أسدل الستار عن الدورة 11 من المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة، بعد إعلان نتائج مسابقة الفيلم الطويل. تم تنظيم الدورة تحت أجواء سياسية مشحونة امتدت من المغرب إلى تونس وهو ما عبر عنه المخرج التونسي عضو لجنة تحكيم الفيلم الطويل وحاول تجاوزه المخرج الجزائري بتصور أن الثقافة يمكن أن تصلح ما أفسدته السياسة بلم شمل الشعوب ونبذ الصراعات. ورغم أن المنظمين حاولوا إخفاء هذا الواقع، وهو ما نجحوا فيه إلى حد بعيد.
المُفاجأة الكبرى للمهرجان تمثلت في فوز الفيلم الجزائري “جنية” بالجائزة الكبرى للمهرجان. فهل تتويجه بهذه الجائزة كان على أساس قوته من الناحية السينمائية أم لكونه يمثل بلد لا يكف عن مهاجمة المغرب على كل الجبهات.
من الناحية السينمائية يبقى فليما متميزا عن الأفلام الخمسة المنافسة؛ فيلمين مغربيين وفيلمين تونسيين وفيلم ليبي، فبقراءة بسيطة نجد أن فيلم “جنية” يمكن تصنيفه ضمن خانة أفلام سينما المؤلف بطرحه إشكالية فكرية فلسفية يصعب تفكيك خيوطها. لقد اعتمد المخرج الطريقة الهيتشكوكية في الإخراج، ولو بشكل ناقص، والتناول على نهج مدرسة السينما الجديدة، والتي تتطلب تركيزا من المتفرج وتجعله في صعوبة أمام التحليل والتفكيك بعيدا عن السرد المباشر والحكي المفضي إلى نهاية ما.
في حوار مع المخرج، على هامش عرض الفيلم، أكد أنه يترك للمتفرج الغوص في التفاصيل للتوصل للإشكالية المطروحة دون الإفصاح عنها من جانبه، وهذه هي المتعة السينمائية. لكن الفيلم تبقى له عيوب رغم ذلك، من أهمها التكرار والإطالة دون سبب إشكالي أو فائدة تطور مسار السرد عكس التطور الحلزوني للأحداث. وهو ما يوضح منحة الجائزة بأغلبية وليس بإجماع.
الفيلم الليبي حاول التوثيق لشخصية تاريخية ليبية أيام التواجد العثماني، وبداية الاحتلال الإيطالي، وهو الباروني. لكن التناول عرف صعوبة كبيرة في الربط بين مراحل تطور الشخصية، بإخراج ركيك ولغة سينمائية ضعيفة ولو أنها حاولت نسخ فيلم “أسد الصحراء” للمرحوم العقاد.
الفيلمان التونسبان تميزا بمجهود كبير على مستوى الإخراج ففيلم” معز.. النفق المظلم” هناك توثيقي لأحداث إرهابية عرفتها تونس بحكي عادي ولو أنه نجح في تقنيات تحويل الأحداث إلى السينما. أما الفيلم الثاني “سفاح نابل” فهو يتناول أحداث إجرامية ومحاولة تفسيرها بالأبعاد السيكولوجية والسوسيولوجية، وبإخراج لا يخلو من إتقان إلى درجة يمكن التخمين بأحقيته في جائزة الإخراج، والشك في اختلاط الأمر على لجنة التحكيم. الفيلمان المغربيان هما “الطابع” و”السلعة”، الأول فيلم نوستالجي بنكهة كوميدية كان من الأفضل عرضه خارج المسابقة لطابعه الذاتي ونوعيته البسيطة دون التقليل من مستواه الشعبوي، الذي أعجب ساكنة المنطقة (وجدة). فهل يستحق جائزة السيناريو؟ من الصعب الجزم بذلك، لكون المسألة تقنية محضة. أما الفيلم الثاني فهو فيلم يعتمد السرد العادي للنصر الذي تحققه أجهزة الأمن امام عصابات التهريب بكل أصنافه.. يبقى الفيلم قويا من ناحية الأداء والإيقاع، لكن دون مستوى سينمائي متطور أو متجدد.
بالعودة إلى الجائزة يمكن أن نستنج أن الفيلمين التونسبين جديرين بالمنافسة، عكس الفيلميين المغربين فهما بعيدين عن ذلك. لا نعرف كيف تم اختيار الأفلام المشاركة في مسابقة الفيلم الطويل، خصوصا من الجانب المغربي، هل لإخلاء الحلبة لصالح الافلام غير المغربية أم مجرد صدفة.
فكأننا في دوري يجمع بين فريق من قسم المحترفين وبقية الفرق من قسم الهواة والذين دفعوا من أجل المشاركة، وبذلك يكون التتويج منتظرا. فرغم إنتاج أكثر من 28 فيلما في السنتين الأخيرتين، لم يجد المنظمون فيلما منافسا يسجل هدفا لصالح السينما المغربية.
يبقى التذكير أن الجمهور “السينيفيلي” استمتع بفيلمين خارج المسابقة . الفيلم السينغالي حول العبودية تحت الإمبراطورية الفرنسية في بداية القرن التاسع عشر والفيلم البلجيكي الرائع إخراجا وأداءً حول تأثير أحداث الشرق الأوسط، من خلال داعش، على المجتمع البلجيكي.