في بداية شهر مارس من عام البقر والبصل، وصلتْ بقرة هندية مقدسة سمراء إلى مطار كازابلانكا وكان في استقبالها عِجل وسيم كلفته وزارة الفلاحة المراكشية بالمرافقة والمصاحبة اليومية.
واستُقبلت الهندية بالتمر والماء البارد وصرحت في القاعة الشرفية أنها جاءت في زيارة ودية للقيام بوساطة مستحيلة بين المغرب وكوريا الشمالية… بعدها ركبت البقرة حافلة مكيفة غير مسقوفة للقيام بجولة في الحقول المجاورة للمدينة… هناك لاحظت الهندية ان مساحات المقابر أكبر من مساحات الحقول… تأسفت لأنه لا مكان لتناسخ الأرواح في مراكش. هنا يظن الناس أن الأرواح تحل في القطط بحيث صارت لكل قط سبعة أرواح.
بعدها انطلقت الهندية إلى مدينة مراكش التي ستحتضن قمة المصالحة المعجزة… كانت بقرة هندية صفراء ذات هيئة دبلوماسية طورت منهج علاقات عامة… ومن باب التواصل الفوري أمرت مرافقها المأجور بالتقاط صور للرحلة ونشرها على صفحات الذكاء البقري…
نفذ العجل المهمة بنجاح خاصة وأنه قد درس التواصل في كندا… نشر صورة البقرة وزاد من عنده أن المهمة الدبلوماسية ستنفذ بنجاح… توالت التعاليق عن الصورة والمهمة وتم التنويه بجمال القرط الذهبي الذي تضعه البقرة الهندية في أنفها.
في الطريق قرأت الهندية أخبار البقر، مثلا نشرت الحكومة المراكشية صور البقر السمين المستورد ليطمئن بطن الشعب. يسافر البقر كثيرا في زمن العولمة، لذلك كانت الفرصة متاحة لبقر قارة أمريكا لكي يكتشف قارة أفريقيا.
تفسيرا لهذه النقلة قال وزير الصحة الكادح أنه حين لا يتناول الأطفال لحما كافيا يصيرون أقزاما… والحل هو استيراد اللحم لتغطية نقص العرض المحلي… كتبت الهندية لصديقتها رسالة عاجلة “هنا يحبون اللحم وكرة القدم. هنا يوجد البقر الذي يشبهني ويوجد صنف غامض. يتحدث المراكشيون فيما بينهم بالغمز عن بقر تشابَه عليّ يسمونه “بقر علال” وهو بدون ذيل ولا قرنين”.
في قلب مدينة مراكش ليلا، فُجعت البقرة الهندية بمشاهد مروعة لرؤوس وضروع البقر المبخر واللحم المشوي المعروضة في ساحة “جامع الفنا”… حزنت الدبلوماسية على بنات جنسها البرازيليات اللواتي صِرْن وسيلة “لسد خصاص” اللحم في السجون…. حزنت وشجبت ما يفعله أكلة لحوم البقر… لكن هذا لم يغير شيئا من كمية اللحم المستهلك في تلك الساحة التي تملك جاذبية غريبة حتى إن الكثير من اللاحمين يعتقدون أن قلبهم سيتوقف إن لم يزوروها مرة واحدة في العام على الأقل.
ليت البشر كان كائنا عاشبا.
رغم الحزن، فقد لاحظت الهندية أن كل هذا سيحقق فائدة بعيدة المدى، فاستيراد البقر البرازيلي قد رفع من منسوب حب كرة القدم في مراكش… لا تستورد الهند حاليا لحما برازيليا لهذا فوضع كرة القدم في الهند ضعيف… لابد من تغيير هذا الواضع لأن الطاقة التعبوية لكرة القدم لا محدودة، فهي تحمي الشباب وتشغلهم عن خوض الحروب الطائفية المميتة.
حسب صحافي حكومي مراكشي فهذه هي الغاية من جعل بلد فلاحي يستورد عجولا من بلد كروي.
بعد شهر من الإقامة اللذيذة في مراكش “دون حلحلة مشاكل كوريا الشمالية مع جارتها” انتشر خبر اختفاء بقرة برازيلية في ظروف غامضة… لتبديد الحزن قررت الهندية الذهاب في رحلة في الضواحي بين أشجار الزيتون… هنا أيضا يشوون لحم البقر.
على جانب الطريق السيار لاحظت الهندية روحا صفراء حزينة تحلق فوق قطعان البقر التي ترعى بسعادة… امرت بتوقيف الحافلة المكيفة للاستمتاع بمشهد البقر السعيد، فجأة شمّت رائحة عفنة شديدة، نزلت من الحافلة وعثرت على بقايا جثة بقرة.
بعد هذا الحدث المروع طالبت الهندية بتشريح الجثة وفتح تحقيق في الموضوع من قبل الشرطة القضائية لتحديد ظروف وملابسات الوفاة.
بينما التحقيقات الميدانية، انشر خبر اختفاء بقرات أخرى بشكل غريب… سرت إشاعات عن حملة إبادة لبقر البرازيلي… لكن الصحافة لم تهتم إلا حين اختفت بقرة غير أليفة لها رأس مستدير مثل بصلة… انتشرت الصورة بشدة لأن البقرة كانت عجفاء ولونها باهت وهو ما أفرز تعليقات تنمّر عنصرية يستحق أصحابها الحرق أحياء.
جرى بحث بوليسي وقضائي وكشف عن آثار جثة مشوهة بشكل مرعب. لقد قام القاتل بفصل اللحم عن العظم وجرى طحن الشحم واللحم بحيث اختفى أثره تماما… بينما وضع العظم في برميل ودفن في حقل بصل.
شعرت الهندية بالخزي والعار لما حصل لبنات جنسها، لذلك دعت إلى عقد مؤتمر دولي عاجل حول “الأبقار الجوالة والمخاطر التي تواجهها”.
بالموازاة مع جدل حق البقر في الحياة كشفت التحقيقات المعمقة أن تلك البقرة ذار رأس البصلة كانت على علاقة مع حمار انتهازي سعى للرقي بعِرْقه حين وقع في غرام بقرة ذُبح الثور حبيبها فبحثت عن بديل في ظرف سبعة أيام… وقد استأنست بالحمار الذي حاول أن يحل محل الثور المذبوح وطلب من حبيبته أن ترشده للطريقة التي سيتغير بها من أجلها…
مر الزمن خففت رومانسية الحمار من حزن القرة، خاصة وأن الحمار الحكيم قد حسن من مظهره ومن سلوكه حين صادق ثورا محليا ليعرف لماذا تعشق البقرات الثيران… تعلم الحمار المشي كثور يدفع صدره، زرع قرنين ونزع أسنانه العليا التي تظهر كبيرة حين يبتسم للشمس…
كان الحمار سعيدا بكل محاولات المسخ الذاتي التي ألحقها نفسه، حينها سأل حبيبته:
– هل أنت راضية عن شكلي؟
فقالت له بخيبة:
– كنت أتمنى لو أن قرنيك أطول من أذنيك.
شعر العاشق بقساوة التلميح وقال مدافعا عن مواهبه:
– يعبر الحمار بدقة عن نفسه بأذنيه، ولا يستطيع الثور فعل ذلك، وأنت لم تنسي حبيبك الأول وتريدين مني أن أكون لكِ نسخة منه.
زعم المعلقون أن ذاك الحمار أعمش لذا ذهب بعيدا وتحمل الإهانات حين “وقع في غرام بقرة عجفاء… وأن هذا حب غير متكافئ”.
تسرب سؤال صغير: “وأين يقع الحب المتكافئ؟”
حينها صار المراكشيون يصنفون ذلك الحمار ضمن فصيلة “بقر علال” الذي يمارس على نفسه مسخا شديدا.
لشرح ما جرى كتبت صحيفة جادة المعادلة التالية عن عشق الحمار، حب: ح ب. تنقسم الكلمة إلى حرفين:
ح ب
ح حمار
ب بقرة
حمار يضحك على البقرة.
والبقرة تطير فرحة، ثم تجد نفسها مفرومة. والحمار أصيب بجنون البقر وانتقم لنفسه.
تضامن الشعب مع البقرة. صحيح أن الحمار كائن ثديي أيضا لكن العِرق مختلف، لذلك اندلع نزاع عرقي بين البقرة والحمار رغم أن نسبة تشابه جينات البقر والحمير تبلغ تسعة وتسعين في المائة. وقد كثر معارضون لحمار وبالغوا في حكي نكت غبائه.
غضب الحمار الذي وقع في غرام صوته وقال أن معارضيه هم لاحمون متواطئون منحازون يقدمون حججا نرجسية سببها الانتفاع المجاني من وجبات اللحم. لذلك نشر الحمار فيديو قصير على تيك توك يحكي قصة حبه الفاشلة.
بعد انتشار للفيديو تغير اتجاه الرأي العام. حمّل المعلقون اللاحمون مسؤولية ما جرى للبقرة الغريبة، وأنها تستحق الإعدام. وزاد المعلقون من عندهم أن مرض جنون البقر انتقل إلى الحمير والبشر الذي يعيش في الزحام… كشفت الأحداث حجم تداخل حياة البشر والحيوانات والنباتات… وكان شم البصل هو العلاج الشعبي الفعال للمرض، وكانت مراكش تنتج ما يكفيها من البصل لذلك تصدره إلى لندن ونواكشط… وقد سمى مؤرخو الحوليات الحقبة التي جرت فيها الوقائع التي حكيناها سابقا بحقبة “البقر والبصل”.