صحافة البحث

صيدلية الأفكار (9).. الربيع “العربي” موجاته لم تنكسر بعد.. فاحذروا الربيع و موجاته

- الإعلانات -

بعد الانكسارات العديدة التي عرفتها الموجة الأولى للربيع العربي و الديموقراطي ، منذ 2010م ، في الكثير من البلدان، انقلب الحديث من حديث عن الربيع إلى حديث عن الشتاء العربي. و بالفعل لم تكن الانتكاسات بسيطة. فقد دمرت سوريا بالكامل و شرد مواطنوها ، مثلما بات الأطفال باليمن يموتون من جراء الجوع ، و في ليبيا أصبحت لغة الميليشيات العسكرية هي من تسيطر على الشوارع ، و الطائفية في لبنان هي من يتحكم في أرزاق الناس. والمؤسسة العسكرية هي من تدبر الشأن السياسي في مصر و الإخوان المسلمون من يحكمون السودان وفي تونس تدمر الديموقراطية تحت ظل حكم فردي مستبد..
انكسارات ليست بالهينة قوضت الشعور و الآمال والفرحة التي خلقتها موجة الربيع الأولى، من فرار للرئيس بنعلي من تونس و إطاحة بالقذافي بليبيا وإرغام لمبارك بمصر على التنحي. آمن الكل بأن عصر الثورات المنغلق قد فكت أخيرا طلاسمه بالعالم العربي. و أصبح الكثيرون يرددون الخيبة و يجترون جملة “ما كان أحسن مما هو كائن” ويا ليت ما وقع الذي وقع و ظلت الأمور على ما كانت عليه، عل الأقل كنا وكنا …” سادت الطائفية و الإخوانية و القبلية والإثنية لكن ما لبث نفس الربيع يعود بموجته الثانية منذ 2019م . حركات احتجاج واسعة ستشمل لبنان والعراق والجزائر و المغرب و اليمن …، و أخرى ستصل إلى حدود الإطاحة بالرئيس البشير في السودان، و إعادة العسكر إلى مهماته العسكرية الأصلية. الثورة المضادة لا تموت بل تتخفى و تتستر كي تحيا. وأخطر أشكال حضورها المتنكر هي اللحظة التي تستعير فيها أفواه من حلموا بالثورة أو شاركوا فيها أو شهدوا عليها كي تتكلم فيهم وعبر أفواهم قائلة : “ما كان أحسن و أفضل مما هو حاصل… ويا ليت الذي حصل ما كان ليحصل”.
لكن موجة الربيع لم تنكسر لتموت، بل لتلد موجة ثانية نحياها منذ 2019م إلى الآن. موجة لازالت تحتفظ بشعار “إسقاط النظام” و شعار” ارحل”، و لم تعد تحتفظ بكثير من أخطاء الموجة الأولى. لقد خبرت أن العنف ليس سندا للثورات في ظل الأنظمة الاستبدادية و التسلطية. بهذا المبدأ لم ينجر السودانيون إلى دائرة العنف رغم مجازر البشير والعسكر بل ظلوا واقفين متشبتين بقوتهم السلمية. مثلما خبرت أن خطاب ” ما كان أفضل” و أن العودة إلى الما سبق هو خطاب الثورة المضادة المستتر. و خبرت كذلك أن الأنظمة ليست رؤوسا فقط، بل مكونات وفئات أيضا. ذاك ما ظهر و يظهر في الاحتجاجات ضد عودة الأنظمة السابقة في هيأة أحزاب ومقاولات. و خبرت أن الإسلام السياسي ليس طرفا يمكن إتمانه على الثورة ، ففي ثناياه و بفضله أنشئت دولة الخلافة الإسلامية . مثلما خبرت أن الطائفية و القبلية والنزعات الإثنية …فيروسات تشتت فعل الاحتجاج و الثورة. و قد أثبتت احتجاجات الجزائر وحدة الجزائريين أمازيغ و غير أمازيغ و احتجاجات لبنان رفضها للطائفية و الطوائف. الموجة الثانية أقوى بصلابتها أمام رفض التدخل الخارجي في مسارات البلدان، و أقوى بهدوئها السلمي، و أقوى بتساميها على الطوائف والأديان والإثنيات، و أقوى بالأثر الذي خلفته على الاجتماعي (قضايا المرأة و حقوق الإنسان و كرامة العيش …). لم يعد الاجتماعي خارجا عن فعل الاحتجاج، مثلما لم تعد الفردانية تقابل الحرية، بل الكرامة هي مرادفها. لذا ليحذر الوطن في ظروف اختناق الاجتماعي وارتفاع حرارة بنيته التحتية (الغلاء غير المبرر للمعيشة) من الربيع و من موجات الربيع.