لنفترض جدلا أن ملكا ما، في المجرد، رزق بتوأمين ذكرين حقيقيين، تقارب درجة تطابقهما المائة بالمائة، ماذا سيكون عليه مآل الملك اللاحق؟ ما درجات الاختلال التي سيحدثها الجسد التوأم في معايير اختيار ولي العهد وريث الملك؟ هل سيتمتع الملك اللاحق بمطلق أحديته وتفرده؟ كيف سيدير وسيدبر كيفيات وأشكال ظهوره أمام رعينه؟
قصدنا من هذا الافتراض إثارة الانتباه إلى كون الجسد ولو في درجته البيولوجية الصرف يوجد في صلب رهانات كل سلطان سياسي مطبوع بالقدسية والواحدية. وحده الجسد يدفع بالشبه إلى حدوده القصوى مخلخلا بذلك صفاء وتفرد الواحد بأحديته سواء كان قدسيا مُتعاليا أو قدسيا سياسيا. جسد التوأمان جسد مشترك أو مقتسم، جسد مضاعف أو نظير، وبحكم طبيعته تلك يخلق الاضطراب والفوضى في الأمن الدلالي السياسي لكل سلطة سياسية قداسية. في المجال الطقوسي يرفع الجسد التوأم الأم إلى مقام أهل البركة. إنها من تمكنت من ولادة الجسد المضاعف، فقد أبدع رحمها في صناعة الواحد المنشطر جسديا إلى الشبيه وشبيهه أو النظير ونظيره، والذي يربك نظام الرؤية ويهدد كل الأقيسة المنطقية للهوية. قدرة الرحم تلك تبهر ومآلاتها تخيف ولا مخرج من المأزق سوى بتلاوة صلاة طقوسية تحمي من الأذى وطلب للبركة يشفي من المرض أو يقرب النعم. أما في المجال السياسي يحدث الجسد المتوأم شرخا في بنية السلطان السياسي القدسي: ملك بجسدين أو جسدين لملك واحد. هو المسخ بلغة الأساطير القديمة أو الإنوجاد على ضفتي القداسة والدناسة. إنه الإرباك الأكبر والذي من مؤدياته حسب الأنثروبولوجي “ف. فيكتور تورنر” زرع التناقض في البنية السلالية والوراثية للملكية والتشويش على أنماط حضورها العمومي.
يطرح الجسد بشكل عام سؤال الحضور والظهور الملكيين، في حين ينحدر الجسد المُتوأم نحو سؤال الوجود المثنى للجسد الملكي. بين سؤال الوجود والحضور والظهور يظل الجسد القلعة الصلبة والصعبة الاقتلاع لحضور المقدس في تجلياته السياسية والسياسة في تجلياتها القدسية. الجسد موطن بيو- سياسي للمقدس. إنه ما به يتحول المقدس إلى معيش طقوسي والمعيش الطقوسي إلى معيش سياسي.
كشف الأنثروبولوجي ” الفريد أدلر” عن فكرة ازدواجية السلطان السياسي المقدس لدى الملكيات الإفريقية المقدسة وذلك عبر التركيز أكثر على العدة الطقوسية السياسية التي تعلن و تذكر بقدسية ودنيوية الملك المقدس في الآن نفسه. ازدواجية تشخصها حسب نفس الباحث طبيعة الجسد الملكي المزدوجة: لأن السلطان السياسي موزع بين السياسي الدنيوي والديني القدسي فإن جسد الملك ببعده الديني القدسي يكون جسدا أنثويا. إنه جسد /أم بحكم اتصاله بالطبيعة والأرض بما هما منبع ومصدر الوجود بكل خيراته. وببعده السياسي الدنيوي يكون الجسد الملكي جسدا ذكوريا. إنه جسد/أب بحكم رعايته لجماعته وسهره على حفظ نظامها الاجتماعي وقدرته على ممارسة الإكراه باسم القواعد المرسومة.
طبيعة الجسد الملكي هته تمنحه تفردا وحقوقا خاصة. فوحده الملك له الحق في التمتع بالغنى وكثرة النساء والبهائم والمواشي والممتلكات، لأنه الشخص الوحيد الذي يمكن شعبه من التمتع بهباته وعطاءاته وكرمه مع كل عيد أو ذكرى ملكية مقدسة.