- الإعلانات -
تتزايد ساكنة الفايسبوك يوما بعد يوم، لتقدر من طرف أهلها بما يفوق المليار نسمة. ساكنة من كل الأجناس والإثنيات واللغات والألوان والمعتقدات.. ساكنة تتواصل يوميا بكل سخاء، وتعرض من دون تردد أو خجل آمالها وطموحاتها وأحزانها وأفراحها ومشاريعها وذكرياتها ومنتجاتها وخصوماتها وأذواقها وحروبها الصغرى والكبرى وهلوساتها ومكبوتاتها وأجسادها… لا طابوهات هنالك (طبعا هنالك ممنوعات وحدود مرسومة من طرف المالكين، و ضغوطات من الدول…) مقارنة بالوجود الواقعي والحياة اليومية. كوكب يتشكل لا يشبه كوكبنا. لا حدود ولا جمارك و لا زعامات أو دول أو أقطار و قوميات… هو التعدد في حدوده القصوى والاختلاط في أبعد و أوسع مراحله. أو لنقل على لسان عالم الاجتماع الأرجنتيني Nestor garcia canclini إنها الهجانة في أوسع تجلياتها. في مؤلفه “الثقافات الهجينة: استراتيجيات الولوج إلى الحداثة والخروج منها ” يشغل مفهوم الهجانة Hybridité ليصف تقاطعات وتلاقحات وتعايش الثقافات المختلفة. مفهوم مستعار من البيولوجيا الحيوانية والنباتية، لكنه صالح لوصف الوضع الحالي للمجتمعات البشرية، وكذا تفكيك الخطابات الإثنوغرافية التي تسم الجماعات والشعوب بسمات ثابتة و جوهرانية. على المستوى التجريبي يقدم الكتاب مؤشرات عديدة نعيشها اليوم تقدم الدليل على الصلاحية والصدقية التي يتمتع بها مفهوم الهجانة. لقد أصبحنا نستهلك يوميا خضراوات هجينة ولحم حيوانات هجينة ونركب سيارات هجينة ونتحدث لغات هجينة ونشاهد فرق كرة قدم وطنية هجينة… مؤشرات يتطلب تتبعها ووصفها تتبع سيروراتها. سيرورات التهجين هي المقولة الإجرائية التي يقترحها “كانكليني” كي يتمكن من وصف و تحليل ارتماءنا داخل مجالات الحداثة وكذا منافذ مغادرة حقلها. ساكنة الفايسبوك ميدان بامتياز لاختبار قوة مقولة سيرورات التهجين على الوصف و التحليل، وكذا استقراء وجهة عيش البشرية المستقبلي. تجذر ساكنة الفايسبوك واقع التنوع والتعدد والاختلاف والاختلاط، وتضيق الخناق على المتجانس و الموحد والأصيل والصافي والخالص والواحد … على جميع المستويات ، مثلما تسير بهته الوتيرة المتسعة نحو المستقبل. هل يتعلق الأمر بتقديم نموذج مثالي idéal-type لنمط عيش بشرية الكوكب الأرضي المستقبلي؟ و هل يتعلق الأمر بسيرورة هادئة لتفكيك الهويات الصلبة والمنغلقة ومنطق سيادة “اللغات الحية” وجبروت أوهام الأصول الحرة والنقية للجماعات الإثنية و مركزية؟
ذاك ما هو حاصل و يحصل الآن. لكن مساراته ليست بسيطة و فرحة. فسيرورات التهجين لا تحمل غنى الاختلاط والتعايش و الإبداع فقط… بل إنها تحمل أيضا علاقات الصراع والتناقض و العنف. فالثقافات والمعتقدات والقيم لا تتعايش فيما بينها مثل وجودها في متحف. بل إنها تحيا في سياقات متفاوتة و متمايزة، و ضمن علاقات سلطة ولاتكافؤ .. لذا يتطلب رصد سيرورات التهجين، حسب “كانكليني” اعتبار منابع الصراع ومصادر الهيمنة والتراتبات واللاتكافؤات التي تولدها أفعال الاختلاط والتعدد والتنوع والاختلاف بين الجماعات والشعوب والثقافات والمعتقدات .. وضع معقد وغير بسيط، لكنه يتحرك ويتسع مداه. إنه نتاج ولوج المجتمعات عالم الحداثة، و هو أيضا مدعاة للخروج منها عبر رسم استراتيجيات ملائمة ومطابقة لتعقده. استراتيجيات يكثفها عالم الاجتماع الأرجنتيني في إدراك ومعرفة وتبين كل مجتمع و جماعة كيفيات التموضع والتموقع في المركب والمختلط والمتنوع … و فهم عمق سيرورات التهجين التي يعرفها العالم الآن ويؤشر عليها كوكب الفايسبوك وساكنته .