالحها ورهاناتها، ووفق متطلبات السياق والمرحلة.

واستكمال رهان الاستحواذ على الثروة، والانفراد بالسلطة وتكريس النفوذ، مكن الملكية من بعث  “زمن المحلات السلطانية “، والاعلان العملي لبداية “العرش المعارض” ، بحملاته التأديبية و النقدية ، و”غزواته” الغاضبة على الأحزاب والوزراء والهيئات المنتخبة ورجال السلطة. وهو سلوك يترجم حقيقة هامة : إصرار الدولة العميقة على تبرئة ذمتها من مآلات الفشل التي تطبع الاختيارات والسياسات العمومية، وتصديرا للقصور بعيدا عن مركز القرار، وصارت ترمي مسؤولية الفشل في جميع الاتجاهات. متناسية مسؤوليتها الصريحة في تمييع المشهد السياسي والعمل الحزبي، وتقزيم قيمة العمل السياسي والسياسة في مباشرة مهام التأطير والتوعية والتعبئة كشرط للتربية المدنية والسياسية . إقصائها للنخب السياسية والمثقفة من معترك التدبير العمومي، و بخلقها سلسلة من الهيئات السياسية والنقابية والمدنية الجوفاء، احترفت التظليل والاغتناء الفاحش.

إن الوعي بتفشي الريع والفساد ، إلى جانب عاهات الزبونية والمحسوبية السياسية التي تنخر نظامنا السياسي، هو تأكيد صريح، على هيمنة “السياسي ” و عجرفته، في تحد سافر للقانون وعدم احترام قداسته. مع كل ما ينتج عن ذلك من توسيع وتعميق لمجالات التسلط والاستبداد.

كما أن التصريح بالتراجع والانحسار الكاسح لأقطاب وشرعيات الأحزاب التقليدية، هو إدراك لأزمة التمثيل السياسي، وتحول الأحزاب السياسية ، من مؤسسات مفترضة لدعم المشاركة السياسية، والتأطير السياسي  والتعبئة والتنشئة الاجتماعية، إلى قنوات انتخابية تغيب فيها مظاهر الشفافية والممارسة الديموقراطية، إطارات تراجع فعلها السياسي والتنظيمي، وصارت “تنتج ” خطابات جامدة متجاوزة ، لا تجاري تحولات المحيط والسياق.  واتسم خطابها وممارستها السياسية بالوصولية ، وتوقف أفق مشاريعها الاصلاحية عند عتبة التوافق والتسوية.

لقد فاجأت زمنية الاحتجاج  (2008 – 2018) التي شكلت حركة 20  فبراير  2011، وحراك الريف وجرادة وسيدي إيفني  وزاكورة، وباقي الحراكات الشعبية على امتداد ربوع الوطن، كل الأطراف والفرقاء السياسيين، بحكم طبيعتها و وقعها واتساع رقعتها، وكذا طبيعة شعاراتها ومطالبها ، دون أن ننسى رهاناتها وحسابات الأطراف الفاعلة داخلها. وبقدر ما ساهمت هذه الدينامية المجتمعية في الانتقال من الاحتجاج على التحكم والاستبداد وإسقاط رموزه( الحراك الفبرايري) ، إلى تأكيد سلطة الاحتجاج، وقدرته على خلخلة الاستقرار السلطوي،  بقدر ما سارعت الدولة إلى اعتماد مقاربة أمنية عمقت من درجة التوتر ومستويات الاحتقان، وعجلت بإغلاق قوس الانفتاح واللَّبرلة، وعودة شبح سنوات الجمر والرصاص ، التي وان نجحت  الدينامية التي أطلقتها هيئة الإنصاف والمصالحة في إطار ما سمي بـ العدالة الانتقالية، في التخفيف من حدتها ، إلا أنها لم تجسد تلك الطفرة السياسية التي تؤسس لنهاية التسلط، وبداية البديل الديمقراطي.

لقد أتاح هذا الشوط السياسي بمراحله وتجلياته المختلفة (انفتاح، انتقال،  تناوب، توافق، ، حراك) فرصا عديدة، لتكريس مقولات ” النموذج المغربي ” و ” الاستثناء المغربي ” و” القدرة على التغيير في سياق الاستمرارية”، و “إعادة هيكلة الحقل السياسي من الفوق” و”التقليل من امكانية التغيير من الأسفل ” وغيرها من البناءات، وساهمت أيضا، في تغذية المقاربات والتصورات التي حاولت الانكباب ،فحصا ودراسة، على هذه المرحلة وفق الإمكانات التي تتيحها السوسيولوجيا السياسية، خاصة ما تعلق منها ب نظرية  “تعبئة الموارد” أو المتعلقة بنظرية ” الفرص السياسية”، ولكنها أكدت في مستوى ثالث، على القوة النظرية والميدانية، لشباب الإعلام الرقمي والافتراضي، و مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وقدرته على التعبئة والتنظيم، واقتناعه بحتمية التحول والتغيير.

سؤال اليسار، الأزمة والتحول

هو زخم شبابي خرج من رحم التنظيمات الحزبية  وتجاوزها. وفي هذا الخروج  وذلك التجاوز، تعبيرا عن احتضار تلك التنظيمات وموتها البطيء و الأكيد. كما هو مؤشر صارخ  وتجل واضح على انحسار قدرة اليسار المغربي، على تعبئة الموارد والإمكانات واقتناص الفرص السياسية السانحة  لتغيير.

أضحى اليسار غير قادر على المراهنة  على إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الاشتراكي، ولا على بناء  الاقتصاد والمجتمع بناء متحررا ومستقلا،  ولا على تثوير البنيات و الذهنيات والعقليات، وصار يسار مَنْهُوكا من وقع القمع الرهيب والغطرسة المرعبة،  في مرحلة أولى، وكذلك جراء أخطاء ومنزلقات فكرية ونظرية وسياسية ، و منهمكا في تجاذبات و تراشقات غير منتجة، تنم عن ذاتية مقيتة وعن “مرضيات الزعامة”  وكوابح “المشروعية التاريخية”. وحصيلة المسار ، تصحر فكري وتيه تنظيمي و إيديولوجي وسياسي، وهرولة نحو الأطروحات والبناءات المهترئة.

والحقيقة، أنه لم يشهد  الفكر السياسي المغربي عموما، والفكر اليساري على وجه التحديد،  لحظة تستدعي المراجعة والمسائلة،  بقدر هذه اللحظة  التاريخية التي يعيش فيها اليسار المغربي أشد وأقسى أزماته ، أزمة تعددت مستوياتها وتجلياتها،  و تشكل دوريا، أرضية سجالات فكرية وسياسية، تطرح مسألة إرث هذا التقليد السياسي ومستقبله، بنجاحاته وانكساراته و ألامه، في عمق معركة التفكير والتغيير والانتقال.

انتكس حلم الثورة والتغيير، وأضحى الإصلاح والتوافق مؤطرا لرهانات المستقبل. وبقيت الفكرة اليسارية، الحاملة لقيم التحرر والتطور والبناء التنموي والديمقراطي تعاني مراوحةً وانحباساً لأفق المشاكسة و المراجعة والتحول.

ولكن لسؤال اليسار  راهنية وضرورة.

راهنية لقيادة معركة المستقبل،  وإنجاز مهام القطيعة التاريخية، ورهان البحث عن البديل المجتمعي.

 ضرورة، لأن اليسار، قبلا وبعدا، مدرسة وتربية، وتجربة في  التنظير والسياسة، في الحركة والبناء وممارسة الصراع.

وجود اليسار خارج إطار الصراع الفعلي، و في موقع لا يسمح له بالمبادرة والتحرك السياسي، ولا على القدرة على توسيع التضامن الجماهيري،  وتعبئة الوعي الشعبي وبالتالي تحقيق المواجهة الجماهيرية.

وهو ما أدى الى تحجيم امكانياته وتحالفاته، والى انفراطه كحركة هادفة الى التغيير، رغم العديد من الاجتهادات النظرية والمراجعات الأيديولوجية والسياسية التي عرفها خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كرست هامشيتها وعجزها على خلق قوة اقتراحية مبادرة، لا ترقى لأن تشكل منطلقا حقيقيا وحاسما لصيرورة التغيير الحقيقي وتشييد البديل المجتمعي .

معاودة  الغوص في سؤال اليسار تمتح مشروعيتها من اعتبارين اثنين :   أولهما، حتمية تجديد الأجيال و تجدد رهانات معركة الفكر والتحديث والتغيير.  وثانيها، لأن تجدد سؤال اليسار مرتبط بالقدرة على إثارة نقاش حول الرهانات المرحلية والاستراتيجية ليسار حيوي، متجدد ، قادر على التفكير بالأسئلة الحاسمة واللازمة لاستمراريته :

 هل اليسار قادر على تخطي دوغمائيته، و تحيين وإعادة صياغة وبلورة جهازه  المفاهيمي، وإعادة بلورة مشروعه السياسي بدءا بإطلاق صيرورة ” ثورة فكرية تأسيسية ” تهدف إثارة  استفهامات تمس الموروث، وتعيد صياغة النظرية والحركة  والتنظيم، ويتخطى الموانع الكابحة لضرورة إعادة التفكير والتأمل اللازمين لتجديد  أسئلة الفكر اليساري  وجعله يتكلم لغة تعبر عن هموم الشعب ؟

هل الرهان هو بلورة  “راديكالية جديدة ” تساهم  في إعادة تشكيل الحراكات  الاجتماعية، و هيكلة دينامية احتجاجية جماعية، كجبهة  وازنة، تُجَمِّع، تُأَطِّرُ وتُوَجَّهُ كافة روافد و آليات الدفاع الذاتي للمجتمع ، لتنتصب كـ”حركة مجتمع ” كسلطة مضادة، تؤسس لأفق بديل؟    

أن رهان اليسار الحيوي، هو العزم على تجاوز  “أزمة التحول “، بنقد “القديم ” وإعادة صياغة أفكار الماضي أو تجاوزها ، وتمكين “الوعي الجديد ” من البزوغ والترسخ ، وتنويع إمكانات تداوله وانتشاره بين فئات ومجالات المجتمع.

إن حركية كهذه، ستساهم في إعادة بناء العمل السياسي من القاعدة، ليس انصياعا لأوامر الشيخ أو السلطان، ولا خضوعا  لتوجيهات الأمير أو الزعيم، بل بناء على قناعة جماعية، تحسم مع بنيات التجهيل، وتتبنى أولا وقبل كل شيء التثقيف والتوعية السياسية، وتجعل من تعبئة الشعب وتقوية مناعته وأشكال مقاومته ” عزمها الداخلي وشرط عزيمتها “.