صحافة البحث

محمد سعيد السعدي يشرِّح أوهام النيوليبرالية في “المنطقة العربية” [كتاب إلكتروني]

- الإعلانات -

يتناول المؤلف الجديد للاقتصادي محمد سعيد السعدي تأثير السياسات النيوليبرالية التي تم اعتمادها في العديد من البلدان العربية على التنمية وعلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن(ة). ويحاول السعدي من خلال الدراسات المجمعة فيه دحض فرضية التأثير الإيجابي لتبني الطرح النيوليبرالي، مُبينا الانعكاسات السلبية لمجموعة من السياسات النيوليبرالية على الاقتصادات العربية، سواء تعلق الأمر بالعلاقات التجارية والاقتصادية، أو الأمن الغذائي، أو تنامي مظاهر الهشاشة من خلال انتشار العمل غير المهيكل وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية جراء تبني ما يسمى بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.

سنعرض في هذا الفصل التقديمي لأوهام النيوليبرالية كحل لإشكالية التنمية وأعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل أن نقدم الاستنتاجات الأساسية للدراسات التي يحتويها هذا الكتاب.

1 أوهام النيوليبرالية

أ- التعريف: حسب ها- جون تشانغ وغرابل ايلن (1)، يحيل مفهوم النيوليبرالية الى ثلاثة مكونات رئيسية: أولا، اعلاء قيمة السوق الحرة في مواجهة الدولة في مجال الحكامة الاقتصادية ، وتسهيل انسياب السلع والرساميل (من خلال حذف دعم الأسعار او تسقيفها، والتبادل الحر وتحديد سعر الصرف من خلال آليات السوق).ثانيا، تعزيز دور ونطاق عمل القطاع الخاص والملكية الخاصة (من خلال عمليات الخصخصة، ورفع الضوابط التنظيمية الخ.).ثالثا، الترويج لفهم خاص “للسياسة الاقتصادية السليمة” (بالتركيز على  توازن الموازنة العامة للدولة، ومرونة سوق الشغل ، والحفاظ على مستوى متدني للتضخم).

ويركز عبد الله البريدي (2) على ثلاث أفكار فرعية في تعريفه للنيوليبرالية وهي:الفردانية الشخصية، حيث يتم اعتبار الفرد هو “الوحدة الأهم، وأنه لا وجود أو لا أهمية كبيرة لما يسمى “المجتمع”…..وأن الفرد هو المسؤول عن نفسه وأنه يبحث عن مصاحه الشخصية -بنزعة أنانية- بما يدعم إنتاجيته وابتكاريته…).يضاف الى هذه الفكرة الأولى فكرتا حرية السوق (حرية التملك والاستثمار والتجارة والاستحواذ والتنافس والاحتكار بقوالب لانهائية، ولامحدودة)، ثم فكرة الخصخصة  باعتبارها تقلص من “الاعباء العامة بعدم التورط الحكومي بتشغيل القطاعات المختلفة ، لضمان فاعلية أكبر للخدمات المقدمة والسلع المنتجة من جانب القطاع الخاص ، ولتعزيز  مقومات النمو والتوسع المستدام لمختلف المشاريع والقطاعات”.

بـ -ظروف نشأة  وانتشار النيوليبرالية: لقد برزت النيولبرالية في أواخر القرن التاسع عشر كمشروع سياسي للتصدي لصعود الحركة العمالية و”التهديد” المصاحب للاشتراكية (3).فالهدف الرئيسي كان ويبقى “الحفاظ على نظام اجتماعي رأسمالي لمصالح الملاك الكبار” (نفس المصدر).ورغم ان “النظرية الكينيزية” كان تسعى الى تحقيق نفس الهدف، الا ان الحلول التي روجت لها  أحدثت قطيعة مع النظرية الكلاسيكية الجديدة وجعلت الطبقة الرأسمالية تدفع  ثمن ضمان استقرار النظام الرأسمالي (على سبيل المثال لا الحصر، توزيع أفضل للقيمة المضافة لصاح العمال وتعميم الحماية الاجتماعية، ربط الإنتاجية بالزيادة في الأجور في اطار ما سمي بالنموذج “الفوردي” ).

سيستغل الاقتصاديون النيولبراليون دخول اقتصادات الدول الرأسمالية في حالة “الركود التضخمي” خلال فترة السبعينات من القرن الماضي لتكثيف هجومهم على السياسات ذات الطابع الكينيزي، مروجين لمقولة “الدولة ليست هي الحل، بل هي المشكل”. وسيتم تدعيم هذا الهجوم من خلال تعبئة الرأسمال الكبير حيث تضررت العديد من الشركات الكبرى من عاملين اثنين، أولهما ظاهرة الاشباع لدى المستهلكين/ات في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وثانيهما ارتفاع تكاليف الإنتاج جراء الزيادة الصاروخية في الأسعار العالمية للبترول. هذا الوضع الجديد دفع الرأسمال الكبير الى الضغط بقوة على الحكومات من اجل خفض الضرائب ورفع القيود على القطاع المصرفي والمالي وخفض تكلفة العمل من خلال سن “مرونة سوق الشغل”.

هكذا، ستعتمد هذه البلدان ثلاثية “لبرلة الاقتصاد-الخصخصة-التقشف والاولوية للحفاظ على التوازنات المالية”، سعيا وراء خلق مناخ ملائم لعمل آليات السوق الحر الكفيلة وحدها لتحقيق التوظيف الأمثل للموارد.

وعلى مستوى بلدان العالم الثالث، سيتم تطبيق الطرح النيوليبرالي من طرف الجنرال “بنوشي” بالشيلي بعد الانقلاب العسكري على الحكم الاشتراكي المنتخب ديموقراطيا بزعامة الرئيس “ألليندي” سنة 1973 مدعما في هذا المشروع من طرف المخابرات الامريكية. ثم سيتم تعميم النموذج النيوليبرالي على بلدان العالم الثالث التي سقطت في فخ المديونية في بداية الثمانينات من القرن العشرين.

وتدخل البلدان العربية في هذه الخانة حيث اضطرت هذه الأخيرة إلى صندوق النقد الدولي بغية الحصول على إعادة جدولة ديونها الخارجية مقابل تنفيذ برنامج التكيف الهيكلي ذي طبيعة نيو ليبرالية. هكذا التزمت هذه الدول باعتماد سياسات تقشفية شملت تخفيض الدعم لأسعار المواد الأساسية، وخفض الانفاق العمومي، وتجميد الأجور وخفض قيمة العملة الوطنية. وقد نجم عن هذه الإجراءات التقشفية اضطرابات اجتماعية عنيفة في بلدان كمصر (1977)،تونس (1984)، المغرب (1981 و1984)،الجزائر والأردن (1989) والسودان (1982 و 1985(4 ).

وقد تم تعميق هذا التوجه النيوليبرالي خلال مرحلة التسعينات من القرن الماضي حيث وقعت الدول العربية على اتفاقيات جماعية لتحرير التجارة الخارجية في اطار منظمة التجارة العالمية وكذلك مع الاتحاد الأوروبي (اطلاق مسلسل برشلونة بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية المتوسطية عام 1995)،بالإضافة الى انشاء منطقة التجارة الحرة العربية عام 1966.بالموازاة مع هذا، اطلقت العديد من البلدان العربية مسلسلا لخصخصة القطاع العام وتم منح تسهيلات عديدة أملا في جلب الاستثمارات الأجنبية.

ج- نقذ أوهام النيوليبرالية

يقوم الطرح النيوليبرالي على عدد من الفرضيات التي لا تعدو ان تكون مجرد أوهام عند مناقشة منطقها الداخلي ومقارعتها مع التجارب الاقتصادية وصلابة معطيات الواقع. وسنركز عرضنا حول أربعة أوهام هي من صميم المقربة النيوليبرالية وهي: وهم حرية السوق، ووهم “نظرية” التقاطر إلى تحت”، ثم وهم “التخصص ” حسب الميزات التنافسية النسبية، وأخيرا وليس آخرا، وهم محاربة التضخم والتقشف باعتبارهما ضروريان لتحفيز النمو والاستثمار واحداث فرص الشغل.

 الوهم الاول: الأسواق الحرة تزيد من التنافسية، وتحرر طاقات القطاع الخاص الذي سيستثمر أكثر، دافعا بالتالي عجلة النمو واحداث فرص الشعل الى الامام. الرخاء سيعم الجميع من خلال “نظرية” التقاطر الى تحت”.

 تنبني جدوى السوق الحرة على فرضية أن تدخل الدولة لفرض سلوكيات معينة على الفاعلين في السوق لا يساعد على التوظيف الأمثل للموارد. وفي حالة عدم تمكن هؤلاء الفاعلين من فعل ما هو مربح لهم، فإنهم سيتوقفون عن الاستثمار والابتكار. لهذا، وجب ترك الحرية لهم لاتخاذ القرار المناسب في السوق كما يدعي الاقتصاديون النيوليبراليون. ويبرر اتباع عالم الاقتصاد النمساوي فريدريش فون هايك رفضهم لأي تدخل حكومي على الاطلاق في السوق بقدرة هذه الأخيرة من خلال ميكانيزماتها الذاتية، على تصحيح اختلالاتها بنفسها، دون الحاجة الى تدخل خارجي ، وتحقيق التوازن والسعادة والرفاه والحرية لجميع الأفراد، و”أنّ السوق الحر من أية قيود، هو الضمانة الأمثل لرأسمالية تحقق الازدهار للبشر”(هشام البستاني، خرافة اقتصاد السوق الحر، موقع الاخبار،20 تشرين الأول 2008 ).

يفند ها-جو تشانغ هذه الادعاءات بالتأكيد انه لا وجود ل”السوق الحرة” على أرض الواقع (5)

هذا الاقتصادي غير الاورثدكسي يثير الانتباه الى وجود العديد من الضوابط التنظيمية التي تحد من حرية التبادل في الأسواق كما هو الشأن بالنسبة لتجارة الأسلحة او المخدرات والأدوية الخ.. كما توجد قيود للمشاركة في السوق (منع الأطفال من ولوج سوق الشغل مثلا)، أو ولوج بعض المهن (الطب والمحاماة مثلا)، ناهيك عن تقييد الشركات في البورصة. كما يطال تقييد حرية السوق عملية تحديد الأجور التي تتم في ظل المراقبة الشديدة لهجرة العمالة الأجنبية،أذ من شأن تحرير انتقال البشر عبر الحدود الضغط على الأجور إلى الاسفل. والامر نفسه يجري على سعر الفائدة الذي يحدد بقرار سياسي من طرف البنوك المركزية.

لهذا، يطرح السؤال عن الهدف الحقيقي من الترويج بقوة لحرية السوق من طرف المؤسسات الدولية ومنظمة التجارة العالمية. ويشير هشام البستاني في هذا الصدد الى انه، عقب انهيار جدار برلين، “دُفعت دول الجنوب دفعاً لتبني مفهوم «السوق الحر» الحقيقي من خلال اشتراطات سياسية واقتصادية للاقتراض من مؤسسات تسمى تمويهاً «دولية»، مثل البنك ا أو صندوق النقد الدوليين (ما يسمى خطط «التصحيح» أو «إعادة الهيكلة،

او من خلال الابتزاز والرشى والعمولات وتوزيع الوكالات على ممثلي السلطة”.

…ويضيف “أسواق الجنوب «الحرة» (كما يريدها الشمال الرأسمالي) يجب أن تكون أسواقاً مفتوحة بالكامل بلا ضوابط قانونية لحمايتها، وبدون أي تدخل من الدولة لضبطها أو التحكم بها، بلا حواجز جمركية، بلا معاملة تفضيلية للسلع الوطنية، بلا قيود على الاستثمار القادم من المراكز، بلا قيود على حرية حركة رأس المال الداخل والخارج، ومن دون أي دعم حكومي لأي قطاع أو سلعة أو خدمة، وبشرط ألا تكون الدولة نفسها لاعباً رأسمالياً، أي لا تملك أية قطاعات أو شركات أو مؤسسات. أي ببساطة، اقتصاد سوق حر حقيقي”. والغريب في الامر أن الدول الرأسمالية المتطورة لا تطبق ما تحاول فرضه على بلدان الجنوب! فعلى سبيل المثال لا الحصر، قام الاتحاد الأوروبي عام 2020  بتبني اطار جديد يقضي بتقنين الاستثمار الخارجي المباشر خوفا من استحواذ الشركات الصينية على شركات أوروبية تعتبر استراتيجية بالنسبة للسيادة الأوروبية (6).

الوهم الثاني: نظرية “التقاطر إلى  تحت” (7) (trickle down effects

يدعي الاقتصاديون النيوليبراليون أن تحرير الطاقات من اجل تحقيق النمو الاقتصادي والرفاه للجميع يمر عبر التخلي عن الضرائب المبالغ فيها وتعقيدات الضوابط التنظيمية. بصفة أدق، يدافع أنصار الطرح النيوليبرالي علي ما يسمونهم ب”نظرية التقاطر إلى تحت” والتي مفادها آن تخفيض الضرائب على الأغنياء (والرأسمال بصفة عامة) يحفز ازدهار الشركات ويشجع الاستثمار والابتكار، مما ينعكس إيجابا على النمو والتشغيل، وبالتالي يساهم في تحسين ظروف عيش الفقراء.

8.Source: Dumas A, L’économie du ruissellement: une theorie zombie, La Gazette de la Maurice, 2/2/2021

يلخص الرسم التوضيحي رقم 1 الفرضيات التي تنبني عليها “نظرية التقاطر إلى تحت” من وجهة نظر الاقتصاديين النيوليبراليين ويواجهها بآثارها على أرض الواقع. هكذا، نلاحظ بأن خفض الضرائب على الأغنياء والشركات لا يؤدي حتما الى الزيادة في الاستثمار المنتج ،بل ينجم عنه ارتفاع في الأرباح الموزعة لفائدة المساهمين.  هذا التقليص في الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى يساهم في تفاقم اللامساواة من خلال تقاطر الثروة الى أعلى وليس الى تحت كما يدعيه أصحاب هذه “النظرية”. بل أكثر من هذا، يتراجع معدل النمو الاقتصادي.

إن الهدف الحقيقي للترويج لهذه “النظرية” هو تبرير ضرورة خفض الضرائب على الرأسمال لتفادي نزوحه الى بلدان وأماكن أخرى (خاصة الملاذات الضريبية) في إطار العولمة النيوليبرالية.

الوهم الثالث: التخصص حسب الميزات النسبية

في نظر أصحاب الطرح النيوليبرالي، يعتبر التبادل الدولي الحر امتدادا منطقيا لألية السوق الحرة باعتبارها الضامن الأكبر للتخصيص الأمثل للموارد. هكذا، من شان تخصص بلد معين في انتاج وتصدير سلع وخدمات محددة حسب نظرية الميزات النسبية ان يحسن من تنافسيته الدولية والمساهمة، بالتالي، في الرفع من معدل نموه الاقتصادي وتحسين مستوى عيش ساكنته.

لقد استعمل هذا الطرح لدفع العديد من البلدان النامية للتخلي عن سياساتها الحمائية التي مكنتها من التوفر على قدرات إنتاجية محلية من خلال التصنيع المعتمد على إحلال الواردات. وتم هذا الضغط تحت “حجة” ان هذا النوع من التصنيع أدى الى تكلفة عالية مقارنة مع السلع المصنعة المتوفرة في السوق الدولية، وبالتالي ساهم في اهدار موارد كان بالإمكان توظيفها في قطاعات أكثر كفاءة وملائمة مع مؤهلات هذه البلدان من يد عامل ورأس مال وموارد طبيعية.

أن هذا الطرح النيوليبرالي الذي يبدو ظاهريا منطقيا لا يصمد أما دروس التجارب الاقتصادية التاريخية كما انه لا يأخذ بعين الاعتبار مستلزمات وشروط “التصنيع المتأخر” (بمعنى أنه يمكن كسب التنافسية عبر سياسة ارادية للدولة).

فيما يخص العامل الأول، تبين تجارب الدول الرأسمالية “المتقدمة” بأنها لم تعتمد التبادل الحر كسياسة تجارية الا بعد ان أمنت قدراتها الإنتاجية الذاتية وبنت صناعات تنافسية في ظل حماية تجارية متشددة. ولعل المثال الأبرز في هذا الصدد هو الولايات المتحدة التي اعتمدت استراتيجية للتنمية الاقتصادية تقوم على حماية “الصناعات الناشئة” ودعم الدولة لها تطبيقا لتقرير كاتب الدولة للخزينة الكسندر هاملتن حول الصناعة (1791).وقد انفردت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى بكونهما البلدين الأكثر لوجوأ الى الحمائية ضمانا لصعودهما خلال الفترة الممتدة  من سنوات 1830 الى سنوات 1940 بالنسبة للأولى ومن سنوات 1720 الى سنوات 1850 بالنسبة للثانية. ولا يعد هذان البلدان استثناء في هذا الصدد حيث اعتمدت بلدان أخرى كألمانيا واليابان نفس السياسات التجارية الارادية والحمائية من أجل انتقالها الى مصاف الدول الغنية (انظر ها-جون تشانغ، المصدر السابق).

اما العامل الثاني، فيتعلق ببعض بلدان الجنوب التي ضمنت صعودها في اطار ما يسمى ب”التصنيع المتأخر”، وهي الصين وكوريا الجنوبية. عكس نظرية التخصص حسب الميزات النسبية، اعتمد هذان البلدان مقاربة غير أورثودكسية الطابع (Non-Orthodox)  لبناء قدرات صناعية وانتاجية تنافسية وانجاح مشروع “اللحاق” بالبدان الرأسمالية المتقدمة في اطار “التصنيع المتأخر”. وقد بنيت هذه المقاربة على ركيزتين أساسيتين أولهما تدخل ارادي للدولة لدعم وحماية المؤسسات الإنتاجية حتى تراكم شروط التنافسية من خلال أليات التعلم (Learning) أو التمرين (Apprentissage) لخفض تكلفة الإنتاج وحيازة المقدرة التنافسية. ثانيهما، ربط التدخل والدعم الحكوميين بشرط احراز نتائج ملموسة وقابلة للقياس من قبل المؤسسات الإنتاجية تكسبها القدرة على التنافس واختراق الأسواق الدولية (9).

العامل الثالث والأخير ذلك أن ما يميز التجارة العالمية الحالية هو اندراجها ضمن سلاسل الإنتاج العالمية حيث تقوم الدول بالتخصص الرأسي في مرحلة محددة من مراحل الانتاج المختلفة للمنتج (أي التصميم، الانتاج والتسويق وغيرها)، ومن هنا يتم تصنيع المنتج النهائي

وتتسم سلاسل الإنتاج العالمية باحتكار الشركات المتعددة الجنسيات لاهم مفاصلها، الا وهي  الحلقة الخلفية التي تضم أنشطة الابتكار المحمية بفعل “حقوق الملكية الفكرية”، والحلقة الامامية المكونة من أنشطة التسويق والتوزيع. والحال ان هذا الاحتكار المزدوج يذر أرباحا ريعية تمكن هذه الشركات من الاستحواذ على الجزء الأكبر من القيمة المضافة لسلاسل التوريد العالمية. ويؤدي توزيع العمل هذا الى حصر بلدان الجنوب في الأنشطة الإنتاجية المحضة فقط والتي تعرف منافسة شديدة تجعل نصيب المنتجين والعمال/ات من القيمة المضافة محدودة جدا.، دون ضمان احترام شروط العمل اللائق كما نبهت الى ذلك العديد من الدراسات الواردة في تقارير منظمة العمل الدولية ولجنة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية على الخصوص. بالإضافة الى هذا، يحد التخصص في بعض الحلقات الانتاجية لسلاسل القيمة العالمية من إمكانية بروز تصنيع حقيقي في بلدان الجنوب، وهو شرط لا غنى عنه لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة (10)

الوهم 4: الأولوية لاستقرار الأسعار والتقشف

يعتبر الاستقرار الاقتصادي من وجهة نظر الطرح النيوليبرالي ضروريا لتحفيز للاستثمار والنمو وخلق فرص الشغل. ويمر تحقيق هذا الهدف عبر محاربة التضخم (أي ضمان استقرار الأسعار) الناجم عن عجز الموازنة العامة حيث تقوم الدولة-والسياسيون بصفة عامة- بتشجيع الانفاق العمومي لإرضاء “زبائنهم” من المواطنين وكسب تأييدهم. لهذا يجب اللجوء الى سياسات تقشفية لاستعادة ثقة القطاع الخاص في الاقتصاد. وقد عزت المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي أدت الى اعتماد برامج التكييف الهيكلي الى الاستدانة الخارجية والتضخم المفرط اللذان اتسم بهما الأداء الاقتصادي والمالي لبلدان العالم الثالث، خاصة بلدان امريكا اللاتينية. فأية مصداقية يمكن اضفاءها على هذا الطرح؟

أولا، ما يلاحظ هو أن الطرح النيوليبرالي يعتبر بأن التضخم، مهما كان مستواه، يضر بالاستثمار والنمو الاقتصادي. لهذا، وجب حصر معدل التضخم المقبول في حده الأدنى ما بين 1 و 3 بالمئة وخفض عجز الموازنة العامة الى اقل من 3 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي في العموم. والحال أن التجربة التاريخية ابانت انه ليس هناك علاقة ترابط خطية بين معدل التضخم ونسبة نمو الناتج الداخلي الإجمالي. على سبيل المثال، سجلت البرازيل خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي احد اعلى معدلات نمو الدخل الفردي في العالم (4،5 في المئة سنويا) في حين بلغ معدل التضخم خلال نفس الفترة 42 في المائة.

بصفة عامة، يتبين من دراسات للبنك الدولي ولباحثين اخرين (11 ) ان معامل الترابط  بين التضخم والنمو يعادل صفر او يعتبر إيجابيا بشكل طفيف، هذا في حال لم يتجاوز معدل التضخم 20 بالمئة. بالمقابل هناك ادلة على ان اعتماد سياسات متشددة لمحاربة التضخم قد يضر بالاقتصاد. ويشير في هذا الصدد الاقتصادي غير الأرثوذكسي ها-جو تشانغ الى تجربة البرازيل التي تمكنت من تقليص معدل التضخم الى 7،1 في المئة من خلال الرفع من معدلات الفائدة الحقيقية (أي المعدلات الاسمية ناقص معدل التضخم) الى مستويات هي الأعلى في العالم في تلك الفترة (10 الى 12 في المئة سنويا).غير ان تحقيق هذه النتيجة تم على حساب معدل النمو السنوي للدخل الفردي الذي لم يتعد 1،3 في المئة (راجع ها-جون تشانغ، المصدر السابق).وهذا راجع الى ان تبني سياسات متشددة لمحاربة التضخم تؤدي في الحقيقة الى انخفاض معدل الاستثمار. ويصبح هذا واضحا مثلا في حال اعتماد معدلات فائدة تعادل 8،10 او 12٪، وهي معدلات تدفع الفاعل الاقتصادي الى تفضيل الاستثمار ذي الربحية العالية مقارنة مع ربحية في القطاعات المالية لا تتجاوز 7 في المئة. ويثير ها-جون تشانغ الانتباه الى أن العالم شهد توالي الازمات المالية والمصرفية منذ اعتماد سياسات متشددة في مجال التضخم كمؤشر “موثوق” به للاستقرار الاقتصادي. ولعل ما حدث في اسيا خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي خير دليل على هذا الامر حيث لاحظ تقرير الأمم المتحدة المشار اليه أعلاه الى ان بلدان ككوريا الجنوبية وتايلاند عانت كثيرا من الصدمات الخارجية المتمثلة فيما سمي بالأزمة المالية الاسيوية لعام 1997 رغم تبنيها لمعدل مستقر للتضخم ونسبة منخفضة للدين مقارنة مع الناتج الداخلي الإجمالي.

بالإضافة الى هذا، اتسم تطور الاقتصاد العالمي خلال مرحلة التحكم في التضخم (أي بعد سنوات الثمانينات من القرن الماضي) بتسجيل معدلات متواضعة للنمو الاقتصادي كنتيجة طبيعية لتراجع معدل الاستثمار. وقد عانت البلدان الرأسمالية الغنية من هذا التدهور رغم تحكمها بشكل كبير في التضخم، عانت من تراجع معدل نمو الدخل الفردي من 3،2 في المئة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، الى 1،4 في المئة خلال الفترة 1990-2009 (انظر ها-جون تشانغ)4).

أخيرا وليس آخرا، يؤدي اعتماد الاقتصاديون النيوليبراليون لمفهوم ضيق للاستقرار الاقتصادي من خلال حصره في محاربة التضخم، الى عدم التعامل بالجدية الطلوبة مع تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في بلدان الجنوب حيث العجز الاجتماعي والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم المواطنين مهدورة بالإضافة الى الخصاص في مجال البنيات التحتية. فإعطاء الأولوية للسياسات التقشفية أدى الى خفض الانفاق على مجالات حيوية بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية كالتعليم، والصحة والحماية الاجتماعية والبنيات التحية والاستثمار في القطاع الزراعي إلخ..

2. الاستنتاجات الأساسية للدراسات المتضمنة في هذا المؤلف.

تتناول الدراسات التي يحتويها هذا المؤلف تأثير السياسات النيوليبرالية على الاقتصادات العربية وتبين كيف أن الأوهام التي عرضناها بصفة نقدية أعلاه تجلت بشكل واضح في المنطقة العربية.

أ. تتناول الدراسة الأولى تحت عنوان “شراكة جديدة ام تكريس للتبعية؟” الاقتراح الذي قدمه الاتحاد الأوروبي حول ” شراكة متجددة مع المتوسط” للبلدان العربية المتوسطية. وتظهر هذه الدراسة أن هذا الاقتراح يكرس النهج النيوليبرالي الذي ارتكزت عليه  العلاقات الأورو-عربية منذ انطلاق “مسلسل برشلونة” عام 1995 ،خاصة من خلال اعتماد التبادل الحر بين ضفتي المتوسط. وتبين الدراسة كيف ان مختلف المبادرات الأوروبية تجاه البلدان العربية المتوسطية لم تف بوعودها في تحقيق السلم والامن والازدهار المشترك، بل أدت الى تعميق التبادل غير المتكافئ والتبعية واستفاد منها الرأسمال الأوروبي الكبير. كما ساهمت في تفاقم مظاهر التنمية الرثة (نمو اقتصادي متواضع مقابل تنامي القطاع غير المهيكل والبطالة والاقصاء الاجتماعي. من جهة أخرى، نجم عن هيمنة الاتحاد الأوروبي على اقتصادات البلدان العربية المتوسطية تقلص كبير للحيز السياساتي المتوفر لتبني استراتيجيات مستقلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تخدم مصالح شعوب هذه البلدان. وتستعرض الدراسة المساهمة المتواضعة للاتحاد الأوروبي لدعم جهود هذه البلدان في محاربة جائحة كوفيد 19 وتقدم بدائل لبناء علاقات جديدة بين ضفتي المتوسط تنبني على قيم التضامن والتعاون والتآزر عوض تغليب المنطق التجاري وتعظيم الأرباح لصالح الرأسمال الكبير.

ب.تدور الدراسة حول “تآثير السياسات الزراعية على الامن الغذائي في العالم العربي” الى مساهمة السياسات الزراعية المعتمدة منذ الخمسينيات من القرن الماضي من طرف البلدان العربية في تدهور الامن الغذائي وتفاقم التبعية الغذائية للسوق الرأسمالية العالمية, مركزين على الاثار السلبية للتكييف الهيكلي الزراعي وتحرير السياسة التجارية الزراعية في هذا المجال. وتستعرض الدراسة بعض المعطيات التي تبرز انعدام الامن الغذائي وتطور التبعية الغذائية للخارج, وسمات السياسات الزراعية (أي مجموعة الإجراءات والتشريعات والقوانين التي تتخذها الدولة تجاه القطاع الزراعي في سبيل تحقيق اهداف محددة تتضمنها الخطط الزراعية )التي ميزت العالم العربي بين الخمسينيات ونهاية السبعينات من القرن الماني مبينين محدوديتها , قبل التطرق الى التحول الجوهري في هذه السياسات مع اعتماد النموذج النيوليبرالي والرهان على التجارة والانخراط الواسع في السوق الرأسمالية العالمية لضمان الامن الغذائي .  كما تتطرق الدراسة  لمخاطر التبعية الغذائية العربية ابان وقوع الازمة الغذائية العالمية التي بينت انكشاف الاقتصادات العربية على السوق العالمية وهشاشة الامن الغذائي من جراء تقلبات الأسعار العالمية للسلع الغذائية. وقد أدت هذه التبعية الى الارتفاع المستمر لمستويات أسعار السلع الغذائية  بالعالم العربي, مما دفع الحكومات العربية الى اتخاذ سلسلة من السياسات والإجراءات للحد من هذه الاثار السلبية على الامن الغذائي.وتأكد الدراسة على ان تعميم النموذج النيوليبرالي التصديري بالعالم العربي غير ممكن نظرا لضعف الموارد الطبيعية من أراضي ومياه واعتبارا كذلك لكلفته الاجتماعية والبيئية الكبيرة. لهذا، يعتبر خيار الاعتماد على السيادة الغذائية كبديل قادر على ضمان الامن الغذائي لكافة المواطنين اذا ما توفرت شروط تحقيقه، وتكمن على الخصوص في التركيز على الدور التنموي للدولة وبروز حركة اجتماعية قوية وإصلاح عميق للنظام التجاري العالمي يضمن تأطير المبادلات التجارية الزراعية والتنسيق من أجل ضمان استقرار أسعار السلع الغذائية والزراعية الأساسية.

ج. أما الدراسة حول السياسات النيولبرالية والعمل غير المهيكل بالمنطقة العربية، فتبين كيف ساهمت  سياسات الاقتصاد الكلي (السياسة المالية والسياسة النقدية ومحاربة التضخم بالأساس) وسياسات التجارة والاستثمار والسياسات التمويلية , إضافة الى سياسات الخصخصة و”إصلاح” المؤسسات المملوكة للدولة، في تنامي العمل غير المهيكل بالمنطقة العربية  والانتشار المزمن للاقتصاد غير النظامي في العديد من الدول العربية.كما تبرز الدور الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية بارتباط مع تنامي ظاهرة العمل غير المهيكل, خاصة جراء ضغطها على البلدان المدينة قصد اعتماد سياسة مرونة سوق الشغل, مما ساهم في تدهور شروط العمل وتنامي هشاشة العمل والعمل غير المهيكل.   وتظهر الدراسة تأثير تحرير التجارة والاستثمار من خلال سلاسل القيمة وشبكات الإنتاج العالمية الخاضعة للشركات المتعددة الجنسيات، حيث تتخصص البلدان العربية المصدرة في الحلقات الأضعف, أي تلك الانشطة ذات القيمة المضافة المتدنية والكثيفة العمالة غير المؤهلة. وتعتمد  دراسة حالات قطاعات النسيج والالبسة ومنتجات الفواكه الحمراء وكذلك المناطق الصناعية المؤهلة كيف أن ضغط رأس المال العالمي من أجل خفض التكاليف والتكيف مع تقلبات السوق والتزويد السريع وفي الوقت المحدد للسوق, بالإضافة الى التمييز على أساس النوع الاجتماعي, أدى الى تنامي مظاهر الاستغلال والهشاشة والعمل غير المهيكل, خاصة بالنسبة للعمالة النسائية.

  • ح. التعاون جنوب-جنوب: التجربة العربية  .تحاول هذه الدراسة الربط  بين الصعود  المتنامي لدول الجنوب وتقوية مكانتها في مجالات السياسة والاقتصاد العالميين وبين انتشار مختلف أشكال التعاون جنوب-جنوب الذي لا يقتصر على المساعدة الإنمائية التقليدية (أي تقديم الاعانة المالية في شكل منح وقروض ميسرة), بل يتعداها ليطال التجارة والاستثمار وتبادل الخبرات ونقل المعرفة والتكنولوجيا, ألخ.وتبرز الدراسة التعارض الموجود بين نموذج التعاون الإنمائي جنوب-جنوب الذي يستلهم تصوره من “مبادئ باندونج” القائمة على احترام السيادة الوطنية والشراكة بين الانداد وغياب المشروطية  وعدو التدخل في الشؤون الداخلية والمنفعة المتبادلة، من جهة، وبين المساعدة الإنمائية الرسمية المعتمدة من طرف بلدان الشمال التي تنبني على المشروطية, خاصة ما يتعلق بالتركيز على التوازنات الماكرواقتصادية ومحاربة التضخم كمدخل أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي (آي الطرح النيوليبرالي) من جهة أخرى.
  •  كما تركز على التعاون الإنمائي العربي من حيث أهميته وتوزيعه الجغرافي والقطاعي وتقدم نظرة نقدية لمحتواه وأبعاده, خاصة بارتباط مع التحولات التي يشهدها العالم العربي بعد الثورات التي هزته في عاميي 2010 و  2011

  د. تتطرق الدراسة حول “تقييم نقذي للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من خلال التجربة المغربية” لتاثير “خصخصة” الخدمات العمومية على حقوق المواطن(ة) في مجال الماء والكهرباء والصرف الصلب. وتميز الدراسة بين الشكل التقليدي للشراكة بين القطاع العم والقطاع الخاص (ما يسمى بالتدبير المفوض )والاشكال الجديدة لهذه الشراكة ،كما تعرض للاطار المؤسساتي الذي يؤطرها وتبرز الإشكالات التي يطرحها.تركز الدراسة على التدبير المفوض لهذه الخدمات  مبينة  فشله في المساهمة في تفعيل الحقوق الاجتماعية للمواطن/ة ،ومبرزة أن المستفيد الأكبر من هذه التجربة هي الشركات المتعددة الجنسية التي أوكل اليها تدبير المرفق العام التابع للجماعات المحلية. كما تعرض لأشكال المقاومة الشعبية والتعبئة المجتمعية في مواجهة تغول الرأسمال الأجنبي الكبير واستحواذه على المرفق العمومي دون اعتبار للعدالة الاجتماعية والمساواة في الولوج الى هذه الخدمات الحيوية.

ع. تقدم الدراسة حول هذا الفصل يقدم إضاءة على دور المؤسسات المالية الدولية في التاثير على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن (ة) العربي (ة) من خلال التركيز على دور صندوق النقد الدولي في مجال الحماية الاجتماعية.ويبين كيف ان تركيز صندوق الدولي على اعتماد السياسات التقشفية من طرف البلدان الأعضاء الذين يعانون من اختلال في التوازنات الماكرواقتصادية تنعكس سلبا على توفير الحماية الاجتماعية لكل المواطنين/ات بالعالم العربي. وتسلِّط الدراسة الضوء على إشكالية دعم المواد الأساسية مبرزة مكامن الضعف في الحلول التي يقترحها صندوق النقد الدولي.

المراجع                                              

  • Chang H-J and Grabel I, Reclaiming Development,Zed Books, 2005.
  • البريدي عبد الله، فخ النيوليبرالية في دول الخليج، إنقاذ اقتصاد أم إغراق مجتمع، مركز دراسات الوحدة العربية، 2018.
  • جون-ف هنري، الجذور التاريخية للنيوليبرالية، ترجمة فأاد ريان، مجلة “مدارات ثقافية”، بدون تاريخ
  • جورج قرم، الاضطرابات الاجتماعية: حدود النيوليبرالية في العالم العربي، مركز الجزيرة للدراسات،. 2/1/2011
  • Chang H-J . 2 ou 3 choses que l’on ne vous dit jamais sur le capitalisme, ed. Seuil, 2012)
  •  Bacchi C, Contrôle des investissements chinois dans l’Union européenne, Ecole d’Affaires publiques de Sciences , Po, avril 2021
  • Parienty A. Le mythe de la “théorie du ruissellement”, La découverte, 2018.
  •  Dumas A, L’économie du ruissellement: une théorie zombie, La Gazette de la Maurice, 2/2/2021
  • ألبر داغر، من اجل سياسة تنموية عربية، منطلقات مغايرة للطرح النيوليبرالي، منتدى المعارف،n 2013                                                                                                     
  •   Selwyn B. and Leyden D. Oligopoly-driven development: The World Bank’s Trading for Development in the Age of Global Value Chains in perspective, Competition and Change, 1-23, 2021    
  • 11ESCAP-United Nations, Forward-Looking Macroeconomics Policies for Inclusive And Sustainable Development,2013.)