يفترض ظهور السر علاقة اجتماعية بين فردين اثنين، أو بين فرد و جماعة، مثلما يفترض تفاعلا وتبادلا بينهم . فخارج هته العلاقة الاجتماعية لا وجود اجتماعي للسر.
لا يكون السر سرا إلا إذا تم إفشاؤه (خيانة أمانة حفظه) . عملية إسرار السر من طرف فرد لآخر هي إفشاء مشروط، خيانة مشروطة بعدم الإفشاء. تلك مفارقة السر و التي تجعل من عملية الإسرار إسرارا وإفشاء في الوقت نفسه من جهة وسيرورة من جهة ثانية . في هذا السياق قد نتحدث عن السر الثنوي و الثلاثي و الرباعي… سيرورة السر و ديناميته يصلان السر بالكذب والتضخيم والزيادة و النقصان وكلها عناصر تقوي التفاعل وتوسع دائرته الاجتماعية. السر قول يفترض عدم القول (الصمت) كي يظل سرا. إنه معطى و معلومة و قول، لا شبه بينها و بين كل المعلومات والمعطيات. تختلف معلومة السر عن أخواتها بكونها تتطلب الإبعاد القسري عن التداول الاجتماعي. عليها أن تخزن في البئر (بالمناسبة استعارة البئر بقدر ما ترتبط بالسر ترتبط كذلك بالحقيقة). استعارة البئر هي من يرفع قيمة معلومة السر مقارنة بباقي المعلومات العمومية . الشكل الاجتماعي (السر) هو ما يمنح لمضمونه قيمة وليس العكس. إنه المحفز الطاقوي الذي يفرض حفظ وكتمان المعلومة وهو ما يشعل نار الرغبة في إفشائها. السر ثقيل التحمل نفسيا واجتماعيا لذلك استمرايته كسر تتطلب التقاسم والتفاعل بما هما أهم أعمدة الحياة الاجتماعية لكل جماعة. لا يمكن للمجتمع و كذا العلاقات الاجتماعية أن تحيا من دون جرعات كبرى أو صغرى من السر وفي الآن ذاته جرعات كبرى أو صغرى من خيانته وإفشائه، و إلا كنا سنعيش كلنا داخل “جمعيات وجماعات سرية سياسية أو صوفية مغلقة ” ، لكن كيف يمكن للسر أن يخلق متانة رابط الصداقة والصديق وفي الآن نفسه أن يهددها بالانحلال و التفكك ؟ كيف يمكن للسر و هو ضرورة للحياة الاجتماعية أن يحيا داخلها؟
يفترض جورج سيمل أن الحميمية الكلية والكاملة والشاملة لا تتوافق مع علاقات الصداقة، لأنها تعدم الاختلاف بكل ميولاته. على الصديق أن يظل مختلفا (مالكا لقسط من أسراره) كي تدوم الصداقة ومعها فضول المعرفة والتعرف. يمنح السر للفرد وللعلاقة البينفردية عمقا يضيئه و يعلنه بريق العين المنعكس على الداخل و الباطن . بريق يعلن للخارج أن الأمر يتعلق بتجربة الصداقة و ليس بفضيلة الصداقة ، بتجربة الفرد و ليس بأناه، بفردانيته واختلافيته وليس بمطابقته وشبهه للآخرين. يثير جورج سيمل، في هذا السياق، إحدى خاصيات المجتمعات المعاصرة والتي تتمثل في تطوير وتنمية الصداقات الاختلافية التي تكون فيها حصة وقسط الفضول والسر مُعلنتين وواضحتين .
صيدلية الأفكار (5).. السر والصداقة
باحث وأكاديمي مغربي من مواليد سنة 1962 بالدار البيضاء، حاصل على دبلوم الدراسات العليا في الفسلفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.، وعلى دبلوم التخرج من مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط.، وعلى الدكتوراه في علم الاجتماع.
المقال السابق