الكلمة للقناص الذي يتفاخر بمنجزاته في شوارع تونس بعد 2011… فكل من قتله القناص مات شهيدا. كلما زاد الشهداء زادت الثورة… من هنا ضرورة القناص…
الكلمة للقناص ليدافع عن وظيفته أثناء الثورة بعد سقوط زين الدين العابدين بن علي…
لقد جاء القناص الذي دعم الثورة وأخذ الكلمة ليدافع عن نفسه وليبرئها. وفي هذه المرافعة العبثية يستدل القناص – من موقعه حيث يكمن خلف منظاره يسدد على المتفرجين – على كونه ضروريا للثورة.
تمنح المسرحية “قناصةّ” الكلمة للقاتل من تونس. مسرحية عرضت ضمن عروض الدورة الرابعة لمهرجان طنجة الدولي للمسرح.
قناصة كوميديا اجتماعية عن مرحلة الثورة. فالقناص صنع المزيد من الشهداء. إذ لا ثورة دون شهداء. وهو قد أراح القتلى وهم 300 شاب من بؤسهم. وقد وفر تعويضا لأهالي الشهداء. كل شهيد يحصل على تعويض كبير.
يزعم القناص أن كل تونسي فقير يريد ان يكون هناك شهيد في اسرته ليفتخر بالوطنية ويحصل على تعويض ليخرج من البؤس. وهكذا يضرب عصفورين بشهيد. في خضم الجدل عن الحقوق كانت الثورة فرصة للانتهازيين.
الموت سائد لكنه يفسر حسب المصلحة. فكل من قتله القناص مات شهيدا وكل من قتلته الشرطة مات مجانا، مات ليس شهيدا لأنه مات ميتة طبيعية بوثيقة من الطبيب الشرعي. كلما زاد الشهداء زادت الثورة. كلما مات الشهداء وأعلن الحداد زاد منسوب الوطنية. كلما سقط شهيد خاف الناس وتوحدوا صفا واحدا وتطابقوا مع الدولة. وهذه معجزة سياسية.
إذن فثورة بلا قناصة ثورة منقوصة. ولن تنجح ثورة دون دم. ثم إنه قد سقط أربعون الف قتيل في الثورة الفرنسية لذا فالقناص التونسي بحاجة للمزيد من الرصاص. القناص فعال، لا يعذب الشهداء ولا يجرحهم بل يقتلهم فورا بطلقة بين العينين، النتيجة مضمونة.
الخطير أن أنه حين لا يموت أحد ترتخي حماسة الثوار. لذلك يعمل القناص الذي ينتمي لوزارة الداخلية حسب وزارة الدفاع التونسية.
مسرحية سوريالية تكشف لاوعي القناص وتمسرحته في خليط من الفكاهة والعبث. وبناء على منطقه العبثي لتبرير القتل فضمير القناص مرتاح. لذالك يطالب برد الاعتبار له أو منحه مكافأة. يتوجه للحكومة فيلاحظ عجزها لأنها مشكلة من معتقلين سابقين خرب السجن والمفنى صحتهم. لا يجد القناص حلا فيتمنى ظهور مارد ليحقق له الأماني. هنا أيضا وقع خلاف حول الامنية الوحيدة التي يجب تقديمها. فالأصلع يطالب بأن ينبت له شعر وهذا أهم له من نجاح الثورة. هنا يتضح أن الثورة لم تنجح لأن الثوري منحوس.
استدلال عبثي مفاده أن القناص ضروري لاستمرار ونجاح الثورة.
لماذا تندلع الثورات؟ وما كمية الدم التي تسيل من أجلها؟
تندلع الثورات بسبب البؤس والدم ضروري لاستمرارها. وتعد روايته ‘الممسوسون’ مختبرا إبداعيا فضح فيه فيدور دوستوفسكي آليات تشكل الثورة: إنها تحريض وتوحيد الجماهير بواسطة الدم الذي سُكب بطريقة جماعية.
هذه هي النظرية التي استخدمها سيرجي إيزنشتاين في ثورة البحارة ضد اللحم الفاسد وضمنت خلود فيلمه “المدرعة بوتمكين”. وقد قدم دم البوعزيزي في تونس آخر تطبيق لنظرية الموت العلني لإشعال ثورة.
مسرحية “قناصة” كوميديا اجتماعية عن مرحلة الثورة على فرض ان الثورة توقفت بعد فوز تحالف “نداء تونس” بالانتخابات على حساب “النهضة”. لكن القناص الحقيقي ظهر بعد عشر سنوات. قناص شاحب لكنه فعال… أرجع تونس إلى ما قبل مرحلة زين الدين العابدين بن علي وليلى الطرابلسي.
إنه “قناص” الثورة المضادة يمارس استدلالا عبثيا عن ضرورة القناص للثورة التي بدت نموذجية من الخارج وستدفن قريبا.
المسرحية من تأليف عماد الساكت ومن إخراج يوسف الصيداوي، تمثيل محمد اللافي وعماد الساكت وسينوغرافيا نزار بنخضرة. عرضت المسرحية لأربعين مرة وقد تم البدء في عرضها قبل خروج فيلم “القناص الامريكي” الذي كان يسدد على العراقيين وليس على الأمريكيين.
يسرر القناص التونسي على التونسيين.
على المستوى البصري تكاملت اجواء الديكور والإضاءة في خلق الغموض رغم فقر البرويتاج الذي يشكل خلفية للحدث الثوري. وهذا البرويتاج شاهد ضروري لدفع المتفرج للتصديق.
رغم كثافة عبثية حوار القناصين فهناك لحظات خواء ووقت ميت وقد تورط الممثل في مونولوج طويل مرتجل لمدة عشر دقائق لا صلة له بالنص الأصلي عن النحس والثورة. وهكذا طغى المحتوى السياسي للحظة على البحث الاسلوبي، في تفسيره لذلك قال المخرج إن الثقافة تحدث تحولا في العقول وهذا ما تحتاجه تونس.
القناص السعيد لا يحتاج ثقافة، هو يعرف كل الأجوبة ويفرضها على الشعب.