صحافة البحث

“خشب” الأبنوس.. موسى توري يستعيد مأساة اتجار الفرنسيين بالبشر في إفريقيا

- الإعلانات -

خشب الأبنوس، هو نوع من الخشب يتميز بلونه الداكن فعلى الرغم من صلابته يتميز بسهولة نحثه وتحمله لدرجات من التلميع. تنتشر أشجاره بالغابات الاستوائية ومنها الإفريقية. وبشكل طبيعي يمكن تقطيعه وفصله عن موطنه الأصلي والاتجار به من أجل الاستعمال والاستغلال.

من خلال هذا التوصيف يتضح سبب اتخاد عنوان “خشب الأبنوس” (90 دقيقة) عنوانا لفيلم حول الاتجار بالبشر، من خلال صفحات الاستعباد القسري، التي تعرض لها الإنسان الأسود في إفريقيا.

خشب الأبنوس فيلم من إنتاج 2016، من طرف مجموعة فرانس تيفي وإخراج السينغالي موسى توري، مع مشاركته في السيناريو، فهو بالتالي منتوج فرنسي بتقنية إفريقية موفقة إلى حد بعيد. هكذا تمت استعارة اسم خشب الأبنوس للإشارة لما تعرض له الإنسان الأسود في أدغال افريقيا في بداية القرن التاسع عشر، حيث تحول هؤلاء السكان إلى بضاعة خشب الأبنوس ويتم اصطيادهم واقتلاعهم من أراضيهم وهم يمارسون حياة عادية، بما فيها علاقة الحب بين الشباب من الجنسين. وبيعهم من طرف حكامهم (ملوكهم) في إطار ما عرف في القرن التاسع عشر بالتجارة المثلثية بين أوروبا (فرنسا) وإفريقيا (خليج غينيا) وأمريكا (جزر الأنتيل).

هكذا أصبح السكان السود في افريقيا بضاعة لا تفرق بينها وبين خشب الأبنوس من حيث الشكل والتخزين والاتجار والاستعمال والاستغلال. كل هذا في ظل عودة فرنسا إلى قانون الاستعباد (esclavage)، الذي أعاده نابليون كوسيلة للتشغيل.. الفيلم يوثق ويصور بشكل مأساوي إحدى الصفحات المظلمة في تاريخ البشرية، حيث يتم استبدال البضاعة المصنعة في أوروبا بالعبيد، سكان الأدغال الإفريقية بخليج غينيا، ليتم بيعهم بأمريكا والعودة بالبن والكاكاو والسكر.

يصور الفيلم المأساة بدقة عالية، هذه التجارة خلال نقل المجموعة المحصل عليها بإفريقيا والمتمثلة في الإنسان الأسود ذكورا وإناثا، في ظروف لا تحق حتى بالحيوانات وما يتعرضون له من انتهاكات وتجاوزات، من خلال إحدى الرحلات التي تمت بين خليج غينيا وجزر الأنتيل يتم الزج ومراكمة البضاعة البشرية في أقبية مركب، صُممت لهذا الغرض، عرضة لكل التحولات المناخية القاسية. ولدى وصولهم إلى أقاصي المحيط الأطلسي يتم بيعهم بالمزاد العلني ليصبحوا مِلْكا أي عبيدا لأصحاب الضيعات الفلاحية، حيث يتم تشغيلهم تحت قوانين صارمة دون أبسط الحقوق الإنسانية والمشاعر البشرية وبوسائل مرعبة. هذه الصور المظلمة في تاريخ فرنسا، بداية القرن التاسع عشر، بل في تاريخ البشرية جمعاء؛ عن طريق الحكي المسترسل لضحية هذا الوضع خلال التحقيق، الذي يجريه المحقق الفرنسي وبطريقة الفلاش باك يتم استعراض المآسي والمعاناة، كما نجح المخرج في تجسيدها عن طريق رسومات توثيقية وإبراز الأحداث بفنية مناسبة. كما تم توظيف الأغاني الإفريقية السينغالية بروعة لا تخلو من جمالي لتجسيد التراجيدية التي عاشها هؤلاء الضحايا.

يتميز الفيلم بعرض الانتهاكات والمعاناة بتقنية عالية في الأداء والتصوير.  ليستمر المحقق الفرنسي في كشف بشاعة ما تعرض له الإنسان الأسود في فترة تاريخية مقرفة في بداية القرن التاسع عشر. ليطرح السؤال عن المسؤول عن كل التجاوزات آهي السياسة الحكومية أم الملاكين الإقطاعيين.

الفيلم وثائقي-روائي تناول قانون الاستعباد، الذي تم إعادته من طرف نابليون، لأسباب اقتصادية واستعمارية. فهل يمكن الجزم أن اعطاء الفرصة للضحايا لسرد كل جوانب المأساة هو من كان وراء استبعاد وإلغاء قانون الاستعباد؟ أم أن الفيلم يريد محو الصورة البشعة لتلك الفترة وما شكلته من عار على تاريخ البشرية، من خلال الاعتراف الفني، والذي خلص الى إحداث قانون سمح بركل تلك الحوادث المقرفة؟

في نهاية الأمر هل كتابة التاريخ سينمائيا بإنتاج فرنسي، وكفاءة إفريقية، يكفي لجبر الأضرار لدولة حولت الانسان الأسود إلى خشب الأبنوس؟