كيف حال روسيا في القرن الواحد والعشرين؟ هل روسيا دولة ديمقراطية أم دكتاتورية؟ هل بوتين فارس نبيل أم شيطان شرير؟ ما موقف الغرب منه؟
يعرف فلادمير بوتين أن الغرب سيتعامل معه في أية ظروف كانت. السبب؟ تعدد الكاتبة في المقدمة وظائف روسيا في الساحة الدولية في الحرب على الارهاب ومواجهة الأصولية الإسلامية. في الحفاظ على الأمن الأوروبي وتثبيت أسعار النفط. والتعامل مع الصراعات الإقليمية خاصة في الشرق الأوسط…
يتألف كتاب الباحثة الباحثة ليليا شيفوتسوفا من ثلاثة عشر فصلا متباينة الأهمية لان نفس الكاتبة تعب في الفصول الأخيرة. والكتاب مدعوم من معهد كارنيجي وقد نشرته الدار العربية للعلوم ناشرون.
أدرك بوتين أن روسيا لا تكون مهمة بالنسبة لأمريكا إلا حين تكون خطرة. لذا تقرب من الصين وضغط على جورجيا وأوكرانيا وتعاون نوويا مع إيران. |
يتحدث الفصل الأول “الكريملين ولعبة السلطة” عن وضع روسيا في لحظة حاسمة. قبل عام 2000 كان بوريس يلتسين مريضا وكانت ابنته تاتيانا تتحكم في الدولة وقد عينت أصدقاءها مدراء للمؤسسات الحكومية وكانت تقرر موعد ظهور الرئيس أمام الشعب وهي التي اختارت فلادمير بوتين ليكون رئيسا مؤقتا في آخر يوم من 1999… كانت روسيا في يد العائلة وكانت الصحف تهاجم السلطة يوميا. كان الكريملين قد تحول إلى سوق يباع ويشترى فيه كل شيء. كانت روسيا مفلسة بسبب سوء انضباط النخبة وتفكك السلطة وتزايد الفساد والإفلات من العقاب واستفحال المشاكل القومية التي تتهدد وحدة البلد.
ترك بوريس يلتسين المريض السلطة وتولاها فلادمير بوتين الحاصل على الحزام الأسود في الكاراتيه. كانت النساء مفتونات بالزعيم الجديد الغامض.كان هذا هو وريث الرجل المنصرف. وريث ذي خلفية بوليسية مخابراتية ويؤشر ذلك إلى نهاية تراخي السلطة. جاءت مرحلة القبضة الحديدية و”السلطة العمودية” الممركزة في يد واحدة. وهذا ما جعل نخب روسيا خائفة. وقد أرسل النافذون أموالهم وأولادهم إلى الخارج في انتظار التطورات. أما زعماء الأقاليم فيظهرون الولاء التام للعاصمة. في الإعلام ينجز رؤساء التحرير المطلوب، فهم يحذفون بشكل مسبق أي موضوع قد يزعج الزعيم الجديد. توقعت ناتانيا أن يرد لها بوتين الجميل وقد أظهر طاعة مثالية للذين أوصلوه للسلطة… مثلا منح الحصانة ليلتسين لكي لا يتابع قضائيا.
في الفصل الثاني “نهاية عصر يلتسين” تفحص الكاتبة الوضع في نهاية الرئيس الذي تولى السلطة بعد سقوط الشيوعية وتحاول الإجابة عن سؤال: ماذا ترك يلتسين لخلفه بوتين؟
ترك له حزبا لا مكان فيه للحيويين المبدعين والسياسيين الخبيرين. ترك له حكام أقاليم لم يكونوا على علاقة حسنة بالقانون. ترك قرارات لم تنفذ. وترك تنازلات كثيرة تسببت في الفوضى. تنازل يلتسين مرغما لأنه كان يكره التسويات. ترك مجتمعا سلبيا قدريا تسيطر عليه المافيات. ترك له أسلوب حكم يعتمد جمع معلومات عن المنافسين لتعريض سمعتهم للخطر في لحظات الضرورة. ترك مجتمعا يعاني من الفوضى ويتوق ليد قوية تحكمه. وقد جاءت هذه اليد وهي مرحب بها.
تغير المشهد تماما في مارس 2000 في روسيا. نشر بوتين الخوف ووضع ميزانية عملية قابلة للنجاح وصارت روسيا تخضع نظام أشبه بملكية منتخبة. وهكذا استمرت خصائص النظام الروسي الممركز في يد الرجل الواحد. سواء كان قيصرا أو منتخبا. وقد ساند الشعب القبضة الحديدية. ومن توقعوا العكس فهم حسب الكاتبة “يعرفون القليل عن روح الشعب الروسي.
يقدم الفصل الثالث بوتين باعتباره “الزعيم الروسي الجديد” الذي كان هو الخيار الوحيد لروسيا وقد كانت كل قوى الدولة مسخرة له. وبعدها سيبدأ الحكم وأمامه خيارات. أمامه ابنة يلتسين تاتيانا وحاشيتها. وأمامه مرشحين نافسوا في الانتخابات. فعلى من سيعتمد؟ وكيف سيتعامل مع حكام الأقاليم؟
لديه دعم. حصل بوتين على مساندة كاملة من النخبة التي تأمل ألا يغير الرئيس الجديد قواعد اللعبة. حصل على دعم الشعب الذي يريد النظام والاستقرار. وقد وعد أن يمسح الإرهابيين الشيشانيين في المرحاض. بصفته ممثلا للأجهزة الأمنية كان بوتين يشعر الناس بأن الجيش هو الذي يحكم.
لبوتين ماضي في المخابرات. وله نشاط ليبرالي. وأوصله يلتسين للرئاسة وليس الشعب. لضمان اسمرار هذا الخليط تصرف الرئيس بغموض، وهو ما شجع كل طرف ليتقدم ليقترح ما يريده. كان الرئيس يحاول إرضاء الجميع. وبذلك تجنب تقديم أجوبة دقيقة عن الأسئلة المقلقة. تجنب كل فكرة قد تجر هجوما عليه. عندما سئل عن برنامجه الانتخابي أجاب بثقة “لن أفصح عنه”. قال ذلك لأنه لم يكن له منافسون حقيقيون. كان بوتين مرتاحا. فالبترول يغطي النفقات والحرب الشيشانية متوقفة. في هذه الظروف بدأ بوتين وظيفته الرئاسية بالحد الأدنى من الخبرة السياسية. فما هي المشاكل التي واجهها؟
أولا تسيب الإدارة التي يتحكم فيها الفاسدون والسماسرة. وثانيا تلك المنطقة الرمادية حيث تمتزج السلطة ورأس المال. حيث تجري تجارة هائلة مع التهرب الضريبي.
ماذا فعل أمام المشاكل التي تواجهها روسيا؟
كانت روسيا منفرجة الساقين على حصانين ينطلقان في اتجاهين متناقضين |
لم يفعل شيئا. توضح المؤلفة “كانت المحافظة على الوضع الراهن والركود، في أغلب الأحوال، أكثر منفعة من التغيير في المحافظة على السلطة” ص109. أي أن بوتين، بما أنه كان مسيطرا على الإعلام والقضاء ولا يوجد له منافسون مزعجون فلماذا يبحث عن القتال والإصلاح؟
الرئيس يقمع وكل ما يفعله ينجح ويشعر بالملل
في الفصل الرابع تكشف الكاتبة “لحظة الحقيقة” ويتضح أن الحقيقة هي قمع كل صوت مستقل. فقد أدرك بوتين أن وسائل الإعلام المستقلة، وخاصة الإلكترونية مزعجة وتبث الشك. لذلك يعتبر الرئيس الذي تربى على التبعية والانضباط أن كل نقد للدولة هو نقد له شخصيا. فهو الدولة. وكل نقاد الدولة هم أعداء لها وله. صحيح أن بوتين يسيطر على التلفزيون. لكن يجب أن يقص كل رأي مخالف ليحصل الهدوء… لذلك تم استخدام القضاء ومكتب النائب العام ككلب حراسة لجعل المنتقدين في موقف صعب. وقد صفى رجال الأعمال الذين يملكون طموحا سياسيا، وقد نجح في ذلك. وهو مرتاح حتى حين مات 118 بحار روسيا في الغواصة كورسك ك-141. فمن بقي ليزعج الرئيس؟
بقي له فقط مجموعة صغيرة من الرومانسيين والمثاليين ممن لا يمكن علاجهم. وبما انهم قلة حالمة بالديمقراطية ويحصلون على تمويل غربي فالشعب الروسي يصنفهم خونة خداما لأمريكا وهذا ما يساهم في عزلتهم ويقلل خطرهم.
في الفصل الخامس “سلطة في قبضة واحدة”، تخبرنا الكاتبة باشتعال مقاومة شرسة في الشيشان من جديد. ولا يوجد أفضل من الحرب لتوحيد الشعب خلف الزعيم. لم يكن الشعب الروسي يقبل بالانسحاب من الشيشان. فذلك إخفاق عسكري لا يرضاه لا المدنيون ولا العسكريون.
كان الشيشانيون يعيشون في الخراب. لم يكن لهم أمل في العودة إلى ديارهم. وقد كبر جيل جديد من الشيشانيين لا يعرف إلا الحرب. جيل درب لكي ينتقم من الروس. وفوق ذلك فإن فتيان هذا الجيل كانوا يزدادون ميلا نحو الإسلام المتطرف وقد أصبحت “الحرب المقدسة” ضد روسيا غاية حياتهم.
النتيجة: تعرضت صورة روسيا للضرر في عين شعبها. وما يجب فعله صار أكثر إلحاحا. أصيب الجيش الروسي بفيروس الوحشية. تصرف الكرملين بصلابة تجاه جورجيا وأوكرانيا. أظهرت روسيا قوة حتى حين كان ذلك يعني خسارة اقتصادية لها.
من حسن الحظ ففي 2000 كان الاقتصاد الروسي في أفضل حالاته في ربع قرن. ووافق البرلمان (الدوما) على الميزانية التي قدمتها الحكومة بسلاسة. الرئيس يسيطر. لكن ماذا سيفعل بالسيطرة؟
تجيب المؤلفة “بعد السيطرة السريعة لإدارة بوتين على وسائل السلطة السياسية، أوحت الصراعات داخل حاشية بوتين بأن الإدارة كانت تخفف من سرعتها لأنها لم تكن تعرف ماذا ستفعل تاليا، الأمر الذي أشعل فتيل الصراع على المناصب وميادين النفوذ من جديد” ص 184. هكذا يتصارع رجال الكرملين ولا يعملون شيئا للدولة. ولتبريد الجو وكسب الوقت أوهم بوتين المتنافسين حوله – ليبراليون وقوميون ويساريون – كل واحد على حدة أنه سيدعمه. وذلك في انتظار أن يقرر في أي اتجاه سيسير. في انتظار أن يشكل الرئيس وجهة نظره الخاصة فيما يجري. لقد كان الرئيس بلا إستراتيجية وينتظر مركزا على الشكليات. وهكذا ألزم الدوما بوضع علم جديد وختم جديد ونشيد وطني جديد. في العمق كان يعطي أجوبة الأمس على أسئلة اليوم. كان عام 2000 مجرد تحمية للموقف قبل القفز. لكن في أي اتجاه؟
“من الضروري أن يحيط المرء نفسه بأشخاص محترفين أكثر مما يحيط نفسه بموالين” |
بما أن ضبط هذا الاتجاه قد يسبب صدامات فإن الفصل السادس يعلن أن “روسيا تجنح للهدوء”. والدليل أنه في منتصف عام 2001 “لم يعد هناك أي قوة سياسية مستقلة عن الكريملين، أو أية مجموعة شعبية ذات صوت مستقل. كل الذين بقوا على الساحة تقريبا أصبحوا يلعبون –طواعية منهم أو رغما عنهم- وفقا للقوانين التي أرستها السلطات الرسمية” ص 207. ولكي يتم الإيهام بحركية سياسية أمر الكريملين عدة أحزاب بالاندماج لتحقيق ديمقراطية متحكم فيها. أحزاب مدجنة فيها ليبراليون يعارضون توزيع السلطة. كان وزير الداخلية صديقا لبوتين… فقد اللاعبون السياسيون أهميتهم. اختفى السياسيون والمثقفون والمنشقون. صمتوا أو صاروا يتحدثون بصوت خافت. اضمحل الحوار السياسي الشعبي ونزل إلى مستوى حديث المطابخ. فسرت النخبة إذعانها وتبعيتها بأنه براغماتية وعقلانية. وقد وصل بعض أعضاء هذه النخبة للقمة بالصدفة. ومنهم من لا يملك لا الموهبة ولا الرغبة في الظهور. للتغطية على هذا الضعف ركب الأثرياء الجدد موجة الوطنية الزائدة ومعاداة الغرب للتمويه عن مصدر ثرواتهم. تعبيرا على تدويل هذا الموقف عملت روسيا على الظهور بمظهر قوي على الساحة الدولية. وقد استخدم بوتين الخطاب المعادي لأمريكا للحفاظ على عظمة روسيا.
بفضل تلك السيطرة على المشهد السياسي شعر الرئيس بوتين بالثقة في النفس فانتقل للمبادرة. وهذا هو موضوع الفصل السابع المسمى “التقدم الذي طال انتظاره”. وفيه تفصل الكاتبة خطة بوتين لتجديد الإصلاحات الاقتصادية. فقد قرر إصلاح جهاز الدولة ووضع حد لمنافع المناصب. شعر الليبراليون بالرضى رغم أن الرئيس يتحدث عن الحرية الاقتصادية لا السياسية. فقد قرر بوتين تبني توليفة من الدكتاتورية الخفيفة وليبرالية السوق كعلاج للمشاكل.
قدم بوتين حزمة قوانين للإصلاح القانوني والقضائي والزراعي والتشريع الضريبي وتنظيم التجارة والعمل والتقاعد. هذا هو القانون الذي سينقذ الشعب الروسي من الذل والفقر. فمن سيقوم بالعمل لتحقيق ذلك الاصلاح؟
هنا انبعث من تحت الرماد الصراع بين الأجنحة المستفيدة من النخبة القديمة. فحين تغيب المؤسسات المستقلة فإن الفراغ يملأه أصحاب النفوذ. فالسياسة مثل الطبيعة تخشى الفراغ. وحين يتصارع النافذون في محيط السلطة الفارغ فإن الإصلاحات تتعطل. لكن لهذا فائدة: فحين تتصارع الأجنحة حول الحاكم يستفيد من ذلك لأنه يصير حكما. والصراع يضعف من حوله. هكذا تجري روسيا في حلقة مفرغة. وقد اشتدت الأزمة حين خفضت إدارة جورج بوش برنامج المساعدات لروسيا. كان ذلك بمثابة إهانة. ولتوجيه الأنظار عن الأزمة الداخلية عاد بوتين للسياسة الخارجية الاستفزازية لأنه يدرك أن روسيا لا تكون مهمة بالنسبة لأمريكا إلا حين تكون خطرة. وهكذا شرع بوتين بالتقرب من الصين والضغط على جورجيا وأوكرانيا والتعاون نوويا مع إيران. وبذلك اعترف لبوتين بأنه لاعب دولي. وبدا كأن الحرب الباردة بدأت من جديد. فزاد اهتمام بوش ببوتين وصارا أصدقاء ضد الإرهاب.
حقق الرئيس نجاحات خارجية، لكن الكاتبة تتحدث عن “ارتباك الكريملين” في الفصل الثامن. والسبب أن الكريملين لم يكن يعمل بالمبادئ بل بالمصالح المغيرة. لذا لم يكن له اتجاه واضح وكانت روسيا منفرجة الساقين على حصانين ينطلقان في اتجاهين متناقضين. وقد سار بوتين على نفس النهج. فبينما يتحسن موقع بوتين دوليا بدعمه للغرب الليبرالي. كان يتبع سياسة مناقضة على الجبهة الداخلية. محليا كان بوتين خليطا ليبراليا ومركزيا وشعبيا ومستبدا وهو يقرب من يثق فيهم. وقد حافظ على الدور المهيمن للبيروقراطية في إدارة الاقتصاد، وقد أمم شركات الدولة التي خصخصها يلتسين. هكذا صار يتحكم في توزيع الكعكة وهو يقايض السياسة مع مراكز القوى للحصول على الاستقرار الظاهري في مواجهة الطبقة البيروقراطية المتمرسة في العرقلة وتخريب الإصلاحات. وقد انتقد بوريس يلتسين خلفه قائلا “من الضروري أن يحيط المرء نفسه بأشخاص محترفين أكثر مما يحيط نفسه بموالين”. لم يفعل أي منهما هذا. وكان بوتين مثل سابقه يتضمن خليط عناصر غير منسجمة. في ظل هذا الوضع الداخلي المستقر مثل بركة كانت الانتخابات البرلمانية تقترب وكانت وسائل الإعلام المستقلة شوكة في حلق الرئيس.
يخبرنا الفصل التاسع أن روسيا تشهد انتخابات جديدة بينما بوتين مازال يفكر في مساره.إذا كان لينين واضحا في تكتيكه: خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام وبذلك فصل بين الرابحين والخاسرين فإن بوتين استلهم تكتيك سلفه يلتسين “خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، خطوة إلى اليمين وخطوة إلى اليسار”. والهدف من هذا التكتيك هو الحصول على دعم كل شرائح المجتمع الروسي. تطالب النخبة الروسية بإظهار العداء للغرب وخاصة لأمريكا بقيادة جورج بوش الذي يخطط لغزو العراق. وكان بوتين مجبرا على جعل سياسته متناغمة مع مشاعر النخبة.
لذا وقف مع فرنسا وألمانيا ضد احتلال العراق. لكن رد كوندوليزا رايس كان متباينا مع الدول الثلاث. فقد قررت واشنطن أن تعاقب فرنسا وتتجاهل ألمانيا وتغفر لروسيا معارضتها لحرب العراق ص 333. هكذا بقي بوتين لاعبا معترفا به على الصعيد الدولي. لكن الأمور الداخلية بقيت معلقة بسبب استمرار الصراع على السلطة والموارد. رغم أن نتائج الانتخابات كانت مؤكدة. وقد ظهرت النتيجة في عنوان الفصل العاشر “روسيا تحصل على رئيس جديد: بوتين مرة أخرى”. كان ذلك أشبه بمسرحية. فقد جرت انتخابات 2004 والرئيس واثق من الفوز. وروسيا لا تبحث عن زعماء جدد. لم تكن الحملة الانتخابية صعبة. تصرف بوتين بطريقة جعلته يحظى بدعم اللذين يخافون التغيير والذين يتمنونه. وللحفاظ على هذه اللعبة كان بوتين بحاجة إلى رئيس وزراء لا يشكل تهديدا له. لذا جاء برئيس وزراء أشبه بمدير تنفيذي لا يبادر أبدا. النتيجة: بقي الوضع على ما هو عليه. هذا هو الهدف أصلا. وفي سابع ماي 2004 جرى حفل تنصيب بوتين لولاية ثانية. كانت مشيته على البساط الأحمر تدل على الثقة بالنفس.
هكذا سيطر الرئيس فعادت روسيا لحقيقتها في الفصل الحادي عشر “من الديكتاتورية النخبوية إلى الدكتاتورية البيروقراطية”. لقد انفصل بوتين عن حاشية يلتسين وشق طريقه. لكن الحقائق التاريخية صامدة. لقد ماتت السياسة لأن البيروقراطية هي روح روسيا. وهي التي تحكم دون أن تبني نظام مؤسساتي. لذلك لا تؤثر الأحزاب في السياسة. هذه دكتاتورية تضمن هيمنة الدولة على الفرد والرعاية الأبوية الحكومية. للديكتاتورية الروسية مكون إصلاحي تحديثي. حاول بوتين الحفاظ على حكم تقليدي مع بناء اقتصاد حديث. ويهدد هذا الاقتصاد الحديث بترسيخ علاقات السوق في المجال الاجتماعي. هذا ما يخافه بوتين. لذا يضع قواعد تتغير باستمرار. ولضبط المشهد اعتمد بوتين القضاء وسيلة ضد الخصوم. مع هذا الوضع تصل الكاتبة في الفصل الثاني عشر إلى حلقة مفرغة من الأمل والخيبة. ظهرت أصوات في الدوما تعارض الحكومة وتساند الرئيس الذي شكلها. وقد أوكل الرئيس لجهاز الدولة أن يصلح نفسه. هذا الإصلاح ضد مصلحة البيروقراطيين. لذا يعرقلون ليبقى الوضع على ما هو عليه. من هنا عنوان في الفصل الأخير “القصة غير المنتهية لروسيا” تستعيد الكاتبة بعض الأمل قائلة بأنه مازال الوقت مبكرا لدفن الديمقراطية الليبرالية في روسيا. بشرط أن تتوقف روسيا عن تفصيل المؤسسات على مقاس الحكم الفردي. لم تتوقف بعد. فقد أنهى بوتين ولايتين رئيسا ثم خدم كرئيس وزراء يحكم تحت رئاسة ميدفيديف ثم رجع بوتين لرئاسة روسيا من جديد في نظام أشبه بملكية منتخبة.