ليست الكتب من صنف و لون واحد . هنالك كتب تعتبرها فئات من المجتمع ذات لون أصفر، إما بحكم عتاقتها و لون أوراقها الصفراء وأفكارها القديمة والمتقادمة، أو بحكم أفكارها الذابلة.. و هنالك كتب أخرى تنعت بالحمراء بحكم صلات أفكارها بالثورات العنيفة والدامية… مثلما هنالك كتب تنعت بالكتب المنحوسة، ليس بسبب أفكارها، بل لكونها لم تسعد يوما بحظ في القراءة، أو حظ في البيع لدى المكتبات. كتب تنعت بذاك النعت لكون الرف الذي توجد فيه لا يقترب منه أحد. و من باب الطرائف الواقعية أن مكتبة “برودهرت” الواقعة بمدينة “ساوتبوت” الانجليزية قد احتفلت على تويتر ببيع أحد كتبها المنحوسة والذي ظل في رفوفها لمدة تقارب 28 سنة ..
لكن هنالك أيضا كتب معالجة رغم أنها لا صلة لها بالطب ووصفاته لا من قريب أو من بعيد. بالمغرب، يمكن اعتبار كتاب عبد الكبير الخطيبي ” الإسم العربي الجريح ” إحداها. فقد كتب الخطيبي في إحدى نصوصه أن صديقه المحلل النفسي جاك حسون قد أخبره أن إحدى زبوناته قد كانت تحمل وشما، وحينما سألها ضمن جلسة تحليلية عن سبب وشم جسدها، أخبرته بأنها قامت بذلك بعد أن قرأت كتاب الاسم العربي الجريح.
بفرنسا أثار كتاب “جيرار برونر ” الذي يحمل عنوان “الفكر المتطرف. كيف يصبح الناس العاديين متشددين؟ la penseé extreme comment des hommes ordinaires deviennent fanatique والصادر سنة 2009م ، أولا بحكم قيمته العلمية وثانيا بالصفة العملية العلاجية التي حظي بها داخل الأسر والمختبرات و المؤسسات التي لها صلة بالموضوع.
لقد اختار الكتاب مقاربتين منهجيتين لمعالجة الراديكاليات العنيفة في أكثر من بلد. أولاها نظرية وقد تمثلت في علم الاجتماع المعرفي أو ما يعرف بla socio-cognitive والثانية ميدانية وتمثلت في السير الحياتية أو البيوغرافية للفاعلين الجهاديين أو الراديكاليين الدينيين العنيفين. مثلما رسم هدف بحثه العام في استخراج خرائطية معرفيةcartographie cognitive لأنماط تفكيرهم قبل وخلال وبعد إقدامهم على أفعال العنف الديني الراديكالي. في الفصل الأول : هل المتطرفون مجانين ؟ يدحض الكتاب بقوة نظرية ومنهجية كل الأحكام والتوصيفات التي ترمي بالمتطرف العنيف في بئر وحافة الجنون والمرض والإجرام والانحراف و الجهل والفقر والكبت … ويعود بهم إلى وضع الناس العاديين. فصل مدخلي كان له أثره البليغ على خروج الكتاب من دائرته الأكاديمية إلى دائرة الفعل الاجتماعي العلاجي . لا أحكام قبلية قانونية أو ثقافية أو عنصرية أو قانونية أو أمنية استخباراتية. لا يتعلق الأمر بمجانين على الدولة أن تضعهم في مستشفيات الأمراض العقلية، بل بأناس عاديين (كما تثبت السير الحياتية المدروسة ) تحولوا فيما بعد إلى متطرفين عنيفين. وهنا يطرح ويعالج جيرار بروني في الفصل الثاني السؤال الذي عنون به فصله : كيف نصبح متشددين و متطرفين؟
أربعة عوامل، حسب ج.برونر، تخرج الإنسان من حياته العادية لتزج به في حياة التطرف العنيف. أولها أن التطرف عبارة عن درج تكون خطواته الأولى دائما صغيرة. وثانيها الانغلاق المعرفي للشخص في دائرة الأفكار المنسجمة والمتناقلة، وابتعاده عن ما يخالفها يناقضها أو يشكك فيها. ثالثها الانخراط في دائرة التطرف تحت ظل وضغط حرمان ما. ورابعها الانخراط في نفس الدائرة تحت ظل إيحاءات يعتبر نفسه أنه هو من كشف أسرارها. عوامل أربع تفاصيلها الغزيرة يتضمنها الكتاب، ليختم كل ذلك بخلاصة منحها عنوان : هل بمقدورنا تغييرآراء شخص متطرف ؟ خاتمة زاد غنى مضامينها ( اختبارات سوسيو-معرفية تعتمد المقابلة والقياس والحساب للأجوية) من رفع درجة عبور الكتاب من عوالمه الأكاديمية إلى عالم الرقية العلمية. لقد سجل كثير الباحثين والباحثات في موضوع الراديكاليات الدينية العنيفة أنك حينما تختم الكتاب تتأكد و تتحقق من نفسك أولا هل كنت ذات يوم مؤهلا للإنزياح نحو دائرة التطرف ؟.