- الإعلانات -
في مارس 2003 عثرت في صحيفة أسبوعية على دعوة للترشح للمشاركة في دورة تكوينية حول “كتابة السيناريو وإبداع الفيلم السينمائي”، أرسلت طلبا وقُبلت، سافرت في عطلة قصيرة وقضيت أسبوعا في مدينة فاس، سكنت رفقة المتدربين في داخلية ثانوية المولى إدريس، تقع على هضبة خضراء تطل على المدينة المعبقة بالتاريخ، لم تكن الداخلية تتوفر على مرآة، اشتريت واحدة صغيرة يستخدمها المتدربون لحلق ذقونهم بسرعة، أحيانا ينظر شخصان لنفس المرآة، كل واحد يرى نصف حنكه فقط… لم يكن لدينا ماء دافئ ولا مكان للاستحمام… لم تكن لدى جمعية “إبداع الفيلم المتوسطي” موارد مالية، لكنها وفرت لنا نحن ستة عشر متدربا فرصة لقاء مخرجين وكتاب سيناريو وتقنيي سينما.
كانت الجمعية تشتغل بنظام عسكري، إفطار في الثامنة، دروس ومحاضرات من التاسعة إلى الواحدة زوالا، غذاء في الواحدة والنصف، مناقشات وتدريبات من الثالثة إلى السابعة مساء، عشاء في الثامنة، وأفلام من التاسعة ليلا إلى الثانية عشرة طيلة سبعة أيام. لم تتح لي الفرصة لأستحم وأغير ملابسي كل اثني وسبعين ساعة كما تعودت، ذات مرة تغيبت عن العشاء أخذت طاكسي صغير إلى أقرب سوق عصري في المدينة، اشتريت ملابس جديدة واستحممت وأسرعت لأحضر عرض الأفلام القصيرة الذي سيبدأ في التاسعة… كنت أشاهد وأكتب في كراس في الظلام، وقد صارت لدي عشرات الكراسات المتولدة عن المشاهدة الدائمة.
أثناء التداريب، وقف خلف كاميرا سينمائية لأول مرة في حياتي، أحسست بالرهبة، بدا لي الإخراج السينمائي ممكنا، لكن حلمي أن أكون كاتبا.
بالنسبة لسيرتي البيداغوجية، كان للدورة التكوينية “كتابة السيناريو وإبداع الفيلم السينمائي” فائدة أعظم، لقد أتيحت لي الفرصة لأجلس في مقعد الطالب من جديد، لذا كنت أقارن بين طريقة المحاضر وبين طريقتي في التدريس لتحديد نقط الضعف لدي على أمل أن أتمكن من تعديلها قبل أن تستحكم العادة، وقد سجلتُ الملاحظات التالية على طريقة السينمائيين الذين تعاقبوا على تقديم المحاضرات، وأسجل أني ركزت على السلبيات لدى بعضهم بهدف معرفتها وتجنبها:
1ـ من المفيد طرح استمارة سريعة لتشخيص حاجيات المتدربين ثم ترتيب الأسئلة وفق خط الدرس المعد سابقا، مع إضافات مناسبة، لإشعار المتلقين بمشاركتهم في بناء الدرس.
2ـ متحدث تتصف ردوده ببعد بوليسي، لا يرد على الأسئلة بشكل مباشر، بل على النوايا التي يخمن أنها ترافق الأسئلة!
3ـ أستاذ يقدم حصصا طريفة، خلال وقوفه أمام الطلبة، يقدم درسا من أفكارا متماسكة ومترابطة، يقطعها بحكاية أو ملاحظة، ثم يعود إلى النقطة التي وقف عندها، لذا تسهل متابعته.
4ـ متحدث يقدم درسا بدون خط، لذا لا يتابعه المتدربون ويربكونه بإجاباتهم بدل أن يساعدوه، لأنه لم يحفر المجرى الذي سيستثمر فيه تلك الأجوبة.
5ـ أستاذ ينجز درسا وهو يفكر في إثبات ذاته، لذا يضخم إشارات ومقاطع من سيرته الشخصية لا وظيفة لها في الدرس، بل لا صلة لها بالموضوع.
6ـ أستاذ يملك خطا وهدفا، يعاني في الربع ساعة الأول لأنه لا يتلقى الأجوبة التي تساعده في حفر مجرى درسه، لكن حين يدرك المتدربون خطه، يندمجون في الدرس ثم تسير الأشياء بيسر.
7ـ الخلاصة التي تأكدت لي هي أنه يجب على المدرس طرح خط الدرس منذ البداية، أو على الأقل تحديد الأسئلة التي سيجيب عنها لكي يلتقط انتباه المتدربين من أول فكرة.
8ـ يقلل تشويش المتدربين من جودة أداء المدرس.
9- ليس للمدرس ما يفعله أمام اختلاف مؤهلات المتدربين، إن رفع المستوى فقد الاتصال مع العاديين، وإن خفض المستوى أضجر الموهوبين.
انتهت فترة التكوين ورجعت إلى عملي بمزاج رائق، وقد عرفت ما علي فعله لتطوير انشغالي بالسينما.
مقطع من الرسالة 90 من “حروف الصحراء”