على مدى 14 عاما من توليه الرئاسة، اضطر علي بونغو إلى القتال أكثر من مرة لترسيخ سلطته التي ورثها عن والده، وهو يواجه حاليا انقلابا، على ما يبدو، أنه نحج في إنهاء حكم عائلته المستمر منذ 55 عاما .
وقال العسكريون الذين أعلنوا قبل ساعات حل مؤسسات الحكم، إن الرئيس البالغ 64 عاما “قيد الإقامة الجبرية، محاطا بأسرته وأطبائه”.
جاء ذلك بعيد إعلان فوز بونغو بولاية رئاسية ثالثة بحصوله على 64,27% من الأصوات، بحسب النتائج الرسمية “المنقوصة” بحسب الانقلابيين.
شن الرئيس الذي انتخب عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونغو حملة ضد “الخونة” و”المنتفعين” الذين ظنوا أنه انتهى عام 2018 بعد إصابته بجلطة دماغية في السعودية.
توارى بونغو حينها عشرة أشهر في الخارج خضع خلالها إلى علاج مكثف، وقد أضعف غيابه سلطته.
يشكك معارضوه آنذاك في قدراته العقلية والبدنية على قيادة البلاد، حتى أن البعض ادعى أن شبيها له عو ضه… لكن رغم التصلب في ساقه وذراعه اليمنى الذي يمنعه من التحرك بسهولة، حرص على بونغو على طمأنة زواره المنتظمين من دبلوماسيين وغيرهم.
خلال فترة ولايته الأولى، كان علي بونغو نقيض والده: ففي غياب كاريزما وثقة “البطريرك” الذي حكم دون منازع لمدة 41 عاما الدولة الصغيرة الغنية بالنفط في وسط إفريقيا، واجه الابن صعوبة في ترسيخ سلطته، لا سيما في مواجهة القادة الناقدين في حزبه الديموقراطي الغابوني العتيد.
وعند إعادة انتخابه عام 2016 واجه منافسة شديدة من المعارضة وفاز رسميا بفارق 5500 صوت فقط. مثل ذلك صدمة لحكمه، تبعتها صدمة ثانية – الجلطة الدماغية – عجلت بتآكل سلطته.
تخللت فترة نقاهته محاولة انقلاب فاشلة وغامضة نف ذتها حفنة من العسكريين في 7 يناير 2019، ومحاولة لتهميشه من مدير مكتبه النافذ بريس لاكروش أليهانغا.
منح بونغو مدير مكتبه صلاحيات واسعة بثقة عمياء، ولاكروش يقبع في السجن منذ أكثر من ثلاث سنوات، مع العديد من الوزراء وكبار المسؤولين، وجميعهم مستهدفون بحملة “مكافحة فساد”.
تبنى علي بونغو منذ الحملة نهجا “صارما” تجاه الوزراء والمستشارين الذين أخضعهم لعمليات تدقيق وأقال بعضهم في ظل استشراء الفساد منذ حقبة “فرانس أفريك” التي كان والده عمر بونغو أحد ركائزها.
من جهتها، اعتبرت المعارضة أن تصريحات بونغو جوفاء، وأنه لم يف بوعوده في ظل اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في واحدة من أغنى دول إفريقيا من ناحية نصيب الفرد من الناتج المحلي الخام، لكنها تواجه صعوبات في تنويع اقتصادها المعتمد بشكل مفرط على النفط، فيما واحد من كل ثلاثة غابونيين تحت خط الفقر.
ورث علي بونغو جزءا من ثروة والده الهائلة، وقد انتقدت المعارضة خلال ولايته الأولى ابتعاده عن هموم شعبه، وانعزاله في عقاراته الفاخرة في الغابون وخارجها، أو خلف مقاود سياراته الفخمة.
في الآونة الأخيرة، حاول بونغو وضع استراتيجية سياسية مثل والده: فقد ضاعف الانتقادات لأركان حكمه، واستهدف المعارضة المنقسمة.
واعتبره أنصاره طائر فينيق نهض من الرماد، فيما اعتبر منتقدوه أنه يتعرض لضغوط من حاشيته غير الراغبة في التخلي عن السلطة بعد 55 عاما من حكم “سلالة بونغو”.
لم يكن علي بونغو شغوفا بالسياسة في شبابه، فقد كان مسافرا محبا للموسيقى، وأراد أن يكون “جيمس براون الغابوني” وسجل شريطا بعنوان “سول، ديسكو، فانك” عام 1978.
ثم غير اسمه من آلان برنار بونغو إلى علي بونغو تماشيا مع قرار والده اعتناق الإسلام عام 1973.
وفي عام 1989، عرض عليه عمر بونغو، وهو في سن التاسعة والعشرين، وظيفة رفيعة في الشؤون الخارجية، ثم بعد عشر سنوات حقيبة الدفاع الاستراتيجية التي شغلها حتى عام 2009.
بعيد انتخابه، نأى علي بونغو بنفسه ظاهريا عن باريس، مخالفا سياسات والده، إلى درجة أنه هجر منازل العائلة الفاخرة في فرنسا.
بسبب تلك العقارات، وجهت لائحة اتهام إلى تسعة آخرين من أبناء عمر في باريس، لا سيما إخفاء اختلاس أموال عامة، في ما يسمى بقضية “المكاسب غير المشروعة”.