صحافة البحث

حوار حصري. “أرملة جهادي”: مسيرتي من الالتحاق بـ”داعش” إلى الاحتجاز في مخيمات الأكراد

- الإعلانات -

في هذا الحوار تتحدث “جُمانة” (إسم مستعار) مغربية هاجرت إلى سوريا رفقة زوجها للالتحاق بتنظيم “داعش” عن تفاصيل التحاق أسرة مغربية والأسباب التي دفعت زوجها باتخاذ قرار الالتحاق بـ”تنظيم الدولة”، وكذلك احتجازها داخل مخيمات الأكراد ووضع النساء المغربيات، التي يبلغ عددهن حوالي 150 امرأة وأطفالهن، داخل هذه المخيمات.

حوار أديبة النوى ومحمد سموني

  • في البداية، هل يمكن أن تعرفي بنفسك دون ذكر أي معطيات شخصية إن لم تريدِ ذلك؟

 أرملة جهادي قتل على الأراضي السورية وأم لطفلين. مضى من عمري 35 سنة. كنت ربة بيت عادية، امرأة من المجتمع المغربي. وقبل السفر لسوريا دفع بي زوجي للانخراط في الجو الحركي. 

  • هل كنت متزوجة قبل أن تلتحقي بسوريا؟ 

نعم متزوجة من قبل السفر وهو زوجي الوحيد وأب أطفالي الذين أنجبتهم بالمغرب. 

  • كيف تعرفت على تنظيم داعش؟

تعرف عليه عبر نشرات الأخبار التي ما كانت تفتر عن ذكر أن “تنظيم الدولة الاسلامية” أو “داعش” سيطر على كذا، اقتحم هنا، فجر هناك، وكان زوجي الوسيلة التي أدخلت إصدارات التنظيم الدعائية إلى البيت. 

  • كيف التحقت في بداية الأمر بتنظيم داعش بسوريا؟ 

أنا لم ألتحق بالتنظيم، فلألتحق علي أولا اعتناق أيديولوجيته وأفكاره وأؤمن بهما. غير أن حقيقة وضعي هي أنني رافقت زوجي رفقة أطفالنا. 

  • هل كان لك الاختيار في الالتحاق أم أجبرت على الأمر؟ 

امرأة تنحدر من مجتمع محافظ بالعادة وعرف المجتمع، والقيل والقال فوق أي اعتبار، امرأة من نتاج منظومة الولي بالتوريث من الأب للعم للأخ للزوج؛ تسأل عن رأيها حتى يكون لها حق القرار والاختيار؟!

نعم أجبرت على ذلك بطريقة غير مباشرة. 

لم يكن لدي خيار آخر إلا الإذعان لقرار زوجي. 

  • كيف اتخذ قرار السفر؟ هل يمكن أن تحكي الخطوات بالتفصيل؟

كان زوجي يعود من العمل وينكب على شاشة الحاسوب حتى أتت فترة ونسي أن له زوجة وأبناء؛ تعرف على أحدهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي فاستقطبه. وبعد إعلان الخلافة اتخذ القرار بقوله: أعلنت الخلافة وأقيمت علينا الحجة، لزاما علينا الآن الالتحاق بأرض تطبق شرع الله. 

ثم بدأ يجهز الأمر باستخراج جوازات السفر للكل، والتنسيق مع المُستقطِب، فخرجنا من طنجة نحو الدار البيضاء باستقلالنا القطار ثم مطار محمد الخامس الدولي، فكانت الوجهة إلى دولة أسيوية ثم تركيا ثم الأراضي السورية. لقد ألزمه المنسق بهذا المسار على حد قوله.

  • كيف وجدت التنظيم لحظة التحاقك؟

بداية الأمر كان الوضع طبيعي جدا، كل شيء متوفر و ببذخ، إلا أن الطاغي على الصورة الاجتماعية الطابع الديني الملتزم، فما كنت لترى امرأة في الشارع كاشفة وجهها سافرة بلباسها؛ ولن ترى رجل حالق لحيته، مضيق سرواله أو شاق كنزته. والاختلاط ممنوع. 

  • هل استقبلتك نساء عند وصولك؟ وماذا قلن لك؟

تم استقبالي في مضافة المتزوجات من قبل امرأة، وبعدها أخذت بياناتي كلها وبيانات الأطفال، فصادرت مني جوازات السفر والهاتف، وقالت: طيلة مدة بقائك في المضافة سيكون التواصل الخارجي ممنوع. 

سألت: إلى متى هذا الوضع؟ 

فأجابت: إلى أن يعود زوجك من المعسكر. 

وبهذا علمت أن بقائي في هذا الوضع مرتهن بنجاعة زوجي في الانتهاء من المعسكر الشرعي الذي يؤطِّرون فيه الجهادي شرعيا، حيث يُعطونهم دروسا عن توحيد الله وعن غاية تواجدنا في هذه الدنيا؛ وكيف خُلقنا؛ ولماذا خُلقنا؛ وأحاديث متواترة عن رسول الأمة (صلى الله عليه وسلم) و التي تنبَّأت لهذا المستقبل، والتي تزرع قيم الأخلاق…  وكذلك المعسكر العسكري الذي يدربونه فيه على استخدام السلاح من المسدس مرورا بالبارودة (كلاشينكوف)، وصولا لـ”البي كي سي” و”الأر بي جي” و”الدوشكا”. 

  • بماذا كانت تقوم النساء في الأيام العادية داخل التنظيم؟

كل أيامنا عادية، إلى أن تم قصفنا أو قصف مكان قريب منا… كانت أيامنا تمضي في ماذا سنطبخ اليوم، وماذا ينقص في المطبخ، وأغلب الأوقات تمر في ماذا سأرتدي في وليمة فلانة وعقيقة فلانة. حتى وصل التنافس بكسكس من سيكون ألذ. 

  • هل كانت النساء تشتغلن؟ وما عملهن؟

بعض النسوة اشتغلن كـ”بيادق” فقط. 

اشتغلن في التعليم والتطبيب والترجمة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

  • هل كان هناك فرق بين النساء العربيات والنساء الأجنبيات؟

نعم كانت هناك فروقات طفيفة. 

  • ما هي هذه الفروق التي كانت بين النساء الأجنبيات والعربيات؟

الأجنبيات كن يستلمن مهامات مثل الدعوة الإلكترونية، والعمل في الترجمة..  كانوا يصدِّرونهن في أغلب الأمور ليعطوا تلك الصورة المتقدمة عن التنظيم بأن من بين صفوفه النخب الاجتماعية. 

أما العربيات مهنهن كانت مؤطرة من قبل الهجرة فهي تكون إما ممرضة أو خياطة أو معلمة. 

  • كيف كانت النساء تشارك في القتال؟ وماهي معايير اختيار النساء المقاتلات؟

اقرأ هذا (أرسلت مقالا بعنوان: دمى لا جهاديات

  • نعم قرأته ومع ذلك أحتاج جوابا منك؟ 

مشاركة النساء في القتال لأمر غير منطقي، وإن روِّج لهذا مرارا وتكرارا. تواجد المرأة في موضع الاقتتال سيسبب تشويش على الجهادي، قد يكون بينهم الأعزب والبعيد عن امرأته، وهنا نتحدث عن كتلة كبت مُحتقنة. 

فكيف سيضع التنظيم عود الثقاب جنب التبن؟ 

الجواب بديهي. 

كذلك التنظيم كان حريصا على النساء من ناحية العرض لأن حفظ العرض (العفة) من الأساسيات الخمسة التي خرجوا للقتال في سبيلها. وعهد على التنظيم استماتته على تقوية حاضنته الشعبية؛ فكيف إذا سيسمح بأمر مناقض الكلية مع ما يحمله من الثوابت؟ 

الجواب بين. 

  • ما هي الأدوار التي كانت تقوم بها النساء خاصة داخل التنظيم؟

دور النساء داخل التنظيم كان، ما يمكن اعتباره، صمام أمان الجهادي، من جهة فأي امرأة كانت بالتنظيم لا تخلو كونها : أم، عمة، ابنة، أخت، خالة، جدة، أو زوجة لأحدهم. أما الأدوار العملية، كما أسلفت الذكر، أشرفت النساء على إعطاء دروس الدعوة إلى الله، واستشراف الدورات الشرعية للنساء المُهاجرات منهن والأنصاريات وحتى العاميات، كانت من بينهن طبيبات نسائية وتوليد، ومنهن أم إسماعيل المغربية التي كانت أخصائية نسائية بمستشفى مدينة الطبقة التابعة “لولاية الرقة”، وهكذا شغلن كل ما يمكنه خدمة المرأة الأخرى، إلا القتال. 

  • لكن، روّج التنظيم نفسه فيديوهات وصورا لكتائب نسائية مثل الخنساء وأم الرَّيان وهي خاصة بالنساء المقاتلات كيف تفسرين ذلك؟

هذه كتائب إعلامية فقط تتبع للفصائل السورية كالجبهة والجيش الحر، وإن لديك إصدار ما، لنرى مصدره أو الوكالة الإعلامية هل هي الرسمية التابعة التنظيم أم لا. 

  • ما هو الدور الذي أسند لك؟

في الحقيقة سؤالك أحرجني جدا. حدِّثتني في وقت أعيد فيه تدوير نفسيتي ومصالحة نفسي. لهذا سأخذ النفس الطويل وأجيبك:   أسند إلي أن أكون الشريكة المثالية التي لا تشتكي ولا تتذمر ولا تتعب ولا تعترض ولا تناقش ولا تفكر، فقط عليها أن تكون في أهبة الاستعداد من  تزين و تجمُّل وحسن تبعل كلما أخبرت بمجيئ زوجها، وبهذا أكون الزوجة المثالية، الحلم الخلاب لكل ذكر. 

فتيحة المجاطي لحظة وصولها إلى سوريا للانضمام لتنظيم “داعش” (صورة خاصة)
  • هل التقيت بفتيحة المجاطي، المغربية التي كانت مسؤولة عن مضافات النساء؟

لا، لم ألتقِ بها، أنا دخلت للتنظيم وأنا متزوجة وهي كانت مسؤولة عن مضافة العازبات. وكانت تتحرك بسرية عالية بسبب تعاونها مع الجهاز الأمني للتنظيم. 

  • ما هو مصير المجاطي (إن كنت تعرفين بطبيعة الحال)؟

خرجت من الباغوز، وصلت إلى مخيم الهول، تعرفت عليها النسوة وكن يردن الانتقام منها بسبب ما فعلته بهن أيام التنظيم، وفي ليلة حالكة السواد اختفت لوجهة غير معلومة. 

نساء وأطفال بأحد مخيمات قوات سوريا الديمقراطية شمال سوريا (أ ف ب)
  • كيف انتهى بك المطاف داخل المخيم؟ 

بداية سنة 2018 قررت الفرار من التنظيم بعد اختفاء زوجي، هنا فقط أتيح لي التحرك دون مراقبة منه. خرجت من بلدة ابو حمام، و بعدما علم المهرّب أنني لا أملك نصف المال المتفق عليه، سلمني لقوات سوريا الديمقراطية، وهكذا وجدت نفسي بالمخيم.

  • هل تصفي وضعك باللاجئة أو المحتجزة؟ 

لست لاجئة، لأن بلدي ليست بأرض حرب، هي أرض آمنة وخرجت منها بطريقة قانونية ولم ألجأ لأي جهة؛ أنا مُحتجزة احتجاز قسري لأنني أجنبية و أتواجد على أرض ليست أرضي بطريقة غير شرعية، وليست معي أوراق ثبوتية مع تهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، كذلك أنا اعتقلت وأنا فارة هاربة ولم أسلم نفسي لقوات سوريا الديمقراطية، ولست في المخيم باختياري.

  • كم عدد المغربيات المتواجدات في المخيم وكذلك عدد الأطفال؟

إن حددت لك عددنا فقد حددت مكاني، وهذا صعب. 

لكن مجمل عددنا بين مخيم الروج والهول ليس أكثر من 150 امرأة.

  • كيف هي معاملة النساء لبعضهن في المخيم؟

المعاملة تختلف حسب الطائفة التي تنتمي إليها، فإن كنت من عقيدتهن فأنا أختهن ولا يقصينني خارج القطيع، وإن كنت مخالفة لهن، فأنا الغريبة وانتهى.

  • سمعنا كان هناك قتل نساء من طرف نساء أخريات، سمعت بهذا؟

نعم سمعنا بهذا ولا تأكيد، هذه الجرائم كانت تحدث قبل فصل القواطع عن بعضها، حيث كان عوام العراقيات والسوريات مسموح لهن بالدخول إلى أقسام المهاجرات، وبعد عزل المهاجرات عن الباقي ما رأينا ولا سمعنا عن جريمة قتل. هناك شغب، فوضى، ضرب، تكتلات مافيوية.. أما جرائم قتل لا. 

صورة من مخيم الهول لخيم مساعدات انسانية موجهة للنساء واللأطفال
  • كيف هي معاملة الأكراد؟

كلمة الإنصاف واجبة علي مهما اختلفنا.

معاملتهم لنا مقيدة بمعاملتنا معهم، إن احترمهتم احترموك بزيادة، وعاملوك بإنسانية عالية وأخلاق راقية. وهناك فترات تتخللها تصرفات طائشة فردية. 

واسمح لي أن أوجه لهم شكري وعرفاني بجميل صنيعهم معنا، من سماحهم للمنظمات الراغبة في مساعدتنا بالدخول إلينا وتقديم خدماتهم، إلى تفانيهم وحرصهم على أمننا وأماننا حتى نصل إلى بلداننا الأم.

  • كيف يمر اليوم داخل المخيم؟

روتين سماؤه مكفهرة بالاكتئاب والملل ورتابة ذات رائحة مزكمة قاتلة مسممة. 

  • كيف هي المعاملة داخل المخيم، وهل يوجد فعلا معاملة حاطة بالكرامة الإنسانية؟ 

كما قلت المعاملة مُرتهنة بأسلوبك ومعاملتك وأخلاقك.

  • هل توصلت معكم أي جهات رسمية مغربية داخل المخيم؟

لا

  • ما هي المطالب التي تحملها أغلب النساء العالقات في مخيمات سوريا؟

أول مطلب: تفعيل قرار ترحيلنا على أسرع وجه ممكن. 

ثاني مطلب: أعادتنا بشكل عاجل فالأوضاع متأزمة. 

ثالث مطلب: الشروع في عملية ترحيلنا بشكل مستعجل. 

ثم النظر في وضعنا النفسي والاجتماعي لنا ولأولادنا الذين دمرنا طفولتهم بغبائنا وتهورنا وفهمنا لدين الإسلام فهم خاطئ.

  • هل ما زلت نساء داخل المخيمات تحمل أفكار تنظيم داعش، وماهي مطالبهن؟

لا أعرفهن ولا أعلم بوجودهن.

  • هل ما زال نساء لديهن أمل في العودة لتنظيم الدولة؟  وهل هناك أخريات مستعدات للقتال مع “داعش”؟ 

هناك البعض ولكنهن لسن مغربيات، على حد علمي، وأود الإشارة إلى أن عشرات النساء اللواتي تُركن للجوع وتخلي بلدانهن عنهن فقد عدن لتبني فكر التنظيم شكلا ومضمونا، حتى يحمين أطفالهن وأنفسهن وليستلمن الفتات ليقتتن عليه. 

أما قتال المرأة فلا يوجد.