ارتكز كل من علم الاجتماع و الانثروبولوجيا الكلاسيكيتين في قراءتهما للمجتمعات غير الأوروبية على أطروحة، من بين أطروحات أخرى، مفادها كون هته المجتمعات مجتمعات طقوس ، في حين أن المجتمعات الغربية عموما مجتمعات التقنية . مثلما استهلك كثير من أهل البلد، باحثين وغير باحثين، أن البحث في الطقوس عامة، و طقوس المغاربة خاصة، يتواطؤ و يزكي ضمنيا تلك الأطروحة. سندهم في ذلك كون المجتمع المغربي غادر منذ عقود دائرة المجتمعات التقليدية بقبائلها وزواياها و طقوسها، وانخرط في دائرة المجتمعات الصاعدة نحو عوالم التقنية. تكمن هشاشة الأطروحة الأولى وسذاجة القول الثاني في كونهما معا ضحايا مفارقة كبرى لم تهضم حدودها وأطرافها جيدا، مثلما لم تتبصر أسئلتها بما فيه من الكفاية والعمق واليقظة والحذر .
ضدا على هشاشة الأطروحة الأولى، يوضح عالم الاجتماع و الأنثربولوجي شارل لوكور صاحب كتاب ” الطقس و الأداة ” والعارف بطقوس المغاربة، أن السؤال الذي يفترض طرحه قبل إصدار الأحكام هو : ما معنى حقيقة الذات و حقيقة الآخر؟ من هو المتحضر صاحب التقنية و إنسان الأهالي صاحب الطقوس؟ كيف يمكن للمرء أن يكتشف في ذاته تعدديتها عوض الفرح السعيد بأحاديتها؟ كيف السبيل كي يعثر المرء على الآخر فيه؟ أسئلة يتقاطع فيها المعرفي مع الوجودي، وبسبب ذلك وجهت نفس الباحث كي يشخص المفارقة المفقودة معلنا أن هنالك تناقضا وشرخا عميقين بين الكائن كما يبدو لذاته و كما يبدو للآخرين. يبدو الإنسان لذاته رجل تقنية و يبدو للآخرين مبدع طقوس ليس إلا . يتصور الأوربي نفسه رجل تقنية وينظر للمغربي ككائن طقوسي. إنها المفارقة التي يتوجب على العلوم الاجتماعية فك لغزها عوض استهلاكها. ثورية العلوم الاجتماعية غربية كانت أو مغربية، تكمن في فهم السوسيولوجيا التلقائية للناس، والوعي بأهميتها في كل فهم و تفسير وتأويل. كيف يتبادل المغاربة التحية؟ و كيف يتناولون طعامهم؟ و كيف يشيعون موتاهم؟ و كيف ينظمون أعراسهم؟ إنها الأسئلة التي تجعل العالم إما قادرا على الانخراط في اللعبة و فهم قواعدها، أو غريبا عن مهنته وعن الآخرين .
ليس هنالك طقس من دون تقنية، مثلما لا تنغرس التقنية في العلاقات الاجتماعية دون أن تلفها الطقوس. يكفي أن نتأمل طقوس توزيع الماء في الواحات ونكتشف تقنياتها المعقدة والمركبة، وتقنيات البناء والحصاد والحرث بكل طقوسها الشاملة و الدالة… مثلما يكفي أن نتأمل صلاتنا اليومية بالتقنيات الذكية لنتبصر طقوس استعمالاتها وتزيينها و حملها وإشهارها في المجالات العمومية. تلميحات صغيرة، لكنها قد تفتح الأبواب الكبيرة لتبصر هشاشة التضاد بين الطقس و التقنية وهشاشة رسمهما في صيغة كيانين متعارضين ، و كائنات متراتبة و مجتمعات متفاوتة .كل المجتمعات لها طقوسها و تقنياتها الطقوسية ، مثلما لكل مجتمع تقنياته و معارفه التقنية ، يبقى فقط تبصر الصلات المركبة بينها داخل سياقاتها. وكذا إدراك أن البعد المادي للتقنية لايمكنه أن يحيا اجتماعيا في غنى عن البعد الرمزي للطقوس.