أن يكون لك وجه يعني أن تكون مرئي اجتماعيا visible socialement داخل المجالات العامة، و أن يكون لك صوت يعني أن تكون مرئي ومسموع اجتماعيا من طرف الأذن المجتمعية (دولة ، أحزاب ، نقابات ، تنظيمات مدنية ..). الوجه هو المؤسسة الاجتماعية للكرامة، و الصوت المؤسسة الاجتماعية للحرية. وشرط حضورها المرئي و المسموع هو مقياس و شرط كل ديموقراطية . حينما لا يسمع صوتك تكون البنيات الاجتماعية للاستقبال قد قررت جعلك كائنا غير مرئي اجتماعيا invisible، و حينما يرفض المجال العام بكل فاعليه النظر في وجهك بوصفه مسكنا للانسانية و وجها لها، فإنك تطرد وتقصى وتبعد من دوائر ضوء الفضاءات العمومية لتلج دائرة وسجن الاحتجاب الاجتماعي invisibilité sociale.
الاحتجاب الاجتماعي ليس معطى طبيعي بل هو بناء اجتماعي . يكثف عالم الاجتماع الفرنسي “غيوم لوبلان ” الأشكال التي رسختها المجتمعات لممارسة حجب بعض فئاتها الاجتماعية عن أنوار الظهور المرئي الفاعل و المشارك في الحيوات الاجتماعية في ثلاث : الموت و العبودية و تغييب النظر و الإدراك .يخفي الموت وجه المرء كلية عن النظر، مثلما يمحو تدريجيا هيأته الجسدية . الموت أمر طبيعي لكن خلق شروط نسيانه أمر اجتماعي . النسيان الجماعي أول شكل اجتماعي لحجب الفاعل الميت و جعله غير مرئي ضمن تاريخ الأموات . تحول العبودية وجود الكائن الإنساني إلى أداة أو دابة أو شيء . العمل شيء مهم في الحياة الإنسانية ، لكن التشييء شرط اجتماعي مبني و قصدي لتجريد فئات اجتماعية من وجودها الحي عبر نزع وجهها و صوتها ، و من ثم الرمي بها في دائرة من لا تتوفر فيهم شروط الظهور في كل المجالات الاجتماعية العامة و العمومية . صناعة النسيان الاجتماعي الجماعي وحذف الوجه و الصوت الاجتماعيين من رحم الكائن الإنساني آليات اجتماعية و ليست طبيعية لترسيخ invisibilité sociale.أما الشكل الثالث فهو قصدية عدم رؤيتك و إدراكك في الوجود الاجتماعي . إنه أخطر أشكال ممارسة الإقصاء و الإبعاد و التهميش الاجتماعي.
” شكون أنت” ، ” أنت نكرة” ، عبارات من بين أخرى تجول العلاقات الاجتماعية لتحول أفراد و فئات إلى نكرات مجهولة ، من دون هوية أو ملكات أو قدرات على ممارسة صوتها ورفع هامتها و وجهها . إن رؤية الآخر ليست شيئا فطريا ، بل إن الرؤية بأشملها ليست ملكة طبيعية ، بل معطى اجتماعي . لا نرى سوى ما تشكلت أعيننا اجتماعيا على رؤيته . صحيح نمتلك الأعين طبيعيا ، لكن ملكة الرؤيا أمر اجتماعي . الدرس الكبير في هذا السياق تقدمة شخصية ” غريغورسامسا ” ضمن رواية كافكا métamorphose . جسد غريغور تحول ،إلى كائن حيواني ، و على الرغم من أنه ظل يملك الصوت و اللغة و المشاعر ، لم يعد مرغوبا ، بل لم يعد مقربوه قادرين و راغبين في رؤيته . و الدرس الثاني تقدمه رواية ” رالف إيليسون ” l’homme invisible على لسان الراوي وهو يحكي عن sa propre invisibilité. فهو أسود البشرة و البيض لا يرغبون في رؤيته و رؤية وجهه، بل لا يرغبون في رؤية أي أسود . و طلبه لم يكن صعبا ، بل فقط أن يراه البيض كشخص أسود البشرة . تلك أمثلة صغيرة على كون رؤية الآخر قد تضع المرء بين حدي الاعتراف الاجتماعي بالوجه و الصوت أو العنصرية كأقصى الأشكال العنيفة و المتطرفة لفرض وضعية الاحتجاب الاجتماعي على الآخر.
خلاصة القول، مقترح صيدلية الأفكار :فرض وضعية الاحتجاب الاجتماعي على الأفراد والجماعات ، كانت إثنية أو جندرية أو عمرية أو لغوية أو ثقافية … بقدر ما يدمر الأساس الاجتماعي لمؤسسة الوجه و الصوت، بقدر ما يهدد باختيار كل هؤلاء الأشكال الأكثر تطرفا و عنفا لممارسة حقهم في الظهور الكامل في المجالات العمومية.